كشف البيان، الذي أصدرته رئاسة الجمهورية في تونس، عن خلاف عميق بين الرئيس المؤقت، محمد المنصف المرزوقي، ورئيس الحكومة المؤقتة، حمادي الجبالي. إذ بدا تسليم رئيس وزراء نظام العقيد معمر القذافي، البغدادي المحمودي، الذي لم يستشر فيه المرزوقي تحدياً للرئيس المؤقت، الذي أعلن أكثر من مرة رفضه تسليم المحمودي، ما لم تتوافر شروط المحاكمة العادلة له في ليبيا، حسبما قال الناطق الرسمي للرئاسة عدنان منصر.
أبصر هذا القرار النور في سرية تامة، إذ لم تعلن عنه الحكومة في بلاغ رسمي، بل تداولته وكالات أنباء أجنبية. وأثار أستياءً واسعاً في الشارع التونسي، كما كشف عن هشاشة التحالف الحاكم. واعتبرت رئاسة الجمهورية، في بيانها، أن هذا القرار يسيء لصورة تونس في العالم، لأنه لم يحترم الاتفاقيات الدولية، التي وقعت عليها. وأشار بيان رئاسة الجمهورية الى أن قرار التسليم يعدّ تجاوزاً لصلاحيات الرئيس المؤقت، «الذي يعود إليه النظر بعلاقات الدولة الخارجية، حسب التنظيم المؤقت للسلطة العمومية، الذي تدار وفقاً له الدولة في المرحلة الانتقالية الثانية التي تعيشها تونس منذ انتخابات تشرين الأول من عام 2011». كما اعتبر، البيان، «أنه يتناقض مع مبدأ الوفاق الذي اختارته الأحزاب الثلاثة التي تشكل الائتلاف الحاكم. وأعلن المرزوقي «أنه سيستنجد بالمجلس الوطني التأسيسي لحسم هذا الخلاف وهذا التجاوز الخطير الذي ارتكبته الحكومة»، وحمّل «رئيس الحكومة مسؤولية السلامة الجسدية لرئيس الوزراء الليبي السابق، وما قد ينجم عن ذلك من تداعيات أمنية وسياسية».
بدورها، دانت معظم الأحزاب التونسية القرار، كما دانت لجنة الدفاع عن البغدادي المحمودي تسليمه للسلطات الليبية، واعتبرته قراراً غير مسؤول. وتداولت المواقع الإلكترونية التونسية على نحو واسع صور تسليم المحمودي مع تعاليق ساخرة من الرئيس المؤقت، الذي أثبت أنه لا يملك أي صلاحيات تمكّنه من الاعتراض على قرار كهذا.
إلى ذلك، أفادت مصادر صحافية بأن هناك اتفاقيات اقتصادية مستقبلية بين تونس وليبيا في مجال النفط، وذكرت هذه المصادر أن ليبيا ستساعد تونس، عبر قروض وهبات مالية، على تجاوز الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. هذا الأزمة تشكّل عبئاً سياسياً على الحكومة التي يقودها حزب «النهضة» الإسلامي، الذي يطمح الى المحافظة على موقعه، وهذا لن يتحقق إذا لم ينقذ اقتصاد بلاده المتعثّر.
ولا يمكن تفسير تسليم المحمودي بـ«الصفقة الاقتصادية» فقط، بل من الواضح أن «النهضة» أرادت أن ترسل مجموعة من الرسائل للمكونات السياسية في تونس، أولاها تخليها عن منصف المرزوقي، الذي يبدو أنه أصبح عبئاً عليها بعد شروعه في حملة انتخابية مبكرة، مستفيداً من انعدام صلاحياته، وبالتالي «براءته» من أي مسؤولية عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي، كما أنها تسعى إلى الخروج من «العزلة»، عبر تفكيك التحالفات الواسعة ضدها، وخاصة بعد بروز الحزب الجديد «نداء تونس»، الذي قد يشكل تحالفاً انتخابياً مع أخصام «النهضة». وبالتالي، اختارت النهضة، بهذا القرار، التخلي عملياً عن حليفها، بعدما انقسم حزبه الى حزبين وفشله في إقناع الشعب التونسي بأنه قادر على أن يكون رئيساً لكل التونسيين وليس مجرد «ساكن» في قصر قرطاج، كما وصفه أحد أنصاره القدامى، سليم بوخذير، الذي انشق عن الحزب، وأسس، مع مجموعة أخرى، حركة «وفاء».
فهل سقطت عملياً «الترويكا»، لينتهي معها منصف المرزوقي الذي لن يجد أنصاراً خارج حزبه؟ وهل سيندم المرزوقي على رفضه مطالب نواب المعارضة الذين دافعوا عنه، وأرادوا توسيع صلاحياته؟ الثابت الوحيد، بعد هذه الأسئلة، أن الصيف التونسي سيعرف تحولات جوهرية في المشهد السياسي.