رام الله | في فلسطين، تفاصيل الاحتلال الإسرائيلي كثيرة جداً. هي لا ترتبط فقط بسرقة الأرض وانتهاك العرض والقتل والهدم والاعتقال والحواجز، فمخلفاته من المتفجرات، التي تترك في معسكرات التدريب التي يقيمها على أراضي الفلسطينيين القريبة من منازلهم، هي الأخرى تقتلهم وتجرحهم وتسبب لهم إعاقات وعاهات دائمة.تتعمد دولة الاحتلال إقامة معسكرات التدريب خاصتها في الأراضي المحتلة، القريبة من المناطق التي يعيش فيها المواطنون الفلسطينيون، وبعد كل مناورة تترك في المكان الكثير من المخلفات العسكرية التي لم تنفجر، من دون أن تعالجها. ويؤكد مدير إدارة هندسة المتفجرات الفلسطينية العقيد المهندس محمد غنايم لـ«الأخبار»، أن «معسكرات التدريب الإسرائيلية، لا يوجد عليها حراسة، ولا أسلاك شائكة تحيط المكان، كذلك لا وجود لإشارات تحذيرية، وهذه كارثة». ويشير الى أنه «منذ عام 1967، سقط العديد من القتلى، وأكثر من 500 إصابة وإعاقة»، كانت أغلبها بسبب القذائف غير المنفجرة، والألغام التي تركت هنا وهناك، ليكون الهدف الرئيسي لها البدو الرحل من الفلسطينيين، الذين يتنقلون مع ماشيتهم في البرية بنحو متواصل.
وتطرق غنايم إلى المشكلة الرئيسية في هذا الأمر، قائلاً إن «غالبية معسكرات التدريب هذه تقع في المنطقة «ج»، وهي المنطقة الخاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، وبالتالي إن وصول رجال هندسة المتفجرات إلى المكان غير متاح في أي وقت، ويتطلب الأمر تنسيقاً مسبقاً، غالباً ما يأتي بالرفض من الجانب الإسرائيلي».
ويشير غنايم إلى إحدى أكثر حوادث القتل التي وقعت بسبب مخلفات الاحتلال، ويقول إن أحد الفلسطينيين عثر على 65 رأساً متفجراً، بينما كان يرعى أغنامه، فعاد بها إلى منطقة سكنه، وبدأ بقصها لبيعها لمحالّ الخردة فانفجر به أحدها فقتل على الفور هو وابنه، وأُصيب ابن آخر له بجروح بالغة. ويضيف أن الحدث الأبرز لإسرائيل كان «كيف استطاع هذا الفلسطيني الوصول إلى المكان؟ لكن السؤال الحقيقي لدى الجانب الفلسطيني هو لماذا تركت هذه الكمية الكبيرة من المتفجرات في المكان من دون معالجتها؟ وبالتالي، إن الجانب الإسرائيلي يتعامل مع الفلسطيني وكأنه لا شيء والمهم هو جيشه وأسلحته».
وكانت آخر الانفجارات قد وقعت في منطقة سعير بالخليل المحتلة، حيث استُشهد فيها طفلان وأُصيب خمسة أشخاص آخرين نتيجة انفجار قذيفة هاون من مخلفات جيش الاحتلال داخل محل للخردة. وفرضت شرطة هندسة المتفجرات على الأثر طوقاً أمنياً في المكان، وفتحت تحقيقاً بالحادث لتبين أن الجسم المنفجر كان عبارة عن «قذيفة هاون من مخلفات جيش الاحتلال». كذلك شكلت الأجهزة الأمنية في مدينة الخليل لجاناً للتحقيق في ظروف الحادثة، وأظهرت نتائج التحقيق أن ما جرى كان بفعل «انفجار قذيفة هاون من عيار 62 ملم من مخلفات جيش الاحتلال».
بدورها، حمّلت السلطة الفلسطينية الاحتلال مسؤولية استشهاد الطفلين، وبعثت برسائل طالبت فيها المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لإجبار إسرائيل على «التوقف عن القيام بتدريبات عسكرية في مناطق الضفة الغربية المحتلة وعلى مقربة من مراكز الحياة الفلسطينية». كذلك طالبت السلطة إسرائيل بتسليمها «خرائط حقول الألغام» المنتشرة في عدّة مناطق في الضفة الغربية، التي سبّبت وقوع حوادث وفاة وإصابات في صفوف المواطنين، ولا سيما أنّ السلطة الفلسطينية شكّلت لجنة استشارية وطنية عليا للأعمال المتعلقة بالألغام، التي تعمل بالتنسيق مع الأمم المتحدة، وهي تشرف على المركز الفلسطيني لإزالة الألغام التابع لوزارة الداخلية.
لكن السلطة الفلسطينية تصطدم دائماً بالعقبة الوحيدة التي قد تحول دون ذلك، وهي العراقيل الإسرائيلية، وبالتالي سقوط المزيد من الأبرياء، ما يستوجب تدخلاً دولياً من المجتمع الدولي، لأن إسرائيل لن تسلم خرائط كهذه للسلطة الفلسطينية، لكونها تتعلق بقضية أمنية من الطراز الأول.
وقد حاولت «الأخبار» الاتصال بعائلات الطفلين (زايد جرادات وحمزة جرادات) اللذين استشهدا في الحادثة الأخيرة، لكنهم آثروا الصمت والصبر على جرائم الاحتلال الإسرائيلي التي ترتكب بحق الفلسطينيين، حتى بمخلفاته كي يبقى الجرح الفلسطيني نازفاً.