دمشق | «من هنا يبدأ العدل وهنا ينتهي»، هذه العبارة اقترحها نجم الدراما السورية سليم صبري على كبار مسؤولي بلده، منذ زمن، لتكتب على باب قصر العدل، على أن تنفذ الأحكام أمام المبنى الشهير بمواجهة قلعة دمشق وتمثال صلاح الدين الأيوبي. لكن الاقتراح لم يجد آذاناً صاغية، وظلّ الفساد مستشرياً في مفاصل القضاء. كل ما سبق كان يمهد، من وجهة نظر كثيرين من العاملين في السلك القضائي، ليكون ذريعة أمام المعارضة المسلحة لاستهداف الأبنية الحكومية وخاصة قصر العدل. ليكون، يوم أمس، هو الموعد المشهود، بعدما سمعت أصوات ثلاثة انفجارات، واحد منها في مرأب القضاة بمواجهة قصر العدل، ليسري الخوف في جموع السوريين، في قلب العاصمة دمشق. إذاً، وقع تفجير، ظهر أمس، في مرأب القصر العدلي في منطقة المرجة بدمشق. وذكر مصدر في الشرطة أن الانفجار الناجم عن عبوة ناسفة ملصقة بسيارة أدى إلى إصابة ثلاثة أشخاص وتضرر 18 سيارة في المرأب. وأشار المصدر إلى أن التفجير الثاني الذي وقع في المكان، ناجم عن انفجار خزان وقود سيارة أخرى كانت متوقفة بجوار السيارة التي جرى تفجيرها، ما أدى إلى حدوث حريق امتد إلى جميع السيارات المحيطة بموقع التفجير.
ولأن سائقي سيارات الأجرة هم عيون المدينة، كان لا بد من سؤال أبو أحمد، سائق الأجرة والرجل الستيني، الذي يقول: «سمعت أصوات ثلاثة انفجارات في قلب دمشق، ورأيت النيران تشتعل في المرأب المواجه لقصر العدل». ويضيف «اعتدت الانفجارات لأنها صارت تفصيلاً يومياً نعيشه، ولم أعد أفكر في الموت، لكن كل ما أخشاه أن يصيبني أحد الانفجارات». ومن «قبل الحدث» تروي محامية شابة، بالكاد تستطيع استجماع قواها، ما حدث أمام عينها، وتقول «ينتابني مزيج من المشاعر السلبية، ولا أقوى على التماسك، لأنني وصلت إلى درجة كبيرة من الخوف بتّ فيها أستعين بزملائي لحضور جلسات الدعوى الموكلة إليّ، لكن اليوم كان عليّ النزول شخصياً لتقديم طعن في أحد الأحكام، وعندما انتهيت سمعت الانفجار، ولم أعد أدري ما الذي يحدث».
خلق الهلع الذي لفّ أرجاء المكان حالة من الفوضى لدى المراجعين والموظفين. وأخذ بعضهم ينزل إلى الطوابق السفلى، بينما صعد آخرون بشكل عكسي. والغريب أن أبواب القصر كلها مغلقة، باستثناء الباب الرئيسي، وهذا ما خلق حالة من الاختناق والخوف المضاعف لدى جميع من كانوا داخل القصر، حتى تمكّن بعض الموظفين من خلع بعض الأبواب لإخراج الناس. وتقول المحامية جنى لـ«الأخبار» إنها «هربت من باب المحكمة الشرعية بعد خلعه نحو حي الحريقة، لأن الشعور الذي تسيّد المكان، إضافة إلى الخوف، هو انتظار الأعظم إذ كنا ننتظر الانفجار الأكبر الذي سيحوّل المكان إلى أرض محروقة وجثث متفحمة ودخان أسود».
في مواجهة ذلك الأسى، يشعر المحامي طارق بحسن حظه، لأنه مقيم في جرمانا، وهي من أكثر مناطق ريف دمشق هدوءاً، ما جعل بيته يتحول إلى ملجأ لعدد من أقربائه الذين كانوا يقيمون في مناطق متوترة. وكردّ فعل أوليّ، يقول طارق ساخراً «لم أر َ شكل المحكمة منذ شهور لأنني ثعلب المحاكم ولا أنزل إلا لأسباب مهمة، أصلاً العمل قليل».
في الوقت نفسه، استمرت العمليات العسكرية في ريف دمشق، على بعد بضعة كيلومترات من العاصمة. وقال «المرصد السوري لحقوق الانسان» إنّ 12 شخصاً من عائلة واحدة قتلوا جرّاء القصف على مدينة دوما، بينما قتل ستة أشخاص آخرين ومقاتل معارض في إطلاق نار واشتباكات وقصف في المدينة ومحيطها. وأشار الى استمرار محاولات قوات النظام «اقتحام مدينة دوما».
وقتل أربعة عناصر من القوات النظامية السورية، بينهم ضابط برتبة ملازم أول، في منطقة عربين، «إثر كمين نصبه لهم مقاتلون من الكتائب الثائرة»، بحسب المرصد. وذكرت لجان التنسيق المحلية أن القصف تجدد على أحياء حمص القديمة، وعلى مدينة الرستن في محافظة حمص التي تعاني من «انقطاع كامل للتيار الكهربائي والمياه».
وارتفعت حصيلة أعمال العنف في سوريا، يوم أمس، إلى 69، بحسب المرصد الذي أشار إلى عمليات قصف عنيف تطاول مدناً وأحياءً سورية مختلفة، وتمدد رقعة العنف والاشتباكات بين القوات النظامية ومقاتلي المعارضة في كل من ريف دمشق وحمص ودرعا ودير الزور.
بدورها، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، يوم أمس، إن الجهود لإجلاء المدنيين والمصابين من مدينة حمص فشلت مجدداً، بعد تعذّر دخول فريق إنقاذ إلى المناطق المتضررة. وقالت رئيسة عمليات الصليب الأحمر الدولي في منطقة الشرق الأوسط والأدنى بياتريس ميجيفاند روجو، في بيان، إنه كان هناك اتفاق مع السلطات السورية والمعارضة كي يقوم فريق الصليب الأحمر بعملية إجلاء يوم الأربعاء.
وأحجم المتحدث باسم اللجنة بيجان فارنودي، في جنيف، عن تقديم تفاصيل أو توجيه اللوم الى أحد في الانتكاسة الأخيرة بعد موافقة الجانبين، مبدئياً، على هدنة لأغراض إنسانية.
وفي سياق آخر، أقدمت مجموعة مسلّحة في سوريا على قتل أستاذة في كلية الهندسة البتروكيميائية في جامعة البعث مع 5 من أفراد أسرتها، عقب اقتحام منزلها في ريف حمص. ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» عن مصدر في محافظة حمص قوله إن «مجموعة إرهابية اقتحمت منزل الدكتورة أحلام عماد وأطلقت النار عليها وعلى أفراد عائلتها، ما أدى إلى استشهادها على الفور مع أمها وأبيها و3 من أبناء أختها». وأضاف المصدر أن «أهالي الحي الذي تقيم فيه الدكتورة عماد أخبروا الجهات المعنية عن الحادثة حيث تدخلت الجهات المختصة واشتبكت مع الإرهابيين الذين ارتكبوا المجزرة، ما أدى إلى مقتل 10 منهم بينهم 2 من جنسيات عربية».