القاهرة ــ الأخبار في اليوم الثاني لاجتماع المعارضة السورية في القاهرة، كان من المفترض أن يخرج المؤتمرون بصيغة توحيدية تريدها الجامعة العربية والدول الغربية لتسهيل «العملية الانتقالية» التي أقرها مؤتمر جنيف للأزمة السورية، غير أن الخلافات، التي استمرت حتى وقت متأخر من مساء امس، خيّبت آمال العرب والغربيين، في ظل الأجواء التي شهدتها الاجتماعات، والتي أخّرت صدور بيان ختامي، كان من المفترض انه تم الاتفاق عليه في الاجتماعات التحضيرية التي سبقت المؤتمر.
وفي إطار الخلافات، أفيد عن حدوث مشادات، وصلت لحدّ الاشتباك بالأيدي بين أعضاء «حزب التجمع الكردي» وبعض السياسيين، إثر خلافات على بنود في الوثيقة الختامية تتعلق بالأكراد. وغادر، بعدها، أعضاء حزب التجمع الكردي وأعلنوا رفضهم الاستمرار بالمؤتمر، وسط صرخات من بعض المندوبين الذين هتفوا «فضيحة.. فضيحة». وبكت نساء بينما تبادل رجال اللطمات وسارع عاملون في مقر الاجتماع الى ابعاد المناضد والمقاعد مع اتساع المشاحنات.
وقال عبد العزيز عثمان من المجلس الوطني الكردي في سوريا ان الاكراد انسحبوا لأن المؤتمر رفض بندا يدعو إلى الاعتراف بالشعب الكردي. وأضاف ان هذا الامر ظالم وانهم لن يقبلوا التهميش بعد الآن.
وقال مصدر مطلع، في تصريحات صحافية، إن «حديث أحد المعارضين المنتمين إلى الكتلة الكردية أثار استياء عدد كبير من المعارضين، الذين اعتبروا أن الحديث عن اللغة الكردية، واعتمادها في المناطق الخاصة بالأكراد، يعتبر تمهيداً لتقسيم سوريا». وأضاف المصدر أن «هناك خلافاً آخر بين عدد من المعارضين والكتل بعد مطالبة آخرين بدعم الجيش الحر بالأسلحة، لقيادة الكفاح ضد نظام الرئيس بشار الأسد، ولإبعاد شبح التدخل الخارجي، الذى ينذر بحرب أهلية إقليمية قد تمتد لسنوات». وكشف المصدر، أيضاً، «أن هناك اعتراضات على موضوع الحوار مع النظام السوري، وتشكيل حكومة انتقالية، حيث رأى عدد من المعارضين أنه لا حوار مع نظام الأسد، ولا حكومة ولا حل إلا بسقوط كامل للنظام، وعلى رأسه الرئيس الأسد ورموز حكمه ونظامه، وتقديمهم جميعاً إلى المحاكمة للقصاص منهم».
وأدت الخلافات التي شهدها المؤتمر إلى خروج الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي غاضباً من الجلسة، قبل أن يعود مرة أخرى.
وكانت بداية الخلاف قد ظهرت مع اعلان «الهيئة العامة للثورة السورية» انسحابها من المؤتمر. وعزت الهيئة انسحابها «للتصعيد الذي يمارسه نظام الأسد، واستمرار المجازر في ظل العجز الدولي». وأكدت، في بيان لها، أنها لن تدخل في تجاذبات سياسية تتلاعب بمصير الشعب السوري وثورته. كذلك دعت إلى الاستمرار «بتعزيز الوحدة الوطنية لقوى الثورة وبشكل أساسي مع الجيش السوري الحر». غير أن ممثلة الهيئة العامة للثورة للشؤون الإغاثية والسياسية، سهير الأتاسي، نفت انسحاب الهيئة من المؤتمر، وقالت لقناة «الجزيرة» إن «بيان انسحاب الهيئة صدر عن أفراد بعيدين عن أجواء الاجتماع، واعتمدوا على القيل والقال».
وبرزت خلافات أيضاً بين أطراف المعارضة السورية بشأن التنسيق لمرحلة ما بعد نظام الأسد، إذ سجلت جماعة الإخوان المسلمين اعتراضها على بند في الوثيقة، التي يفترض أن يتمخض عنها المؤتمر، والمتعلقة بقضية الفصل التام بين الدين والدولة. ورغم تأكيد ممثل جماعة «الإخوان» خضر السوطري أنها لا تسعى إلى إقامة دولة دينية، فإنه شدد على رفضها لإدراج هذا البند في الوثيقة النهائية للمؤتمر، فيما اعتبر عضو المجلس الوطني السوري أديب الشيشكلي أن من أكبر التحديات «سدّ الفجوة بين السوريين في الخارج والثوار في الداخل»، معتبراً أن السوريين في الداخل عليهم أن يقوموا بدور كبير بأي بناء مؤسسي.
بدوره، رأى دبلوماسي من جامعة الدول العربية أن فشل المعارضة السورية في توحيد صفوفها «يقوّي موقف الأسد ويزيد من صعوبة تصدي المجتمع الدولي للأزمة، فيما يتباين مع الطريقة التي تمكن بها معارضو العقيد الليبي الراحل معمر القذافي من توحيد صفوفهم». ونقلت وكالة «رويترز» عن الدبلوماسي قوله «إنهم يفتقرون تماماً إلى الوحدة، خلافاً للمجلس الوطني الليبي الذي كان منظماً على الأرض، الأمر الذي مكننا من تقديم دعم أكبر له. لكن المعارضة السورية بعيدة عن الشعب وغير منظمة».
وسبق بروز الخلافات تسريب نص البيان الختامي لمؤتمر المعارضة، الذي يؤكد على «ضرورة إسقاط السلطة الحاكمة في دمشق بكافة رموزها السياسية وفاء لتضحيات الشعب السوري». كما نص على أن «الوصول إلى هدف إسقاط النظام سيكون من إرادة الشعب السوري، والدعم العربي والدولي لحماية وحدة الأراضي السورية، وتنفيذ جميع القرارات الأممية».
وأكد البيان «ضرورة محاسبة مرتكبي الانتهاكات في سوريا، وضرورة دعم الجيش السوري الحر والحراك الثوري، والعمل على توحيد جهود المعارضة على كافة الصعد». واشار البيان إلى أنّه «فور سقوط بشار الأسد ورموز السلطة، تتم إقالة الحكومة الانتقالية، وحلّ مجلس الشعب الحالي وتشكيل حكومة تسيير أعمال بالتوافق بين قوى المعارضة السياسية والثورية، وسلطة الأمر الواقع، ومن لم تتلطخ أيديه بدماء السوريين، أو نهب المال العام». كذلك ينص البيان على حلّ حزب البعث الحاكم ومؤسساته، والدعوة إلى مؤتمر وطني واسع في دمشق بهدف إقرار تشكيل جسم تشريعي مؤقت.
ويعمل الجسم التشريعي المؤقت، وفقا للبيان، على إصدار إعلان دستوري يحدد صلاحيات السلطة، ويضع قانوناً انتخابياً لتشكيل جمعية تأسيسية لكتابة الدستور. وتتولى الحكومة الانتقالية إدارة شؤون البلاد تحت رقابة الجسم التشريعي، الناتج من المؤتمر الوطني. ويضيف البيان أنه «خلال مدة أقصاها سنة من تشكيله، يقوم الجسم التشريعي المؤقت والحكومة الانتقالية بالعمل على إجراء انتخابات لبرلمان تأسيسي، يقر مشروع الدستور ويطرحه للاستفتاء العام في مدة أقصاها ستة أشهر».
وفي سياق آخر، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، إنه سيلتقي بزعماء من المعارضة السورية في موسكو الأسبوع المقبل، لبحث إمكانية وقف العنف في بلادهم. وقال لافروف، في مؤتمر صحافي مع نظيره الفيتنامي فام بينه مينه، «سنستغل هذا الاجتماع مع جماعة سورية معارضة أخرى لمواصلة العمل على إنهاء العنف، وبدء حوار بين الحكومة وكل جماعات المعارضة السورية في أسرع وقت ممكن».