القاهرة | لا يزال المصريون في حيرة من أمرهم. لا يعرفون ما هي صلاحيات الرئيس الذين انتخبوه ليقودهم بعد حقبة من حكم العسكريين لهم. لا يعرفون شكل الدستور الذي سيحكمهم. كل ما يعرفونه أنهم قاموا بثورة ضحوا بدمائهم فيها ليزيحوا حسني مبارك بعد ثلاثين عاماً من حكم البلاد، ويأتوا ببرلمان تم حله ثم برئيس بدون صلاحيات. جميع هذه التداعيات جعلت من ميدان التحرير الخيار الوحيد للمصريين، لاستكمال ما بدأوه منذ عام ونصف من إسقاط النظام. وينتظر ميدان التحرير، اليوم، مليونية جديدة تحت شعار «تسليم السلطة»، للاعتراض على «الإعلان الدستوري المكمل»، الذي أصدره المجلس العسكري، وسحب معظم صلاحيات الرئيس لصالح جنرالات المجلس العسكري. كذلك يحتج المتظاهرون على قرار حل البرلمان، ويطالبون بالافراج عن المعتقلين السياسيين والمدنيين، الذين خضعوا لمحاكمات عسكرية بعد الثورة. ويشارك في مليونية «تسليم السلطة» عدد من القوى السياسية الإسلامية، على رأسها جماعة الإخوان المسلمين، والجماعة الإسلامية، فضلاً عن حركة 6 أبريل، والاشتراكيين الثوريين. ورغم أن مليونية اليوم تأتي في محاولة لتجديد دماء الاعتصام الذي بدأته القوى السياسية منذ قرابة العشرة أيام، للمطالبة بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل، إلّا أنها تأتي بالتزامن مع تعرض المعتصمين في ميدان التحرير لهجوم من قبل بعض البلطجية والباعة المتجولين، في خطوة عادةً ما يمهد بها المجلس العسكري لفض الاعتصام بالقوة.
كذلك تتزامن مع مليونية دعا إليها أنصار مرشح النظام السابق الخاسر أحمد شفيق، المعروفون بحركة الأغلبية الصامتة، لتأييد الإعلان الدستوري المكمل، باعتباره الطريقه الوحيدة لضمان عدم تغول جماعة الإخوان المسلمين في مؤسسات الدولة خاصة الامنية، والقوات المسلحة، وعدم إقامة دولة دينية بقيادة الاخوان في المنطقة.
في هذه الأثناء، لا يزال الرئيس المنتخب، محمد مرسي، يبذل جهداً لطمأنة المتخوفين من تحول البلاد في عهده إلى إمارة إسلامية ترفض الحداثة وتبغضها. واستمع مرسي أمس، إلى وجهات النظر المختلفة والمخاوف التي تساور الأحزاب المدنية، من خلال لقائه بممثلين لعدد من الأحزاب، تركز النقاش في معظمها حول دور المرأة في الفترة المقبلة، وحقوق الأقليات ولا سيما الأقباط. واللقاء الذي استمر، قرابة ساعة ونصف الساعة، شهد مطالبات عديدة بضرورة استقالة مرسي من حزب الحرية والعدالة، وجماعة الإخوان المسلمين. وهو ما رد عليه مرسي، بأنه عملياً انفصل عن الحزب، فور الإعلان عن فوزه بانتخابات الرئاسة. وأكد على ضرورة إجراء مصالحة وطنية شاملة «لأننا أبناء وطن واحد»، مشدداً على ضرورة «استبعاد مصطلحات كالإقصاء والتخوين، من قاموس السياسة المصرية».
ورغم أن اللقاء تطرق إلى موقف الرئيس الجديد من الإعلان الدستوري المكمل وصلاحيات الرئيس، وحل مجلس الشعب، إلّا أن مرسي لم يكشف عن رأيه «بسبب ضيق الوقت». أما خلال اللقاء الذي جمعه بعدد من رؤساء التحرير والإعلامين، فأكد مرسي أنه لا توجد نية لديه «لأخونة البلاد»، في الفترة المقبلة، وأنه سيكون رئيساً لكل المصريين، وعلى مسافة واحدة من كل الفصائل والتيارات السياسية. وتأكيداً على ذلك، أعلن مرسي أنه يجب على جماعة الإخوان المسلمين أن توفق أوضاعها القانونية، وأنه سيدفع في هذا الاتجاه، لافتاً إلى أن الجماعة أعلنت من قبل أنها ستوفق أوضاعها، وفقاً للقانون القائم حالياً، والخاص بالجمعيات الأهلية. وعن حقوق المرأة في ظل حكمه، نفى مرسي ما يتردد في الشارع المصري، بأنه سيتم اجبار المرأة على زي معين، «لأن الإسلام نفسه لم يفرض العقيدة على أحد».
في هذه الأثناء، لا يزال الغموض يسيطر حول شخصية رئيس الحكومة الجديدة، ونواب الرئيس. ولم يتضح سوى الخطوط العريضة، التي وعد بها مرسي قبل انتخابه وأكد عليها عقب فوزه بأن رئيس الحكومة الجديدة سيكون شخصية وطنية مستقلة، من خارج حزب الحرية والعدالة. ورفض مرسي أن يضع أياً من ملامح الحكومة الجديدة في لقاءاته مع الأحزاب أو الإعلاميين، بينما قالت مصادر مطلعة إن الإعلان عن الحكومة الجديدة لن يكون إلّا بعد اداء اليمين الدستورية، المفترض أن يتم يوم السبت المقبل.
بدوره، أعلن عضو في المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، اللواء محمد العصار، في مقابلة مع قناة «سي بي سي» المصرية، أن رئيس المجلس المشير حسين طنطاوي سيكون وزير الدفاع في الحكومة المقبلة.
ولا تزال مسألة أداء اليمين الدستورية للرئيس الجديد معضلة، حيث لم يكشف الرئيس عن الجهة التي سيؤدي أمامها يمينه، وهل سيقف أمام المحكمة الدستورية ليؤدي القسم كما نص الإعلان الدستوري المكمل، أم سيخضع مرسي للمطالب التي ترفض ذلك؟ وطالب «اتحاد شباب الثورة»، أمس، مرسي، بعدم الانصياع لمطلب المجلس العسكري بأداء اليمين أمام المحكمة الدستورية. واقترح الاتحاد أن يحلف اليمين أمام الشعب المصري «صاحب الحق الأصيل، والذي قام بانتخابه وأعطاه صوته»، داعياً إلى أن يحصل ذلك يوم السبت المقبل، بالتنسيق مع باقي القوى الثورية بدعوة الشعب المصري إلى النزول والاحتشاد في ميدان التحرير وميادين الثورة الأخرى، بحضور كافة أعضاء مجلس الشعب تحت عنوان مليونية «العهد».
من جهتها، طالبت الجمعية الوطنية للتغيير أن يؤدي الرئيس الجديد اليمين أمام المحكمة الدستورية. وأكدت في بيان لها أنه «رغم تحفظ الجمعية المبدئي على صدور هذا الإعلان، إلا أنه يتعين ألا يبدأ الرئيس المدني المنتخب عهده بعدم احترام القانون».