أديس أبابا | كم بدا المشهد غريباً. لحظات العناق وتبادل التحيات بطريقة لا تنقصها الحميمية بين أعضاء وفدي التفاوض لدولتي السودان وجنوب السودان، لحظة تلاقيهم خارج إطار البروتكول في باحة الاستقبال الرئيس لفندق «راديسون» في أديس أبابا، الذي يحتضن المفاوضات الشاقة والمعقدة بين الجارتين المتشاكستين. مشهد رفع حاجب الدهشة لدى الحاضرين بالمكان، ولا سيما غير السودانيين الذين ربما لا يعرفون طبيعة الاختلاف بين أبناء ذلك البلد، حيث يشتعل الوضع على الحدود بين السودان وجنوب السودان، إن لم يكن بفعل الرصاص، فبفعل الاستقطاب الحاد.
رئيس فريق الوساطة الأفريقية، ثابو مبيكي، الذي وصل مقر المفاوضات قبيل ساعات من الوقت المحدد لاستئناف التفاوض، بدا هو الآخر أكثر إنشغالاً على غرار حجم الملفات المودعة منضدة التفاوض. فالرجل رفض الحديث للصحافيين بحجة أن الوقت لا يزال مبكراً للحديث. ويعتبر نجاح مبيكي في جمع شمل الفرقاء، بعد أقل أسبوعين من انهيار المفاوضات في السابع من حزيران الحالي، نقطة تسجل لصالح الاتحاد الأفريقي الذي يتولى مهمة تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2046، الخاص باعادة الإستقرار بين دولتي السودان وجنوب السودان، والذي صدر في الثاني من أيار الماضي. وحدد مهلة ثلاثة أشهر للبلدين لتجاوز قضاياهما العالقة بجميع أشكالها، والتي تتركز في ملفات الحدود والأمن والنفط والديون.
القرار الأممي، رغم أنه وضع سقفاً زمنياً يبدو من شبه المستحيل الوفاء فيه، إلا أنه يعتبر دافعاً كبيراً للطرفين للتفاوض ولو تحت زخات الرصاص في أحيان كثيرة. ويمثل الفصل السابع للميثاق الأممي، الذي حذر القرار من اللجوء إليه في نهاية المهلة الممنوحة للبلدين المحددة في الثاني من آب المقبل، عصا غليظة في وجه البلدين، ناهيك عن الحالة الاقتصادية المتردية جراء الحرب المشتعلة على الحدود وتوقف ضخ النفط.
وأكد المتحدث باسم وفد حكومة جنوب السودان المفاوض، عاطف كير، لـ «الأخبار»، أن «الجديد في المفاوضات هذه المرة أننا محكومون بسقف زمني، حدده القرار 2046 لمناقشة كل القضايا العالقة بين دولتينا على حسب ما جاء في تفاصيل القرار الأممي، ودعمته المؤسسات الدولية والإقليمية». وأضاف «لذا لن يكون هناك تفاوض مفتوح، فالعملية برمتها أصبحت محكومة بسقف زمني، إما أن ننجز اتفاقاً أو نذهب بعد ذلك بالقضية لمراحل أخرى داخل المؤسسات الدولية». ويدعم حديث كير عن مراحل أخرى داخل المؤسسات الدولية، وجهات نظر بعض المراقبين، الذين يرون أن جوبا تعمل داخل كل جولات التفاوض على دفع الخلاف لمراحل متقدمة من التحكيم الدولي، وهو ما ترفضه الخرطوم. وتؤكد الحكومة السودانية أنها لن تقبل بأي خطوات أخرى لحل القضايا الخلافية خارج مؤسسات الإتحاد الأفريقي.
الخرطوم، التي وصل وفدها متأخراً بعض الشيء للعاصمة الإثيوبية أديس ابابا، قالت إنها حريصة على إنجاز تقدم في هذه الجولة التفاوضية خدمة للمصالح المشتركة للبلدين. وأشار المتحدث الرسمي بإسم وفد حكومة السودان المفاوض، السفير عمر دهب، في تصريح لـ«الأخبار»، إلى أن «هناك مسائل قد استأنفنا النقاش حولها في هذه الجولة، وهي قضايا محددة مسبقاً قبل وصولنا للعاصمة الإثيوبية أديس ابابا، بموجب مذكرة تلخيصية قدمتها لنا الوساطة الأفريقية في هذا الجانب بغرض تقريب وجهات النظر بيننا والطرف الآخر». وأضاف «قدمنا ملاحظاتنا على المذكرة المقدمة من الوساطة، والتي تعتبر بصفة عامة أساساً جيداً لاستئناف المفاوضات في هذه الجولة». ومضى يقول «نحن نثمن مجهودات مبيكي ومجهودات الإتحاد الأفريقي التي يبذلها في طريق حل القضايا العالقة بيننا والإخوة في حكومة جنوب السودان».
وتتمثل أهم القضايا العالقة بين دولتي السودان وجنوب السودان في ملفات النفط والحدود والمواطنة والتجارة، إضافةً لملف أبيي التي حظيت ببرتوكول خاص بها في اتفاقية السلام التى وقعها شطرا البلاد حينذاك في منتجع نيفاشا الكيني في التاسع من كانون الثاني من العام 2005. وأخفق طرفا اتفاق السلام في تنفيذ البرتوكول الخاص بها، والذي كان من المقرر أن ينتهي باستفتاء خاص بسكان المنطقة يحددون فيه مصيرهم بين البقاء ضمن السودان أو الانضمام إلى الدولة الوليدة. وهو ما لم يحدث وأدخل المنطقة في نزاعات عسكرية بين البلدين.
واعتبر المحلل السياسي بهرام عبد المنعم، في حديث لـ «الأخبار» من مقر المفاوضات، «أن الواقع الراهن في مواقف الأطراف، لا ينذر بالتوصل لحل للخلافات في الوقت الراهن، ولا سيما في ما يتعلق بالحدود. وهو ما يمهد الطريق لبلوغ الأزمة بين البلدين محطات جديدة في خاتمة المطاف التي حددها قرار مجلس الأمن الدولة 2046». وأضاف «ربما لا ترضي الخاتمة الخرطوم، لكنها في كل الأحوال تبقى خطوة في مصلحة حل الخلافات لما تمثله الضغوط الدولية من أهمية في مثل تلك الخلافات بين الخرطوم وجوبا».