لا يتوقع الشارع المصري أن مستقبله سيتغير كثيراً عن ماضيه مع الرئيس المصري الجديد. وربما تكون تلك الحالة المسيطرة على فقراء مصر، وسكان مناطقها الشعبية والعشوائية، نتيجةً لتراكمات كبيرة قام بها سواء النظام القديم وممثله أحمد شفيق، أو جماعة الإخوان المسلمين الممثلة بمحمد مرسي. فعلى مدار 30 عاماً حكم فيها الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي يراه شفيق مثله الأعلى، عانى الفقراء كثيراً، وهجّروا من مساكنهم وتعامل معهم النظام باعتبارهم عبئاً عليه لا حاجة له. بل وكان يتعامل طوال الوقت معهم بمنطق أحمد فؤاد نجم في قصيدة البوتيكات: «أنا رأيي نحلها رباني ونموِّت كل الجعانين».
لذا لم يكن يرى غالبية سكان تلك المناطق، وهم يتابعون المعركة الانتخابية بين شفيق ومرسي، أن حالهم لن تتغير كثيراً عن قبل الثورة وستستمر معاناتهم. لم يكن هؤلاء يفضلون أحداً على الآخر، فهم ليسوا من أنصار فوز شفيق، رغم ما سوّق له الأخير ببرنامجه الاقتصادي من أنه سيعمل على إبقاء الدعم على الوقود، والخبز، وصرف إعانات للعاطلين ومد التأمين الصحي لكافة القطاعات، ومضاعفة ميزانية وزارة الصحة، وتحديد حد أدنى للأجور. كما لم تقنعهم تعهدات شفيق بانشاء مدن سكنية جديدة ونقل الفقراء إليها، والتوسع في انشاء محطات لتحلية مياه الشرب وتنقيتها، واسقاط الديون عن صغار المزارعين. الفقراء لم يصدقوا تلك الوعود لأنهم في الحقيقة سمعوها كثيراً من قبل مثل شفيق الأعلى، حسني مبارك.
وحتى مع إعلان فوز محمد مرسي، لم يتلقف الفقراء النبأ بسعادة عارمة وآمال ورديّة. هم يدركون أن محمد مرسي، منطلقاً من خلفيته في جماعة الاخوان المسلمين، يتعامل مع الفقراء على اعتبار أنهم يحتاجون إلى العطف، ويستحقون الزكاة، ولهم نصيب في الصدقات.
لكن ما يريده الفقراء أو «الغلابة»، كمان يطلق عليهم بالعامية المصرية، هو الاعتراق بأن لهم حقوقاً أبعد من تلك الهبات والصدقات التي توزع دورياً أو في المواسم. والمعروف أن جماعة الإخوان تقوم في المناطق الشعبية بتوزيع المواد التموينية، طوال العام، وتتضاعف كمية تلك المواد قبيل أي انتخابات.
لم يكن الاختلاف كبيراً بين مرسي وشفيق في الناحية الخاصة بـ«الغلابة»، ولا سيما أنهما كانا ينتهجان نظام الاقتصاد الحر، الذي يطحن الفقراء دائماً. ولن يحيد أي منهما عن دعم القطاع الخاص، الذي لا يهتم إلا برجال الأعمال وأرصدتهم في البنوك، بينما الفقراء لا يتعدون مرحلة «الشغيلة».
ومع فوز مرشح الإخوان المسلمين، بات السؤال اليوم هو كيف ينظر الفقراء إلى رئيسهم؟
عدد كبير من أهالي المناطق الشعبية والعشوائية، تأثروا كثيراً بالدعاية المضادة التي مارسها المجلس العسكري في الفترة الأخيرة، الهادفة إلى تشويه صورة جماعة الإخوان المسلمين، فتجد عدداً من سكان تلك المناطق يؤكدون أن الإخوان سيدخلون في حرب مع الكيان الصهيوني، وسيجبرون النساء على الحجاب والنقاب. ويؤكد فريق آخر من سكان تلك المناطق، أن الإخوان سيقطعون يد السارق، وينحرون المتهم بالقتل، ويجلدون من يترك الصلاة. تلك وغيرها الكثير من المخاوف تشير إلى أن غالبية من يقيمون في تلك المناطق استجابوا إلى تلك الدعاية المضادة، ولا سيما أن معظمهم يتابع برنامج «مصر اليوم» للإعلامي توفيق عكاشة، الذي قاد حملة تشويه الجماعة، وتحسين صورة المجلس العسكري والفريق أحمد شفيق في الفترة الأخيرة.
الغريب أن غالبية سكان تلك المناطق لا يرون الرئيس الجديد يمثلهم، أصلاً، وأن الرئيس الذي كانوا يريدونه لما بعد الثورة غاب، واختفى في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية. أغلبهم كان يرى في حمدين صباحي المرشح الخاسر في الجولة الأولى، أفضل الشخصيات التي تقدمت إلى السباق الرئاسي. ويرى المواطن محمد سعد، في منطقة بولاق أبو العلا، وسط القاهرة، أن صباحي «لم يكن لديه من الأموال ما يجعله ينافس امكانات الإخوان المالية ولا شفيق المدعوم من الفلول والعسكر».
ويضيف «الناس كانت حاسة أن حمدين أقرب واحد ليهم». وهو ما فسر حالة الاحباط التي أصابت أغلب سكان تلك المناطق بعد هزيمة حمدين، والحيرة بين اختيار إما الإخوان وإما الفلول. ومع الدعاية المضادة للإخوان في تلك المناطق، لا يتعجب أي زائر لهذه المناطق، أن يجد أغلب السكان يؤيدون أحمد شفيق ليس حباً أو ثقةً فيه، وإنما نكاية في جماعة الإخوان المسلمين.
ومع ذلك يرى جزء من سكان المناطق الشعبية أن على الرئيس الجديد مهام كثيرة. محمد ابراهيم، شاب في منطقة الدويقة الشعبية شرق القاهرة، قال إن الرئيس المقبل يجب أن ينظر إلى الفقراء «وكأنه واحد منهم»، ولهم حقوق مهدورة «لا أن ينظر إليهم بعطف». ويضيف ابراهيم، «كنا نريد رئيساً فقيراً، لكن الانتخابات عامةً تحتاج إلى أموال كثيرة للدعاية وتمويل الحملات».
من جهته، يرى حسن ندا، شاب من الدويقة، أنه لا بد من أن يوفر الرئيس الجديد، «سكناً مناسباً ووظيفة محترمة». وأضاف «نفسي أنام من غير ما أخاف من العقارب والثعابين»، ولا سيما أن منطقة الدويقة تعاني من انتشار كبير للحشرات الزاحفة في وقت يسكن فيه أغلب سكان المنطقة في مساكن غير ملائمة أغلبها من الخشب والصفيح.
أما ناصر عبد الستار من منطقة السيدة زينب، فاعتبر أنه يجب «على الرئيس الجديد أن يوفر وظائف للشباب، ويقضي على البطالة». ويضيف «لو عمل كده هتكون مصر أفضل دولة في الدنيا»، قبل أن يكمل «الشباب غلابة ومحتاجين وظائف عشان يعرفو يوفرو سكن ويعيشو حياتهم الطبيعية»، في حين اختصرت صفاء العجروتي مطالبها للرئيس الجديد بأن «يكون راجل في كلمته»، وينفذ ما قال في برنامجه الانتخابي، و«يوفر مسكن آدمي، ووظيفة محترمة».
هكذا تبدو مطالب الفقراء في مصر بسيطة، لكنها تحتاج إلى ارادة قوية وادارة تنظر لهم، لتبقى قصيدة نجم «احنا مين» هي عنوان المرحلة المقبلة «لمّا الشعب يقوم وينادي/ يا احنا يا هم في الدنيا دي/ حزر فزر شغل مخك / شوف مين فينا حيغلب مين».