الجزائر | ارتفعت حدة التوتر في جبهة التحرير، حزب الغالبية في الجزائر، وتجاوزت مستوى العنف اللفظي الى العنف الجسدي، بوقوع مواجهات عنيفة بين مؤيدي الأمين العام للحزب عبد العزيز بلخادم، ومعارضيه، على مدى أيام في داخل ومحيط مقر انعقاد دورة اللجنة المركزية التي يُفترض ان تكمل اجراءات عزله. كذلك، جرت مواجهات أخرى في المحافظات خلفت عدداً من الجرحى. وقد زاد من لهيب النار بين الجانبين موقف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي أيّد بلخادم بطريقة غير مباشرة وعبر اتباعه في الحزب.
موقف بوتفليقة أنعش حظوظ بقاء بلخادم في منصبه وأدخل الشكوك في صفوف المعارضة حول جدوى الاستمرار في تحركها، لأن ذلك يعني مواجهة بوتفليقة بقوته وآلته الإعلامية والأمنية التي تسحق كل من يقف في طريقها. وسبق انعقاد الدورة لغط كبير وتوظيف للنفوذ والحيل بما فيها البعيدة كل البعد عن أخلاق التعامل العام، فما الحال في التعامل داخل حزب سياسي كسب غالبية في البرلمان قبل أسابيع قليلة. واستخدم بلخادم ورقة تأييد بوتفليقة الى أبعد حد لتجاوز الاستياء العام في حزبه وتركيع معارضيه، وإلغاء قرار صدر في نيسان الماضي يقضي بسحب الثقة منه وفصله من قيادة الحزب وعقد مؤتمر جامع لانتخاب الأمين العام الجديد.
كذلك، استخدم مجموعات «بلطجة»، قادها نجله شوقي واصدقاؤه، زرعت الرعب في أوساط المشاركين في الدورة وتعرض بعضهم للضرب من نجل بلخادم شخصياً. وتعتقد أوساط سياسية وإعلامية أن تحوّل بلخادم الى موقع الهجوم في تصريحاته ومواقفه وتجاهله لكل الأصوات المعارضة مردّه الى هذا الضغط المزدوج على خصومه والمتمثل في دعم الرئيس ورعب «البلطجية».
لهذا، قرر بلخادم إعادة توزيع الأدوار في قيادة الحزب بما يقوّي شوكته، وأصدر تعليمات بإقصاء «كل من تسول له نفسه إحداث اضطراب في الحزب». وأعلن أول من أمس انه الرجل القوي في جبهة التحرير وتوعّد خصومه بالعقاب. وقال بلخادم إنه كان يتعامل بسلاسة مع الخلاف، لكن الجناح المضاد له تمادى وعليه فان طريقة التعامل تغيرت، «ولن أسمح لأحد بالتجاوز مرة أخرى».
ورد بلخادم ساخراً على جموع استقبلته أمام مقر اجتماع دورة اللجنة المركزية بعبارة «إرحل» على طريقة الربيع العربي: «أنا لا أُقيم في بيت أحد حتى يقال لي إرحل». وعلقت الصحافة الجزائرية ساخرة على هذا بالقول: «ان كل من رحلوا اعتقدوا قبل الرحيل انهم لن يرحلوا»، فيما تهكم شباب مواقع التواصل الاجتماعي على وضع الجبهة وموقف بلخادم بعبارات مثل: «هذا يقع داخل حزب، فماذا لو كان هذا الحزب هو السلطة الفعلية وبلخادم رئيس البلاد... اكيد ستهدم المدن».
ويدرج الملاحظون والمتتبعون للشأن السياسي في الجزائر هذا الصراع في رهان الانتخابات الرئاسية عام 2014، حيث يعمل جناح في دوائر القرار على الإبقاء على بلخادم على رأس جبهة التحرير، وتقديمه بديلاً لبوتفليقة في حال لم يعد ممكناً ترشيحه لفترة رئاسية رابعة، فيما تعمل أطراف أخرى على اقصائه من المنصب حتى لا تتاح له هذه الفرصة.
ومثل هذا حدث قبل عام من انتخابات 2004، حيث أُقصي رئيس الحكومة آنذاك علي بن فليس، المُقرّب من بوتفليقة، لمُجرد انه فكر في تقديم ترشحه منافساً لرئيسه. وقتها تجندت كل الهيئات المدنية والعسكرية والقضاء لإقصاء الرجل لأنه اغضب الرئيس ومحيطه. واكد بلخادم نفسه ان الانتخابات المقبلة سيخوضها بوتفليقة مرشّحاً في حال كان قادراً على ذلك، وقال عن نفسه «لم يحن الوقت للتفكير بهذا الشأن» بمعنى انه لم يستبعد ترشحه في حال تعذر على بوتفليقة ذلك.