الخرطوم | ما أن تُجمع إطارات السيارات وتشعل فيها النيران، ومع تعالي ألسنة اللهب والدخان، ترتفع الهتافات المعادية للحكومة. ويجد ذلك الفعل إجابة مباشرة من فئة الشباب اليافعين داخل الأحياء، الذين لا تتجاوز أعمارهم العشرين، وفي معيتهم نساء الأحياء اللاتي ينتظمن خلف منظمي التظاهرة بصورة آلية. هكذا روت إحدى الناشطات لـ«الأخبار» كيف يتم التنسيق للتظاهرات.
وأوضحت الناشطة، التي فضلت عدم ذكر اسمها، أن التنسيق قبل التحرك للمواقع الميدانية، يتم بين الأصدقاء عبر الرسائل القصيرة، ولا يتم تقديم الدعوة للتظاهرة إلا إلى الأفراد الذين تتوفر فيهم ثقة المنظمين، من حيث الاستجابة الفورية وقطعاً من حيث السرية وعدم الوشاية بهم إلى أجهزة الأمن. ولفتت الناشطة إلى أن سكان الأحياء الراقية في الخرطوم كـالطائف، والرياض، لا يستجيبون لنداءات التظاهرات التي تعلو بها حناجر الشباب. وبدا لافتاً في الأيام الأخيرة، صعود مجموعات جديدة من الناشطين، غير المجموعات التي أعلنت عن مناهضتها لسياسات النظام قبل اندلاع التظاهرات الأخيرة. وتؤكد الناشطة أن كل الذين يتحركون الآن في التظاهرات غير منظمين. وفسرت ذلك، بأن أجهزة الأمن تمارس رقابة لصيقة لكل الناشطين المعروفين والمنتمين إلى التنظيمات الشبابية المعروفة كمجوعتي «قرفنا» و«شرارة». وتطورت تلك الرقابة لتصل إلى حد الاعتقال. وأفادت مصادر سودانية «الأخبار»، باعتقال رئيس تنظيم «شرارة»، مجدي عكاشة، يوم أمس. كذلك مورست عمليات استدعاء مستمرة للناشطة نجلاء سيد أحمد، التي توثق للتظاهرات بآلتها التصويرية. ونُقل عنها أنها أرهقت جسدياً وذهنياً من عمليات الاستدعاء المستمرة، التي تتم منذ الصباح الباكر ولا يسمح لها بمغادرة مكاتب الأمن إلا بعد منتصف الليل حتى لا تتمكن من المشاركة في التظاهرات.
هذه الإجراءات الأمنية لم تمنع استمرار التظاهرات في جامعة الخرطوم أمس. ومارست أجهزة الأمن، أشد عمليات القمع على طلاب الجامعة. وقامت باعتقال أعداد كبيرة منهم، الأمر الذي دفع بعمداء كليات الجامعة مجمع الوسط، إلى الدعوة لعقد اجتماع طارئ لمناقشة مسألة تعليق الدراسة في الجامعة، في ظل تدهور الوضع الأمني داخل الحرم الجامعي. وأكد شهود عيان لـ«الأخبار»، أن قوات الشرطة ومكافحة الشغب كانت تفرق المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع، ومن يوقعه حظة السيئ من طلاب جامعة الخرطوم في قبضة رجال الشرطة فإنه يضرب بواسطة عصا كهربائية استُحدث استخدامها بعد تطور حركة الاحتجاجات. أما مستخدمو تلك العصي من عناصر الأمن، فقد ارتدوا زياً جديداً، مثبتة فيه دروع حامية من الرصاص، ووجهوا نداءً للطلاب بإخلاء الحرم الجامعي فوراً، الأمر الذي وجد معارضة من الطلاب. وحسب ما روى شهود عيان، فإن مجموعة من الطالبات في كلية العلوم الرياضية حدثت بينهم حالات إغماء من استنشاق الغاز، ما دفع الطلاب الشباب إلى مخاطبة افراد الشرطة الذين كانوا يحاصرون الكلية بالسماح للفتيات بالخروج. وهو الأمر الذي وجد استجابة من الشرطة. غير أن ذات الشهود أكدوا أن أفراد جهاز الأمن كانوا يمارسون أعمال العنف واستفزاز للطلاب أكثر من عناصر الشرطة، الذين أصبح يطلق عليهم مصطلح «الرباطة».
في هذه الأثناء، بدا واضحاً أن مستقبل العام الدراسي الجامعي مهدد في ظل تواصل الاحتجاجات في عدد من الكليات. وأعلن تعليق الدراسة في كلية المصارف فيما تتجه جامعة ام درمان الأهلية ذات الاتجاه. أما كلية شرق النيل ببحري فإن الدراسة ستعلق في مجمع الاقتصاد منعاً لاحتجاجات الطلاب. وعلمت «الأخبار»، من مصادر تحرك منظمة «لا لقهر النساء» لتنظيم حركة احتجاجية في منطقة أم درمان، بالقرب من منزل الزعيم إسماعيل الأزهري، وذلك للتنديد بالسياسات التقشفية التي أعلنتها الحكومة مؤخراً، وللمطالبة باطلاق سراح الناشطات سارة ضيف الله، وسارة محيي الدين، بالإضافة الى الناشطين ساري أحمد عوض ومجدي عكاشة.
ووفق ما روت صديقة الصحافية ساره ضيف الله، فإن الأخيرة اعتقلت مساء أمس، أثناء تغطيتها لتظاهرات منطقة الجريف غرب الخرطوم. وأفادت بأن ذوي سارة لم يكونوا في البداية على دراية بمكان اعتقالها، بعدما نفى جهاز الأمن اعتقالها، ليعود بعدها ويخبر ذويها بأنه سيتم اطلاق سراحها بعد الفراغ من عملية التحقيق، وحدد مدة 72 ساعة زمناً للانتهاء من ذلك التحقيق.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تعتبر سابقة خطيرة، إذ إن الأجهزة الأمنية ظلت في السابق تؤكد أنها لا تعتقل النساء لأكثر من يوم واحد. أما الآن فلجأت للاعلان أنها ستفرج عن معتقلة بعد ثلاثة أيام، بهدف إرهاب النساء من الخروج في التظاهرات.
وشهدت ليلة أول من أمس العديد من التظاهرات في أحياء الخرطوم البعيدة؛ حيث خرج سكان منطقة السامراب في وسط الحي وتجمعوا لساعات، في وقت متأخر من الليل، دون أن تتمكن قوات الشرطة من الوصول إليهم. وخرج أهالي أحياء الثورات في مدينة أم درمان والفتيحاب ومنطقة الصحافة بالخرطوم، وأشعلوا اطارات السيارات في الشارع الرئيس قبل أن تفرقهم قوات الشرطة التي أصبحت تتمركز في نقاط ثابتة داخل الأحياء ومتحصنة بأوامر مباشرة من مدير جهاز الشرطة، وشدد جهاز الشرطة على منسوبيها بالتصدي بحزم مع مسببي التظاهرات والمجموعات التي تستهدف الممتلكات، وحسمها بصورة فورية طبقاً للقانون. لكن القانون في رأي المواطن حمد، لن يحمي الحكام. وبينما كانت نبرة الغضب في صوته، دان الذين يصفقون ويهللون اليوم للنظام، مشيراً إلى أنهم «سيديرون ظهورهم إليه متى ما انقطعت مصلتحهم منه». وأضاف في حديث لـ«الأخبار»، أن «الإنسان لا يمتلك في هذه الدنيا إلّا كرامته، ولا يمكن أن يطأطئ رأسه لمن يهدرها له». وذكّر حمد بأن الشعب السوداني سبق أن أسقط حكومات شمولية، وأن بإمكانه الآن أن يكرر ذلك، لكنه عوّل على أن ينحاز الجيش للشارع وإلّا فإن «التظاهرات الاحتجاجية لن تتوقف أبداً».



البرلمان يصادق على إجراءات البشير



غير عابئ بالاحتجاجات والتظاهرات التي انتظمت في الشارع السوداني منذ اسبوع، احتجاجاً على رفع الدعم عن المحروقات، وزيادة الأسعار على العديد من السلع الحيوية؛ أجاز البرلمان في جلسته أمس خطة حكومة الرئيس عمر البشير (الصورة) التقشفية، التي ألغت بموجبها الدعم عن المواد البترولية، والذي تلته زيادة ملحوظة في أسعار بعض السلع المهمة. وجاء تمرير النواب للقرارات الاقتصادية، والتي تم تطبيقها فعلياً قبل اجازتها، في وقت استقبلها الكثيرون بالسخط وعدم الرضا؛ باعتبار أن البرلمان كان ينبغي أن يلتفت إلى تلك الاحتجاجات، ويرد عليها برفضه للزيادات، كسباً لتعاطف الشارع معه على أقل تقدير، وايقاف الاحتجاجات التي أكد المشاركون فيها أن سقفها لن يتوقف عند غلاء الاسعار، بل تعداه إلى المطالبة بإسقاط النظام. وتوقع مراقبون أن يتسبب تمرير البرلمان للقرارات الأخيرة في تأجيج التظاهرات، واتساع نطاقها، بالرغم من اصرار السلطات على وصفها بالمحدودة.