مخيم الهول | بعيداً، هناك في الصحراء، في مكان ما بين سوريا والعراق، تعيش حلا ابنة السبع سنوات في مخيم «الهول للاجئين». تحلم الصغيرة أحلاماً متواضعة جداً، كأن تعيش في مكان فيه شوارع وجدران وسقف وشرفات ودكاكين حلوى. قيل لها إنها هنا مؤقتاً، وهي لذلك تنتظر اليوم الذي ستخرج فيه، بعد أن أمضت ثلاثة أعوام لاجئة في مخيم يقطنه فلسطينيون هاربون من جحيم العراق المفتوح ومتروكون لمصيرهم بسبب «أولويات» المفوضية العليا للاجئين.في هذا الوقت، وقت الانتظار، تمتلئ ذاكرة الصغيرة وقاموسها اللغوي بمفردات اللجوء والانتظار: مخيم، خيمة، طوفان ماء، طين، عقرب، مساعدات.. أما الأسئلة التي لا يملك أهلها ولا المسؤولون عن مصيرها في مفوضية اللاجئين أجوبة عنها فهي: لماذا نحن هنا؟ متى نخرج؟ لمَ سافرت صديقاتي وأنا ما أزال هنا؟ ما هي الأصوات التي تنفجر بالقرب منا؟ هل سيحدث لنا ما حدث للأطفال «النائمين» الذين رأيتهم في التلفزيون؟
هذه الأسئلة لا ترعب حلا وحدها. لذا، اعتصم لاجئو المخيم المنسي منتصف أيار الماضي احتجاجاً على «سياسة» مفوضية اللاجئين تجاههم، وتركها لما تبقى منهم بدون أي حل، في ظل أوضاع أمنية سيئة تعيشها الدولة المضيفة «سورية». صحيح أن نائب مفوض شؤون اللاجئين في سوريا زار المخيم المتخلى عنه بعد... شهر من بدء الاعتصام، صحيح أنه «استمع إلى مطالب المعتصمين ومعاناتهم»، لكنه ذهب «مع الريح» بدون وعد وبدون حل. من اهتم لحلا وأهلها؟ كانت «الأخبار». ولأنها ترجمت في نسختها الإنكليزية مقالة «مخيمات» عن مخيم الهول، وصل الموضوع إلى جهات في كندا تعنى بشؤون اللاجئين. هكذا، خاطب تكتل برلماني كندي وزارة خارجيتهم للضغط على المفوضية، والقيام بحملات إعلامية للتحدث عن معاناة هؤلاء الفلسطينيين. أما الفصائل؟ أما منظمة التحرير؟ أما السفارة الفلسطينية في دمشق؟ أما السلطة الفلسطينية؟ فلا أحد... مطلقاً أعطى إشارة حياة. ومخيم الهول يعيد إلى الذهن صورة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين أيام المصيبة الكبرى عام 1948: صورة الخيم وتوزيع المساعدات، وكيف تستطيع المنظمات الدولية تمييع المعاناة في الزمن لتطول في مخيم الهول سبع سنوات، وفي غيرها من مخيمات اللاجئين أربعاً وستين سنة حتى الآن.
عند الدخول إلى المخيم تشعر أنك عدت بالزمن إلى خمسينيات القرن الماضي؛ وجوه الناس، الأسى البادي عليها، الرجال الكبار في العمر وهم ينظرون في البعيد، والسيجارة التي لا تنطفئ، النساء وهنّ يحتلن على هذا الواقع المر ليشعرن أطفالهن بأن كل هذا سينتهي نهاية سعيدة، يخترعن ألعاباً وحكايات، وحتى أكاذيب بيضاء ليحافظن على ما تبقى فيهم من طفولة، مشهد اللاجئين يتسلّمون المواد التموينية، الخضر والملوخية المزروعة أمام الخيم... بانوراما حية عن اللجوء الأول، مع فارق بسيط، أنها التجربة الثانية أو الثالثة لبعضهم.
اللاجئون في مخيم الهول يفعلون ما يفعله العاطلون من العمل، يربون الأمل. يحلمون بأن يستفيقوا ذات يوم ليجدوا أن هذا الكابوس قد انتهى.
لكن، حتى الساعة، لا تزال حلا وأولئك المنسيّون في أرض مقفرة بين دولتين في حالة حرب، عالقين بين ذكريات أليمة ومجهول طال انتظاره.
تنام «حلا» وأطفال المخيم كل يوم وهم يحلمون بالعصافير وببيت وبسرير. ويبقون وطفولتهم وأحلامهم مرتهنين لنوايا مفوضية اللاجئين وللتفاهمات القانونية ولشفقة دول إعادة التوطين. أما أهاليهم فيهمسون في الآذان الصغيرة النائمة «تصبحون على وطن/من سحاب ومن شجر».