الدار البيضاء | كشف الصحافي المغربي، المقيم في الولايات المتحدة، أحمد رضا بنشمسي، النقاب عن واحدة من أكثر قضايا الفساد المالي إثارة للجدل في المغرب، والتي يتورط فيها مقربون من الأسرة الملكية. وكان هذا الصحافي المشاكس، الذي أُوقفت مجلته «نشيان» عن الصدور بأمر من السلطات المغربية عام 2010، قد نشر قبل أسبوعين على مدونته الخاصة تحقيقاً يتعلق بمدير أعمال الملك المغربي محمد السادس وسكرتيره الخاص، منير الماجدي، وقال إنه أنشأ شركة تجارية خاصة، وأرغم الحكومة المغربية على شراء أسهم في هذه الشركة من أموال دافعي الضرائب. لم يكتف بنشمسي بذلك، وعاد لكشف المزيد من التفاصيل في تحقيق ثان نشره في صحيفة «لوموند» الفرنسية، مسلّطاً الضوء على استشراء الفساد في المغرب ومسؤولية النظام الحاكم عن ذلك، وتحديداً الدائرة الضيقة المحيطة بالملك، وفي مقدمتهم الماجدي. وكانت تظاهرات حراك شباب «20 فبراير» قد طالبت الملك بإبعاد الماجدي، لكنه لم يستجب.
وتعود فصول القضية إلى عام 2010، حين عمد الماجدي الى تأسيس شركة خاصة تحمل اسم «بايسيس المغرب» لتكون فرعاً لشركة «BaySys» الأميركية، محدّداً نشاطها في مجال تجهيز وصيانة الطائرات. لكن التقارير التي نشرها بنشمسي تفيد بأنها شركة وهمية، حيث ليس لها مقرّ ولا توظف أي عمال، وتم تسجيل عنوانها على مقرّ تابع لشركة أخرى يملكها الماجدي، وهي «أفس كوم»، التي تحتكر سوق الإعلانات في المغرب. وتضيف إن الوزير الأول آنذاك، عباس الفاسي، أصدر مرسوماً حكومياً يقضي بأن تشتري شركة الطيران العمومية المغربية (الخطوط الملكية المغربية) 24 في المئة من أسهم «بايسيس المغرب». واتسم ذلك القرار بمحاباة واضحة لسكرتير الملك، وخصوصاً أنّ شركة الطيران المغربية تعيش منذ سنوات أزمة خانقة كبدتها خسائر ضخمة أرغمت الدولة المغربية لاحقاً على صرف ما يناهز 1,5 مليار درهم مغربي لمحاولة إنقاذها من الإفلاس.
وجاء في التحقيق أن «المرسوم الحكومي القاضي بشراء ربع أسهم «بايسيس المغرب» تضمن تبريرات عجيبة، مفادها أن الأخيرة تعتزم خلال عامها الأول من النشاط أن تحقق أرباحاً قدرها 5,4 ملايين دولار، على أساس أن العائدات السنوية لنشاطاتها تضاهي 57 مليون دولار أميركي. في حين أن الشركة لم تكن تمتلك فعلياً حتى المرأب والتجهيزات التقنية، التي تعدّ أدوات العمل الأساسية لنشاطها».
وتساءل التحقيق «هل من الأخلاقي إصدار قرار باستثمار مبلغ 250 مليون درهم من أموال دافعي الضرائب المغاربة، عبر شركة عمومية على عتبة الإفلاس، في مشروع خاص يملكه السكرتير الخاص للملك يفتقر إلى أدنى المواصفات الاستثمارية المتعارفة».
وعلى أثر الضجة التي أثارتها الاتهامات الموجهة إلى شركة «الخطوط الملكية المغربية» بالضلوع في تمويل شركة خاصة يملكها سكرتير الملك، أصدرت الشركة بياناً توضيحياً قالت فيه إنها باشرت بإجراءات شراكة مع الشركة الأميركية الأم «لكن تلك الإجراءات لم تستكمل، بسبب مخاوف من عدم فاعلية أو مردودية المشروع». وأضافت إن شركة الطيران «لم تتضرر مصالحها بأي شكل من الأشكال في المشروع المذكور، ولم تتعرض لأي ضغوط خارجية».
لكن بنشمسي رأى أن «تبريرات شركة الطيران المغربية غير مقنعة؛ فمشروع «بايسيس المغرب» فشل، لكن أحداً لم يكشف حتى الآن الأسباب الحقيقية لهذا الفشل». وأكد أن «أهم ما في هذه القضية أنها تكشف الطبيعة الحقيقية للنظام المغربي، بوصفه نظاماً يعُجُّ بفضائح تداخل المصالح واستغلال النفوذ على أعلى مستويات الدولة، وبتواطؤ كامل من السلطات والهيئات المنتخبة».
اللافت أن الصحف المحلية، حتى المستقلة منها، تحاشت التعليق على هذه الفضيحة. ولا تقتصر أسباب ذلك على الاعتبارات السياسية كونها تشمل شخصية مقربة من الملك، بل أيضاً بسبب احتكار الماجدي لسوق الإعلانات، وهو ما يعرّض الصحف التي تنتقده للعقاب المالي.