الخرطوم | تفرغ المسؤولون الحكوميون طوال الأسبوعين الماضيين، تارةً لتوضيح السياسات الاقتصادية وتهيئة الشارع لها، وتارةً أخرى للدفاع أمام الرأي العام عمّا أعلنته الحكومة من سياسات تقشفية، كانت سبباً مباشراً في اندلاع موجة من الاحتجاجات عمّت العديد من المدن السودانية. إلا أن الحكومة تبدو غير آبهة بتلك الاحتجاجات، مقللةً منها ومن منظميها، في مقابل سعيها إلى كسب تأييد الشعب، عبر إعلانها الشروع في تقليص الهيكلة الحكومية منذ مطلع الأسبوع الحالي. وأوضحت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أن المكتب القيادي للمؤتمر الوطني لا يزال يجري مشاورات واسعة مع حزبي الأمة القومي والحزب الاتحادي الديموقراطي الأصل، لوضع التصور النهائي لهيكلة الحكومة الجديدة، بسبب إبداء الحزب الحاكم اهتماماً بمشاركة الأحزاب الكبيرة في الحكومة العريضة.
كذلك يسعى الحزب الحاكم إلى صيغة تراضٍ في مسألة تقليص حصة الأحزاب المشاركة في الحكومة، فيما أكدت المصادر السودانية أن أي إعفاءات لن تشمل نجل زعيم حزب الأمة، عبد الرحمن الصادق المهدي ونجل زعيم الحزب الاتحادي الديموقراطي الأصل، جعفر الصادق الميرغني، اللذين يشغلان منصبي مساعدي الرئيس. في المقابل، استغنى المؤتمر الوطني عن 80 في المئة من حصته في الحكومة. وأعفى الرئيس عمر البشير جميع مستشاريه البالغ عددهم تسعة، منهم ثلاثة ينتمون إلى الحزب الحاكم. لكن مسؤولاً حكومياً رفيعاً كشف لـ«الأخبار» عن الإبقاء على مستشار واحد للرئيس، وسط ترجيحات أن يكون مصطفى عثمان إسماعيل. كذلك، جرى الاستغناء بقرار رئاسي عن 54 خبيراً ومتعاقداً ضمن إجرءات خفض الإنفاق الحكومي.
لكن المراقبين يرون عدم شرعية قرارات إعادة الهيكلة، التي اتخذتها مؤسسة الرئاسة، ولا سيما في ما يخص مسألة تقليص عدد آليات الحكم المحلي داخل الولايات، وإلغاء المجالس التشريعية في المحليات، ما دفع البرلمان السوداني إلى تمديد دورته الحالية لأسبوع آخر. وأوضح رئيس البرلمان، أحمد إبراهيم، أنه سيجري تعديل في الدستور ليتواءم مع التعديلات الأخيرة. وبدا أن الشارع العام لا يكترث بمسألة إعلان الحكومة الجديدة، بعدما جعلته الإجراءات التقشفية الأخيرة والارتفاع في أسعار معظم السلع، منصرفاً للاهتمام بتوفير قوت يومه لا غير. في هذه الأثناء، من غير الواضح أن حركة الاحتجاجات التي تشهدها بعض المناطق السودانية ستهدأ. وشهدت مدينة الكاملين وسط السودان ومدينة كسلا شرق السودان والفاشر في الغرب، حركات احتجاجية واسعة أمس. وأفاد ناشطون عن إجراء أعمال صيانة في دار المؤتمر الوطني الرئيسي، الحزب الحاكم، في شارع المطار في الخرطوم، شملت تعلية أسوار المقر، قبل يوم من التظاهرات المنوي تنظيمها غداً تحت شعار «لحس الكوع»، رداً على تصريحات سابقة لمساعد الرئيس السوداني، نافع علي نافع، تحدى فيها المعارضة أن تستطيع إسقاط النظام بقوله «من الأسهل عليهم أن يلحسوا أكواعهم من أن ينجحوا في إسقاط النظام». إلى ذلك، برّأت محكمة جنايات شندي في شمال السودان، أمس، 5 من طلاب مجمع طب جامعة شندي من تهمة إثارة الشغب، بعد إجبارهم على إمضاء تعهدات بعدم الإزعاج، فيما يستمر اعتقال عدد آخر.