الخرطوم | تراجعت الحكومة السودانية عن موقفها المتشدد والرافض لفتح أبواب جنوب كردفان والنيل الأزرق أمام منظمات الإغاثة الدولية، بإبلاغها مجلس الأمن الدولي، رسمياً، قبولها التدخل الإنساني في المنطقتين اللتين تشتعلان حرباً بين الجيش السوداني ومقاتلي الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال.وقال مندوب السودان لدى الأمم المتحدة، دفع الله الحاج موسى، في تصريح صحافي نقلته وكالة الأنباء السودانية الرسمية «سونا»، إنه بعث برسالتين في هذا الخصوص، لكل من رئاسة مجلس الأمن الدولي ومكتب الأمين العام للأمم المتحدة، أخطرهما فيهما بموافقة حكومته على الخطوة، ولكن في إطار المبادرة الثلاثية الخاصة بتقديم العون الإنساني في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. وهي مبادرة أقرتها الحكومة السودانية، إلى جانب الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والأمم المتحدة، وتقوم على تسعة مبادئ أساسية «لضمان حق السودانيين في مناطق النزاع في جميع أرجاء البلاد في تلقي الإغاثة».
ويعتبر موقف الخرطوم بمثابة خاتمة لجدل طويل بينها وبين الأمم المتحدة، انتهى عبر اجتماع استضافته الخرطوم، في السابع والعشرين من الشهر المنصرم، ضم ممثلين لما سمّي اللجنة التنسيقية، والتي تشمل عضويتها ممثلين لمفوضية العون الإنساني السوداني ومنظمات الأمم المتحدة للعون الإنساني.
وتشتمل المبادئ، التي تمت موافقة الخرطوم بناءً عليها، على ما وصفته ديباجة المبادرة «الالتزام الصادق بسيادة السودان، وواجب حكومة السودان في صيانة هذه السيادة والوحدة الترابية والإقليمية للبلاد وحقها في حفظ الأمن وتنفيذ القانون وتطبيقه، وكفالة حق الحصول على الغذاء والمساعدات الإنسانية لكل المتأثرين بالنزاع دون تمييز». كما اشتملت الديباجة على ضرورة أن تعمل الأطراف «على الوقف الفوري للنزاع المسلح عبر منهج متكامل تقره الأطراف».
وتضمنت المبادرة الثلاثية نشر مراقبين عرب وأفارقة في مناطق النزاع لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين فقط، والحيلولة دون تسربها إلى المتمردين، وهي النقطة الجوهرية في خلافات الحكومة والأمم المتحدة تجاه الوجود الإنساني الدولي في مناطق الحرب في النيل الأزرق وجنوب كردفان.
وتقدر الأمم المتحدة عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في المناطق التي تقع خارج سيطرة الحكومة السودانية في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بحوالى 109 آلاف شخص، ممن هم بحاجة ماسة إلى التدخل الإنساني العاجل، إذ تعاني مناطقهم نقصاً حاداً في الغذاء.
وكانت الحكومة السودانية تعارض دخول المنظمات الإنسانية، ولا سيما تلك الدولية، إلى مناطق النزاع في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، بحجة أن الجيش الشعبي لتحرير السودان، الجناح العسكري للحركة الشعبية لتحرير السودان ـــ قطاع الشمال، سيستفيد من المواد التي ستصل إلى تلك المناطق.
ويرى محللون أن قبول الخرطوم بالمبادرة الثلاثية لإغاثة النيل الأزرق وجنوب كردفان في هذا الوقت بالتحديد جاء نتاج ضغوط دولية، آخرها قرار مجلس الأمن الدولي رقم «2046»، والخاص بإنهاء النزاع بين دولتي جنوب السودان والسودان. وألزم القرار الخرطوم بضرورة فتح ممرات إنسانية في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. وأوضح المحلل السياسي، طلال إسماعيل، لـ«الأخبار»، أن الحكومة السودانية لديها علاقات طيبة مع المجموعة العربية والأفريقية، وهو ما دفعها إلى قبول نشر قوة المراقبين الآفرو ـــ عربية في المنطقتين. وأضاف «أعتقد أنها النقطة الجوهرية، التي بنت الخرطوم عليها موافقتها على قبول المبادرة وتطبيقها»، لكنه نبه إلى أن «هذا لا يعني ضماناً تاماً لتنفيذ المبادرة في ظل الأوضاع الأمنية على الأرض».