بينما كان الشعب المصري يهيئ نفسه لمتابعة فرز الأصوات في اللجان الانتخابية لمعرفة هوية الرئيس المقبل بعد ثورته، فجر المجلس العسكري لغماً آخر في سلسلة الألغام التي فجرها خلال الأيام الماضية، بكشفه عن إعلان دستوري مكمل، للدستور المستفتى عليه في آذار عام 2011. ووفقاً للخبراء، سيصبح الرئيس المقبل «بطة عرجاء» أو «رئيساً بروتوكولياً»، يستأذن المجلس العسكري في كل صغيرة وكبيرة أو عند الحد الأدنى يتوافق معه.
وبموجب هذا الإعلان، يحق للمجلس العسكري إصدار قوانين وتشريعات لحين انتخاب مجلس شعب جديد، فضلاً عن توليه كل شؤون الجيش وتقرير كل ما يتعلق بشؤون القوات المسلحة، وتعيين قادتها ومد خدمتهم. كما يكون لرئيسه، حتى إقرار الدستور الجديد، جميع السلطات المقررة في القوانين واللوائح للقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع. ووفقاً للإعلان المكمل أيضاً، لا بد من موافقة المجلس على قرار الحرب إذا اتخذه رئيس الجمهورية، وموافقته على تدخله في شأن ضبط الأمن في البلاد إذا رأى رئيس الجمهورية ذلك مع تحديد القانون لحجم التدخل ودوره واختصاصه.
وبشأن الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، نص الإعلان الدستوري المكمل على تشكيل المجلس لها خلال أسبوع إذا قام مانع يحول دون استكمالها، لتعدّ دستوراً خلال 3 أشهر ويعرض على الشعب خلال 15 يوماً، ثم تبدأ خلال شهر من إقرار الشعب للدستور إجراءات الانتخابات التشريعية. وتابع المجلس في إعلانه، أنه يحق لرئيسه أو رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو المجلس الأعلى للهيئات القضائية أو خمس الجمعية التأسيسية الاعتراض على أي من مواد الدستور المعدّ، إذا عارضت ما سماه الإعلان «أهداف الثورة ومبادئها التي تحقق المصلحة العليا للبلاد»، وما تواتر في الدساتير المصرية السابقة. وإذا اعترضت الجمعية يتم الاحتكام للمحكمة الدستورية العليا لتفصل في الأمر.
كذلك، نص الإعلان على أن القانون هو الذي يحدد النظام الانتخابي الذي تجري بموجبه انتخابات مجلس الشعب والشورى المقبلة، وبذلك لا يكون لرئيس الجمهورية أي سلطات سوى تشكيل الحكومة، دون الوزارات السيادية التي لا بد للعودة إلى المجلس العسكري فيها.
ويظهر من خلال الإعلان الدستوري المكمل أن المجلس العسكري سيستخدم أداة القضاء، ولا سيما المحكمة الدستورية العليا التي يترأسها ضابط الجيش السابق المعين من قبل مبارك فاروق سلطان، في تنفيذ ما يريد من قرارات في شأن مواد الدستور المقبل. كما لم يخف المجلس رغبته في التفرد بكل الأمور السياسية والقانونية، بحسب العديد ممن وصفوا هذا الإعلان بأنه «تغول على مؤسسات الدولة»، وانقلاب من المجلس العسكري يظهر رغبته في عدم تسليم السلطة، ويجعله دولة داخل الدولة.
وفتح إعلان فوز مرشح الإخوان وحزبها الحرية والعدالة، محمد مرسي، الباب للتساؤل حول مستقبل العلاقة بين الرئيس المقبل والمجلس العسكري. محمد بريك، الخبير في العلاقات المدنية _ العسكرية، رأى أن هناك 3 سيناريوهات ستحكم العلاقة بين مرسي والمجلس العسكري. السيناريو الأول، هو وجود تفاهم كامل بين مرسي، ومن خلفه جماعة الإخوان، على اعتبار تقسيم مساحة السلطات بين الطرفين، فتتركز السلطات السيادية في يد المجلس العسكري ويترك لمرسي والجماعة مساحة واسعة من الحرية للأمور الخدمية.
أما السيناريو الثاني، وهو المرجح لدى بريك، فيتمثل في الصدام بين الجماعة والمجلس العسكري، وذلك نظراً إلى تداخل الملفات السياسية والخدماتية في مصر بشكل واسع. وفي هذه الحالة، سيكون هناك انقلاب صريح، لكنه سيكون انقلاباً أبيض.
أما السيناريو الثالث، فيتلخص في إحداث حالة من الضغط الشعبي والثوري ورفض العملية السياسية كلها، مع وجود توافق وطني، يكون مصحوباً بضغط شعبي يوفر غطاء من الزخم السياسي ويعطي قوة في الصدام مع المجلس العسكري. وهذا السيناريو يعتبره بريك فرصة ضعيفة لعدم وجود توافق وطني حتى الآن.
أما الباحث السياسي في مركز بيت الحكمة للدراسات، شريف محيي، فقد رصد تغييراً في خطاب الكثير من القواعد الإخوانية، تعلو فيه نبرة الثورة على النبرة الإصلاحية المعتادة، عقب الإعلان الدستوري، مرجحاً أن تشكل هذه القواعد أداة ضغط على قيادات الجماعة، في حال قبولها بهذا الوضع الذي يكرس ضعف الجماعة أمام العسكر. كذلك، رجّح أن الجماعة لن تخضع لحلول المهادنة مرة أخرى بالشكل الذي ظهرت عليه في المرحلة الانتقالية، معتمداً في رأيه على تحليل سلوك مرسي عقب إعلان جماعته فوزه فجر أمس الاثنين. واعتبر أن وقوف رئيس مجلس الشعب المنحل، سعيد الكتاتني والقيادي في الجماعة عصام العريان، بجانب مرسي، دليل على أن هناك عودة إلى الاصطفاف مرة أخرى لرفض الإعلان الدستوري المكمل. وهو ما تم بالفعل مع إعلان «حزب الحرية والعدالة» رفضه لما أصدره المجلس.
أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، عبد الفتاح ماضي، فاعتبر الإعلان بمثابة «استمرار في انتهاج إعاقة التحول الديموقراطي في مصر، ويطلق سلطة المجلس العسكري ويجعله أعلى من المؤسسات المنتخبة التي يجب ألا تخضع لسلطة أعلى منها». وقال ماضي إنه لا بد من صدام بين المجلس وبين رئيس الجمهورية المقبل في حال فوز مرسي. وأشار إلى أن مرسي لن يستطيع الوقوف بوجه المجلس، إلا من خلال تشكيله حكومة وحدة وطنية موسعة من كل التيارات وفريق رئاسي من نائبين من غير الإخوان، يشكلون نواة تكتل وطني، يسعى من خلاله إلى إجبار المجلس العسكري على تنفيذ قرارات تجعله يسلم السلطة بشكل حقيقي، والعودة إلى ثكنه.
وحذّر ماضي من تعريض الجيش المصري للخطر بالزج به بصورة أعمق في السياسة، لافتاً إلى أنه سيدفع الثمن في المستقبل مثلما دفع المجتمع ثمن تسييس القضاء والداخلية، بما يؤدي بالمجتمع الى صراع مع أهم مؤسسة تحمي الوطن وحدوده.
وساهم التغيير، الذي أجري على منصب رئيس الجمهورية بين ليلة وضحاها، في حديث البعض عن أن ما يطرح على مصر ربما يكون النموذج التركي الذي يلعب فيه الجيش دور المرجعية في خلفية السياسة التركية. وعقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، مصطفى كامل، مقارنةً بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر ومجلس الأمن الوطني في تركيا. وأوضح أن «مجلس الأمن الوطني في تركيا كان يحاول أن يضمن أن الحكومة في تركيا ناجحة في توفير الاستقرار السياسي وحريصة على الالتزام بمبادئ العلمانية التركية، بينما نظيره المصري لم يؤد أي دور مماثل على خلفية أيدلوجية، اللهم إلا بالنظر إلى تصريح الفريق سامي عنان (عضو المجلس العسكري ورئيس أركان الجيش) الذي شدد فيه على التزام الجيش بحماية مدنية الدولة».
وكان مركز «كارنيغي» قد حذر من أن النموذج التركي أصبح يلوح في الأفق قبل أشهر. ورأى أنه «نموذج تضرُب فيه عناصرُ ما يسمّيها الأتراك «الدولة العميقة» الحركاتِ الإسلاميةَ بقوّةٍ. تشجّعها، في سياق هذه العملية، الأحزاب السياسية المدنية غير الإسلامية التي تخلع عنها بسرعة أوراق اعتمادها الديموقراطية، وتعتمد على الجهات الفاعلة غير الديموقراطية لسحق خصومها الإسلاميين».
ويستفيد الجيش المصري من وقوف قطاع واسع من القضاء في صفه في مواجهة الإسلاميين، من قبيل تهاني الجبالي، عضو المحكمة الدستورية العليا، التي أكدت لـ«الأخبار»، «أن المجلس العسكري يملك الحق في إصدار الإعلان الدستوري الجديد لأنه لا يزال السلطة الفعلية في البلاد، ومن ثم فالطبيعي أن يتجه إلى خطوة كتلك لسد أيّ ثغر تشريعية».