في مقابلة مع صحيفة «جمهورييت» التركيّة، تحدّث الرئيس السوري بشار الأسد عن الأزمة بين بلاده وأنقرة، وخصوصاً قضية إسقاط الطائرة التركيّة، التي قال إنه لم يكن يتمنى إسقاطها، مشيراً إلى الحرص على العلاقة مع أنقرة، التي قال إن الأخيرة كانت تنسفها. وقال الأسد، في الحوار الذي نشرت نصّه وكالة «سانا»، إنه «منذ بدء الأحداث في سوريا، كنا نحاول أن نعمل بأكثر من اتجاه، الأول هو حل الأزمة الداخلية في سوريا ومواجهة الإرهابيين، والثاني هو محاولة الحفاظ على ما بنيناه في العلاقة السورية التركية». لكنه أضاف: «كنا نرى في كل خطاب وفي كل خطوة وفي كل قرار تأخذه الحكومة الحالية في تركيا خطوة باتجاه نسف هذه العلاقات». وتابع: «أستطيع أن أقول إنهم تمكنوا من تدمير معظم البناء الذي بنيناه، ولكن ما بقي الآن هو الأساس. هذا الأساس هو العلاقة بين الشعبين». وأكد «العمل جاهدين لكي لا تصل الأمور إلى مواجهة»، مشيراً إلى أن «هذه المواجهة خاسرة بالنسبة إلى سوريا وبالنسبة إلى تركيا...
رغم ذلك فإني أراها تذهب بهذا الاتجاه على المستوى الحكومي فقط. أما على المستوى الشعبي، فإن الشعب التركي واعٍ ويعلم أن هذه الحكومة تريد أن تجره إلى مواجهة من أجل مصالح خاصة، لا من أجل مصالح وطنية».
وعن الموقف السوري من إسقاط الطائرة التركية، ومن تصريحات الحكومة التركية بأن سوريا هي التي أسقطت الطائرة عن قصد، بتعليمات من الأسد مباشرة، قال الرئيس السوري: «ربما كانوا يجلسون معي في الغرفة... هذا كلام سخيف». وأضاف: «هناك خياران: أن نكون قد أسقطناها عمداً كما يدّعون، أو أن نكون قد أسقطناها خارج المياه الإقليمية خطأً. إذا حصل خطأ وأسقطناها خارج المياه الإقليمية لا توجد لدينا مشكلة في أن نقول ذلك ونقدم اعتذاراً رسمياً. والشعب التركي سيقدر هذا الشيء. أما إذا أسقطناها عمداً، فالسؤال المنطقي: ما هي مصلحة سوريا في أن تسقط طائرة تركية عمداً؟».
وأوضح الأسد أن «ما حصل في حقيقة الأمر أن الطائرة أسقطت بمدفع من أصغر المدافع التي تستعمل ضد الطائرات، وهذا المدفع لا يصل مداه إلى أكثر من 2.5 كيلومتر، والمدافع المضادة للطائرات من الصعب جداً أن تسقط طائرة مقاتلة، إلا إذا كانت منخفضة جداً، وبالتالي إسقاطها بهذا المدفع معناه أنها كانت بمدى أقل من 2.5 كيلومتر من اليابسة وعلى علو منخفض جداً. وفي الأحوال العادية وأجواء السلم عندما تأتيك طائرة صديقة من أي دولة بالعالم وتقوم بهذا العمل فأنت لا تسقطها، فكيف إذا كانت دولة جارة كتركيا؟ ولكن نحن دولة في حالة حرب، وعندما لا تعرف هوية هذه الطائرة فأنت تفترضها طائرة معادية. وهذا الشيء لا يحصل بشكل مركزي؛ لأن الطائرة عندما انخفضت بشكل كبير لم تكن مرئية على الرادارات السورية».
وشرح الرئيس السوري الأمر، قائلاً: «عندما علمنا بأننا أسقطنا طائرة لا نعرف ما هي هويتها وأعلنت تركيا اختفاء طائرة، توقعنا أن تكون هذه الطائرة هي تركية، لم يتصل بنا أي طرف تركي، نحن الذين اتصلنا بالطرف التركي، وبعد ساعات أتانا الرد وأرسلت زوارق الإنقاذ، وطبعاً كان هناك تعاون سوري تركي في موضوع إنقاذ الطيارين». وأضاف أن «ما لم يجر الحديث عنه هو أن المكان الذي اختُرق هو المكان نفسه الذي طالما حاولت إسرائيل اختراقنا عبره، وبالتالي فإن الخرق في هذا المكان الحدودي يعطي انطباعاً لأي عسكري سوري بأن الطائرة قد تكون معادية، وبناءً عليه جرى التصرّف على هذا الأساس».
ورداً على سؤال عن الطيارين اللذين قتلا في حادث إسقاط الطائرة التركية، قال الأسد: «بغض النظر عن سياسات (رجب طيب) أردوغان التي لم ترسل للشعب السوري سوى الدمار والدماء، وبغض النظر عن هذه الحكومة التي تتمنى لشعبنا الموت، نحن نتمنى للشعب التركي كل الخير؛ فالشعب التركي هو شعب شقيق، وهذا شيء لا نقاش فيه بالنسبة إلينا. ونقدّر ما سمعناه من والد أحد الطيارين عندما خاطب أردوغان بالقول إن من قُتل هو ابني ولا نريد أن نستغل القضية للتوجه نحو الحرب. هذا موقف مشرف ويستحق الاحترام، وبكل تأكيد نحن نشعر بشعورهم».
ورداً على سؤال: «هل كنتم تتمنون ألا يحصل هذا الشيء؟»، قال الرئيس السوري: «لا نتمنى أن يحصل هذا الشيء مع أي طائرة غير معادية، لا مع طائرة تركية فقط. لكن في المقابل، أي طائرة غير معروفة وبالظروف نفسها حتى لو كانت سورية تُعدّ معادية. هذه قواعد عمل عسكرية وليست قواعد سياسية، وأعتقد أنها موجودة في معظم دول العالم».
ورداً على سؤال عن أن «الطرف التركي يدّعي أن نقاط القوة بالنسبة إليه أن هذه الطائرة استكشافية، لا أسلحة فيها ولا حماية، فلماذا ضُربت؟»، قال الأسد إن «القواعد العسكرية لا ترتبط بنوع الطائرة أو بمهمتها أو تسليحها. والمقاتل أو الجندي الذي يجلس على المدفع لا يعرف إذا كانت هذه الطائرة استطلاعية أو مقاتلة أو تحمل صواريخ أو لا تحمل صواريخ أو أنها دخلت بالخطأ أو أنها دخلت لتقوم بعمل عدائي. لا يستطيع أن يقدر ذلك». وتساءل: «لماذا لم يبلغونا بأن هناك طائرات ستقترب من المجال الجوي السوري؟». ورأى أنه «لو كان هناك تنسيق بين الجيشين، لبلّغنا عن المناورات، وعندها يكون أسهل تقدير مثل هذه الحالات».
وعن الرد السوري على أن الحكومة التركية ترى الآن في سوريا حكومةً ونظاماً عدواً وبدأت بحشد قوات عسكرية على الحدود السورية نتيجة الأزمة، قال الرئيس السوري إن «أسوأ مرحلتين مرتا في تاريخ العلاقات السورية التركية هما في عام 1998 عندما حشدت تركيا جيوشها، وفي الخمسينيات أيام حلف بغداد، ومع ذلك لم ننظر إلى تركيا كعدو، فمن البديهي ألا ننظر اليوم ولا في المستقبل لتركيا على أنها عدو حتى لو اختلفنا مع الحكومات»، مشيراً إلى أنه «لكي تكون هناك عداوة بين سوريا وتركيا، لا بد من أن يكون هذا العداء على مستوى الشعب. لا يكفي أن تكون الحكومات معادياً بعضها لبعض. لذلك، لا توجد حشود سورية باتجاه تركيا».
وفي سياق آخر، ورداً على سؤال عن تقويمه لقمّة جنيف حول سوريا التي انعقدت يوم السبت الماضي، قال الأسد: «لم يحصل اتصال مباشر بعد بيننا وبين (المبعوث الدولي) كوفي أنان أو بين الطرف الروسي حتى هذه اللحظة، لكنْ هناك نقاط كانت واضحة في ما صرّح به أنان ووزير خارجية روسيا سيرغي لافروف. أولاً، إن الشعب السوري هو الذي يحدّد، وهذا هو موقفنا في سوريا. يجب أولاً وقف العنف، وهذا موقفنا في سوريا. يجب نزع سلاح المجموعات المسلحة، وهذا هو موقفنا». وأضاف أنه «(كما قال أنان) الأيادي الملوثة بالدماء السورية ليست موجودة داخل سوريا فقط، بل في الخارج، وهذا يؤكد دور الدول الأخرى التي تورطت»، مشيراً إلى أن «هذه النقاط بالنسبة إلينا جوهرية، ولكن أهم شيء يعنينا ولا نوافق على غيره هو أن كل شيء يُتَّخذ القرار بشأنه داخل سوريا، لا خارجها». وتابع قائلاً إنه «ما دام كل شيء يخضع للسيادة السورية فكل شيء آخر قابل للنقاش، وأي شيء يتدخل في السيادة السورية لا يعجبنا، وأمس قال أنان إن كل شيء يخضع للشعب السوري وهذا يرضينا».
وعن الحديث في مؤتمر جنيف عن انتقال السلطة وعن طلبات داخلية وإقليمية ودولية يجب تنفيذها لإتمام عملية الإصلاح، قال الرئيس السوري: «إقليمياً ودولياً ليس لهم علاقة. نحن لا نقبل أي شيء يفرض علينا من الخارج. كل شيء يحدد داخلياً. ولو كنت أنا شخصياً أهتم بالمنصب لكنت قد نفذت إملاءات أميركا وطلبات البترودولار. كنت قبلت بأن أبيع مواقفي ومبادئي لهذا البترودولار. والأهم من ذلك كنت نصبت درعاً صاروخية في سوريا». ورأى أنه «إذا كان ذهاب الرئيس يحقق مصلحة البلد، فمن الطبيعي أن يذهب الرئيس، لا يجوز أن تبقى يوماً واحداً إذا كان الشعب لا يريدك»، مشدداً على أن «الانتخابات هي التي تظهر إن كان (الشعب) يريدك أو لا».
(يو بي آي، سانا)