القاهرة | انتهت مراسم تسليم السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى أول رئيس منتخب بعد ثورة 25 يناير، وتقبّلها محمد مرسي، رئيس الجمهورية، قائلاً «أنا قبلت السلطة»، لينتهي فصل من فصول المرحلة الانتقالية التي عاشتها البلاد منذ خلع حسني مبارك عن الحكم. لكن لا تزال هناك فصول أخرى، لم يكتب لها النهاية بعد.
سيناريوات تتحدث عن صدام وشيك بين المؤسسة العسكرية والرئيس المنتخب، وسيناريوات أخرى تتحدث عن خضوع الرئيس لسطوة المجلس العسكري. وبينهما سيناريو يتحدث عن نوع من المرونة سيتعامل بها الرئيس الجديد مع العسكر، مستنداً إلى تجربة الإسلاميين في تركيا، وما حدث من صدام في تسعينيات القرن الماضي بين نجم الدين أربكان، رئيس وزراء تركيا السابق، والعسكر في تركيا، في مقابل نجاح رئيس الوزراء التركي الحالي، رجب طيب أردوغان، في تحجيم دور المؤسسة العسكرية في تركيا. ويبدو أن مرسي سيتخذ هذا الطريق، ولا سيما بعدما أعلن أكثر من مرة في خطابه أول من أمس في جامعة القاهرة، شكره للمجلس العسكري والقوات المسلحة. وبدا ذلك واضحاً أيضاً، بعدما هتف نواب حزب الحرية والعدالة، الحزب الذي كان مرسي مرشحاً له في انتخابات الرئاسة، بأن «الجيش والشعب إيد واحدة»، بينما كان عدد من طلاب الجامعة والحضور يهتفون بسقوط حكم العسكر، أثناء دخول رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المشير محمد حسين طنطاوي وعدد من أعضاء المجلس قاعة الاحتفالات بالجامعة.
أما مرسي، فقال في خطاب جامعة القاهرة، «لقد وفى المجلس الأعلى للقوات المسلحة بوعوده وعهده الذي أخذه على نفسه بألا يكون بديلاً من الإرادة الشعبية». وأضاف «المؤسسات المنتخبة ستعود إلى أداء دورها ويعود الجيش المصري العظيم ليتفرغ لمهمته في حماية أمن الوطن وحدوده، والحفاظ على قواتنا المسلحة قوية عزيزة متماسكة تعمل مع باقي مؤسسات الدولة في إطار الدستور والقانون».
أما خلال مراسم التسليم التي أقامها الجيش في مقر القيادة المركزية في العاصمة، فأدى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المشير محمد حسين طنطاوي، والفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش، التحية العسكرية للرئيس الجديد عند وصوله إلى مقر الاحتفال. وهو ما قدّره مرسي بقوله «التحية لا تؤدى إلا لمن هو أعلى رتبه وأكبر إرادة... كان ذلك إقراراً من القوات المسلحة بأن الشعب المصري هو صاحب الإرادة الأعلى».
وبالرغم من تسليم السلطة رسمياً، يبقى الإعلان الدستوري المكمل، ما يجعل من التسليم والتسلم ينقصه الكثير، إذ ينص على أن «يختص المجلس العسكري بتقرير كل ما يتعلق بشؤون القوات المسلحة، ويكون لرئيسه، إلى حين إقرار الدستور الجديد، جميع السلطات المقررة في القوانين واللوائح للقائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع». كذلك ينص على أنه يحق أن «يعلن رئيس الجمهورية الحرب بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة»، وأنه «يجوز لرئيس الجمهورية في حالة حدوث اضطرابات داخل البلاد، إصدار قرار باشتراك القوات المسلحة في مهام حفظ الأمن وحماية المنشآت الحيوية بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة».
المواد الثلاثة بالإعلان المكمل، جاءت لتكبّل صلاحيات الرئيس المنتخب. ورغم قول مرسي في خطابه بميدان التحرير الجمعة، إنه لن يسمح لأحد بأن ينتقص من صلاحيات رئيس الجمهورية، يبقى أن ما قاله مجرد أقوال حتى الآن. فقد ذهب إلى المحكمة الدستورية العليا، وأقسم أمامها كما ينص الإعلان الدستوري. وحتى في أثناء احتفالية القوات المسلحة بتسليمه السلطة، رفض مرسي أن يوجه للجنود «أمراً»، وفضّل أن تكون «دعوة»، بقوله «لا أريد أن آمركم، بل أدعوكم إلى مزيد من التدريب والجهد». والفرق بين الاثنين كبير. كذلك، بدا خلال اليومين الماضيين، إصرار مرسي على أن يرضي الجميع. أقسم اليمين الدستورية في ميدان التحرير، ثم في اليوم التالي مباشرة كان يقسم أمام المحكمة الدستورية العليا، ثم بعدها بساعات كان يلقيه أمام جمع من التيارات السياسيات والثقافية المختلفة ونواب مجلس الشعب المنحل، ومجلس الشورى، وأهالي الشهداء والمصابين في جامعة القاهرة. وكأن الرئيس الجديد يريد أن يقول إنه من الثوار في الميدان، ومع القانون في المحكمة الدستورية العليا، ومع القوى السياسية والثقافية والفكرية في الجامعة.
وخلال خطاباته، حاول مرسي أن يرسل رسائل طمأنة للجميع. في خطاب الجامعة، تعهد بأن تقوم الدولة بكامل مسؤولياتها تجاه المجتمع. كذلك عاهد الشارع على أن «يكون حكم القانون هو الفيصل، وأن يحصل كل مصري ومصرية على الحق أمام منصة العدالة العالية».
بعدها، انتقل مرسي إلى طمأنة العالم من الثورة المصرية بقوله «نحن لا نصدّر الثورة. المصريون لا يصدّرون الثورة، ولا نتدخل في شؤون أحد، ولا نسمح في الوقت نفسه أن يتدخل أحد في شؤوننا». وأضاف «إذا كنا الآن في مصر نبني مصرنا الجديدة، فإننا لا ننفك أبداً على أمتنا العربية والإسلامية، ولا نعادي أحداً في هذا العالم».
ولم ينس مرسي طمأنة الغرب بقوله «نحمل رسالة سلام للعالم ونحمل قبلها ومعها رسالة حق وعدل. وكما تعهدنا دوماً، نؤكد على احترام التزامات الدولة المصرية في المعاهدات والاتفاقيات الدولية»، قبل أن يؤكد الرئيس الجديد على مساندة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال. وتوقف عند سوريا، بقوله «يجب أن يتوقف نزف الدم الذي يراق للشعب السوري، الشعب الشقيق في سوريا. نحن نريد لهذا الدم أن يتوقف، وسنبذل قصارى جهدنا لأن يتوقف نزف الدم في المستقبل القريب إن شاء الله». ومع كل هذه الرسائل، ينتظر الشارع ترجمة واقعية لها على أرض الواقع، ليرى شكل مصر الجديدة التي تحدث عنها الرئيس.