عندما توفي وليّ العهد السابق الأمير سلطان بن عبد العزيز، نظر الكثير من أصحاب الرؤى الإصلاحية بحذر لتعيين الأمير نايف في ولاية العهد. كان القاسم المشترك بين العديد منهم، الدعاء للملك عبد الله بن عبد العزيز بالبقاء على قيد الحياة لأطول فترة ممكنة، أملاً في أن تجد بعض أفكاره الإصلاحية، وحتى مجموعة المشاريع الخدماتية والتطويرية التي أطلقها، طريقها إلى الانتهاء، محذرين من أن وفاته وحلول نايف مكانه لن يؤديان بالبلاد إلا إلى العودة للوراء خطوات كثيرة لا خطوة واحدة.
هم يدركون أنه لا يوجد أمير من آل سعود أو من الحاشية المحيطة بهم، ممن لم تتلوث أيديهم بالفساد. كذلك يدركون جيداً أن أياً من أمراء آل سعود ليس على استعداد لإدخال تغييرات جذرية على تركيبة الحكم في المملكة تؤدي في نهاية المطاف إلى التقليل من سيطرة العائلة الحاكمة على البلاد ومواردها. لكن مفاضلتهم كانت ولا تزال قائمة على مبدأ الأفضل بين السيئين، وليس على مبدأ الأفضل أو السيئ.
لذلك، لم يكن الأمير نايف في نظرهم سوى أسوأ السيئين. فلم يكن يتردد يوماً بالمجاهرة بأفكاره المتشددة والرافضة للإصلاحات. والعديد من الشخصيات الإصلاحية قد خبرت الغضب الذي يلحق بكل من يجرؤ على مخالفة رأي وزير داخلية المملكة لأكثر من 37 عاماً. وقد ازدادت هذه المخاوف مع الأنباء التي كانت قد بدأت تتردد عن تردي صحة الملك عبد الله وحلول نايف مكانه في إدارة معظم الملفات، ليكون ملكاً من الظل. أما بوفاته، فإن الأنظار باتت تتجه إلى ولي العهد الجديد، الأمير سلمان بن عبد العزيز. أمير الرياض السابق، ينقل بعض من كان على اتصال معه ميله الشديد إلى البراغماتية في التفكير، مؤكدين أن مفاضلاته في القرارات مبنية على أساس المصلحة وحجم الفائدة الممكن تحقيقها وليس أبداً على المظاهر. أما وثائق «ويكيليكس» فأظهرته بأنه صاحب رؤية بعيدة المدى وعقلانية جعلته يحد من انتقاد إخوته السديريين، مدافعاً في بعض الأحيان عن قرارات الملك، ورافضاً الخروج عنها. ومع ذلك، إن وصول الأمير سلمان إلى ولاية العهد، لن يمثّل بالضرورة فرصة لإعادة إطلاق عجلة الإصلاحات في المملكة، التي باتت في نظر الكثيرين أمراً لا مفر منه، إذا أراد آل سعود منع انفجار المملكة من الداخل، ولو بعد حين.
الخوف ينبع بنحو رئيسي من أن الظروف اليوم قد أصبحت غير مهيأة، وتحديداً في ما يتعلق بوضع العائلة الحاكمة ما بعد رحيل الأمير نايف. فوفاة الرجل القوي أربك العائلة؛ لأنه كان ممسكاً بخيوط الدولة كلها، وهو الوحيد القادر على ضبط أمورها، بما في ذلك السياسة الخارجية، الأمر الذي جعل العائلة بعد نبأ وفاته أشبه بالتائهة، وخصوصاً أن الأمير سلمان لن يكون قادراً على ملء هذا الفراغ بالرغم من القبول الذي يتمتع به داخل العائلة. وبالتالي، ستتجنب العائلة الحاكمة، خلال المرحلة الراهنة، أن تثار أي قضية حساسة على غرار ملف الإصلاحات السياسية الذي لطالما كان مثار انقسام بين الأمراء، وخصوصاً أنه ينطوي على تنازلات كبيرة يجب تقديمها للشعب. ويبدو أن انتقال وزارة الداخلية إلى الأمير أحمد بن عبد العزيز، والترقب لمسار العلاقة بينه وبين نجل نايف، محمد، الذي يُعَدّ رجل الظل في الوزارة منذ سنوات، سينعكسان حكماً على أي خطوة إصلاحية.
على الرغم من ذلك، إن لائحة المطالب التي ينادي بها أصحاب التيار الإصلاحي لا تزال نفسها، والعبرة بالنسبة إلى هؤلاء تبقى في مدى تنفيذها. الأولوية بالنسبة إليهم تأتي لإدخال الإصلاحات وتعزيز الممارسة الديموقراطية في المملكة. فانتخابات المجالس البلدية بالرغم من وجود كثير من التحفظات على فاعليتها، تمثّل منطلقاً لا يجب التفريط به إلى جانب التشديد على أهمية إطلاق حرية تشكيل الجمعيات والأحزاب السياسية وتحويل مجلس الشورى إلى هيئة منتخبة لا معينة. ويتوقع أن يمارس السعوديون، للمرة الأولى، حقهم في انتخاب نصف أعضاء مجلس الشورى، على أمل أن يمنح في المستقبل دور سياسي ورقابي، لا مجرد دور استشاري كما هي الحال اليوم.
ملف آخر يؤكد تيار الإصلاح أهميته، يتمثل في إطلاق سراح المعتقلين السياسيين المودعين في السجون من دون محاكمات أو خضعوا لمحاكمات صورية. وإن كانت المطالب السياسية مثاراً للاختلاف بين السعوديين، حيث يغيب الموقف الموحد من أولوية المطالب الإصلاحية، فإن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، تعدّ عاملاً مجمعاً عليه لدى مختلف فئات الشعب. وما الاحتجاجات التي اندلعت في بعض الجامعات السعودية قبل فترة سوى مؤشر على أن البيئة السعودية قابلة لاحتجاجات أكبر، متى ما تهيأت الظروف لذلك.
وتبرز أهمية ما جرى قبل أشهر، أن مصدر الاحتجاج لم يكن من قبل فئة مذهبية محددة، وتحديداً الأقلية الشيعية التي كانت تلاحقها في عهد الأمير نايف تهمة التشكيك بولائها وتلقي التعليمات من دول خارجية، بل إن فئة أساسية من المجتمع قد قررت الخروج عن صمتها والتعبير عن الامتعاض من تردي الخدمات التي تعانيها الجامعات على غرار العديد من المرافق الحكومية. لذلك، من المرجح أن تكون وتيرة تطور هذا الملف أسرع في الفترة المقبلة من ملف الإصلاحات السياسية، بعدما أثبتت هذه الفئة الشابة أنها قادرة على التوحد بعيداً عن أي نزعات طائفية حول مطلب اجتماعي.
ملف آخر، يتفاءل البعض في إمكانية حدوثه، وتحديداً في ما يتعلق بقيادة المرأة للسيارة. فغياب صاحب مقولة «لن تقود المرأة السيارة ما دمت حياً»، يجعل تحقيق هذه الخطوة أقل تعقيداً، في ظل مرونة الملك عبد الله بن عبد العزيز إزاء هذا الملف، وعدم وجود ممانعة رئيسية من الأمير سلمان للسماح للمرأة بالحصول على هذا الحق.