بنغازي | بدأ العد التنازلي لموعد انتخاب المؤتمر الوطني، أول برلمان منتخب منذ 4 عقود ونيف. الشارع الليبي يرى أنه العصا السحرية، التي قد تحل المشاكل التي ترسبت في الأشهر الماضية. ويؤكد بعض من محتسي القهوة على شواطئ ليبيا، أن اختيارهم لن يخطئ هذه المرة، وأن انتخابهم 200 عضو نزيه، سيمكنهم من العبور إلى بر الأمان، معتمدين في رؤيتهم على التقارير الصادرة عن هيئة النزاهة والشفافية.
وأوضح رئيس هيئة النزاهة والشفافية، عمر الحاسي، لـ«الأخبار» أنه بمجرد وصول نماذج الاستبيانات التي أعدتها الهيئة وسلّمتها للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، والتي قام المرشحون بتعبئتها في نطاق الدائرة الانتخابية التي يتبعونها، تعمد المفوضية إلى إحالتها فوراً على هيئة النزاهة لبتّها وإصدار قرارها، إما بقبول الترشح أو رفضه. وأكد أن العملية الانتخابية ستجرى في موعدها المقرر في السابع من الشهر الجاري، حيث الكل يرغب في خوض غمار التجربة الجديدة والوليدة.
لكن هذا الرأي لا يوافق عليه آخرون من المهتمين بالشأن الليبي. ويرى بعض المطلعين أن المؤتمر الوطني لن يزيد الأمور إلا تعقيداً، وخصوصاً أن الحكومة المؤقتة والمجلس الانتقالي فشلا في الوصول إلى حل مع الداعين إلى النظام الاتحادي من أهل الشرق، والذين أكد زعيمهم، أحمد الزبير السنوسي، أنهم بالفعل قرروا مقاطعة الانتخابات. ويوضح الناشط السياسي، محمد صالح بوصير، وهو من دعاة النظام الاتحادي، أن الأمر لا يعدو رغبة في فرض سلطة الأمر الواقع التي ظهرت أثناء الثورة، بينما الجميع مشغول. وأكد أن ما يحدث اليوم، على غرار ما حدث سابقاً في شرعنة وجود الثورة عن طريق عملية انتخابية يتم فيها تزوير إرادة الشارع عن طريق تضخيم دورهم بتخصيص 40 في المئة من المقاعد لثلاثة في المئة من الناخبين، وهم أعضاء الجماعات السياسية. كما تحدث عن رغبة في تهميش برقة، «التي يعرفون أنها العقبة فى وجه كل من يريد التسلط»، مؤكداً أنه في برقة لن تكون هناك انتخابات مزورة، «وسنقيم قريباً انتخابات حرة ونزيهة».
أما ممثلو الأحزاب السياسية، فقد أبدوا استعدادهم وجهوزيتهم لخوض هذه التجربة ورضاهم على عمل المفوضية العليا. محمد علي عبد الله، مرشح عن حزب الجبهة الوطنية، أوضح أن الاستعدادات للانتخابات جيدة، مشيراً إلى أن المفوضية تقوم بدور ممتاز. لكن ذلك لم يمنعه من إبداء امتعاضه من الأفعال التي يقوم بها البعض، من قطع للطرق، كورقة ضغط. وأوضح أنه أمر تخريبي من قبل قلة لا تشكل أي ثقل سياسي، لكن لها قوة في التخريب والتشويش.
ويبدو أن السواد الأعظم من الشعب مع الانتخابات، وخصوصاً أن التقارير الرسمية الصادرة عن اللجنة العليا للانتخابات تؤكد تسجيل 2.5 مليون ناخب في بلد عدد سكانه لا يتجاوز 6 ملايين.
لكن الكاتب منير زغبية، حذر من أن الانتخابات ستؤدي بالوطن إلى الهاوية، إن لم تسبقها عملية مصالحة وطنية شاملة، بالإضافة إلى وضع حل يضمن عدم سيطرة وتغول جهة على حساب جهة في القرارات. من جهته، يرى الدبلوماسي الليبي محمد الخازمي، أن الانتخابات خيار لا بديل منه، على الرغم من بعض التحفظات التي ساهمت في خلق توترات في بعض المناطق، ومن عدم وضوح الرؤية من البداية: هل المؤتمر الوطني سيكون بمثابة جمعية تأسيسية أم برلمان؟
ويضيف الخازمي إن هذا الاستحقاق الانتخابي، إذا ما أنجز بأقل الخسائر، سيمهد لمرحلة جديدة من تاريخ ليبيا السياسي، ويفتح الباب لجسم شرعي منتخب، له من القوة والصلاحية ما يكفي لضبط إيقاع الأمور في ليبيا وإدارة دفة السفينة إلى غاية كتابة الدستور وتحديد شكل الدولة والوصول إلى حياة سياسية مستقرة. ويبدي الخازمي تفهمه بأن هناك مشاكل وصراعات وجماعات مسلحة ترفض الوصول إلى دولة القانون والمؤسسات، لكنه يضيف إن الأمل أقوى بأن يفرض صوته بقوة الحق. ولفت إلى أن المرحلة التي تشهدها ليبيا والمنطقة مرحلة تغيير جذري كبير يشمل كل شيء، ولذلك من الضروري أن تكون هناك انتكاسات وعراقيل.
ويشارك الخازمي المواطن الليبي في مخاوفه بشأن مصادر تمويل المشاركين في الانتخابات. وأكد الخازمي أنه يجب أن تكون هناك شفافية ومحاسبة حتى يعرف الشعب من أين تأتي هذه الأموال، ومعاقبة من يثبت أنه يمول من مصادر محظورة أو مشبوهة. لكنه تساءل عن مدى قدرة المفوضية والدولة على القيام بهذا الدور، وتحدث عن إمكان أن يصطدم هذا الأمر ببعض مراكز القوى الجديدة التي لديها تمويل ومال سياسي من خارج المصادر الطبيعية.
ويختم العضو البارز في المجلس الوطني الانتقالي، عبد الرزاق العرادي بالتأكيد أن هذه التجربة جديدة، وأن هناك بهجة في عيون الليبيين بأن نجاح الثورة وتحقيقها لأهدافها أصبح قاب قوسين أو أدنى، مشيراً إلى أن وزارة الداخلية أعدت خطة لتأمين صناديق الاقتراع. كما أشار إلى أن مؤسسات المجتمع المدني تقوم بعمليات تدريب مكثفة لتجهيز فرق قادرة على مراقبة الانتخابات، فضلاً عن أن المفوضية العليا قامت بالعديد من الورش، وكذلك الكيانات السياسية دربت وكلاءها على مراقبة الصناديق.
ولا تخفي هذه الإجراءات وجود تساؤل حقيقي حول مدى قدرة الحكومة الليبية على تأمين الانتخابات، بوصفها حدثاً ينتظره معظم الليبيين، بعد سلسلة من الإخفاقات تجلت في فشلها في بسط سيطرتها على المؤسسات العامة واسترجاعها من الميليشيات، فضلاً عن فشلها في استتباب الأمن والأمان بين المناطق والقبائل المتناحرة. يضاف ذلك إلى عدم قدرتها على تأسيس جيش وطني ينضمّ تحت لوائه جميع من يحمل السلاح بدون شرعية، وتجاهلها أو فشلها في احتواء مطالب المعتصمين حول تسوية المقاعد.
وفي دلالة واضحة على حجم التحديات، أفيد أمس عن اقتحام محتجين مسلحين، يطالبون بمزيد من الحكم الذاتي لشرق ليبيا، مكتب المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، في بنغازي. ونقل نحو 300 شخص أجهزة كمبيوتر وصناديق بطاقات اقتراع من داخل المبنى إلى خارجه، وشرعوا في تحطيمها وهم يرددون شعارات مؤيدة للحكم الاتحادي.