تونس | تعيش تونس، اليوم، «حرب أفكار» إيديولوجية، قد تشمل شرائح عدة على مسرح «تونس ما بعد الثورة». أبطال عدة ظهروا على خشبة العرض. كلٌّ منهم سعى إلى كسب رضى الجمهور، الذي ضاع بين علمانيين وإسلاميين، حداثيين وتكفيريين، كلٌّ يتجاذب الهوية. خلال هذا التجاذب برز بطل جديد، بطل بلحية كثّة وجلباب أفغاني، وسروال قصير. بطل ملامحه غاضبة من «الكافر» اليساري والمرتد الحداثي والإسلامي «الوسطي».
خطاب هؤلاء مستهجن من اللاعب الجديد، فمنهم من استخدم مقولات موليير ومونتسكيو، آخرون دخلت على أدبياتهم تعابير كارل ماركس وجان بول سارتر، ومنهم استماله جمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي ونجم الدين أربكان. السلفي الذي ظهر على المسرح كان حالة شاذة، من حيث الأفكار التي طرحها. لم يعتَدها الجمهور الحاضر. زعيم حركة «النهضة» راشد الغنوشي رأى أنها «تبشّر بميلاد ثقافة جديدة». آخرون رأوا أنّ هذه الأفكار خارجة عن المجتمع التونسي المتميز بـ«ثقافة وسطية»، وأن الظهور الجديد للسلفيين جاء من طريق ثالث، هو التأثير الخارجي الخطير المتمثل في «الغزو الفضائي للقنوات الوهابية السعودية»، و«انتشار الجهاديين العائدين من السجون الأميركية في أفغانستان وغوانتنامو »، وإخوانهم الخارجين من سجون نظام زين العابدين بن علي بعد العفو عن المساجين السياسيين.
ورغم هذا الظهور المفاجئ، فإن الظاهرة في تونس ضربت بقوة، حيث تشير أرقام وزارة الداخلية التونسية إلى وجود آلاف المواطنين «السلفيين»، وهو ما يشير إلى أن حضورهم بدأ يمثّل عقدة جديدة بالنسبة إلى المجتمع، وخصوصاً أن للسلفيين ولاءات «عابرة للحدود»، وغير مرتبطة بالنظام السياسي الموجود في تونس، كما لا تتجانس ثقافتهم مع الهوية التونسية، لا من حيث المرجعية الدينية أو حتى من حيث طبيعة الدعوة التي يسعون إليها. دعوة يرونها نهجاً إصلاحيّاً للمجتمع، على حسب ما أتى به «السلف الصالح»، أي من «يدعو إلى فهم الكتاب والسنّة بفهم سلف الأمة، وهم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين، باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل والتمسك بأخذ الأحكام من القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة ويبتعد عن كل المدخلات الغريبة عن روح الإسلام وتعاليمه، والتمسك بما نقل عن السلف»، حسب ما جاء في كتاب «أصول وتاريخ الفرق الإسلامية» لمؤلفه مصطفى بن محمد بن مصطفى، أحد مؤرخي الحركات الإسلامية.
هذا المفهوم يُعَدّ القلب النابض للفكرة السلفية بصفة عامة، منذ أن وجدت نظرياً مع ابن تيمية، وأيّد تطبيقها بطريقة متطرفة محمد بن عبد الوهاب في شبه الجزيرة العربية في القرن التاسع عشر. مفهوم يقوم على طمس جميع المعالم الثقافية والسياسية والاجتماعية المستمدة من النسق الغربي. والتاريخ يشير إلى التحالف الذي جمع «آل سعود» مع الوهابيين عند قيام المملكة العربية السعودية، في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. تحالف كان كفيلاً بشلّ كل مناهج التفكير للدخول في عصر «سلام آل سعود» تحت وطأة الدين، والتحالف الديني السياسي الذي جمع «أولي الأمر» بأصحاب الدين.
إذاً، لم تقم الحركة السلفية في جوهرها إلا على أساس سياسي، وإن كانت حركة تدعو إلى الإصلاح بطرق رجعية؛ إذ إن الحلّ، برأيها، يكمن في السلف الصالح، وكل من يعوق هذا الطرح يُعَدّ «كافراً»، ويحق قيام الحدّ عليه. هذا الطرح الفكري فتح المجال أمام نزعة عنفية تتميز بها هذه الجماعات؛ إذ يجب إعلان «الجهاد» لإصلاح هذه الأمة، وإخراجها من التخلف الذي وصلت إليه بسبب «الكفر»، الذي خلّفه الاستعمار الغربي في المجتمعات الإسلامية. لذلك، يتمحور منهج السلفيين حول مقولة واضحة: «إما معنا أو ضدنا». يجعل هذا المنهج السلفيين على اختلاف مناهجهم المتفرعة، مدعاة للحيطة والخوف؛ لأن اللجوء إلى العنف، أو ما يطلقون عليه مسمى «الجهاد»، يمكن أن يحمل تبعات خطيرة على المجتمع. وهو ما شهدته تونس، حتى الآن، في أربع مناسبات منذ نجاح ثورة «14 جانفي» بإطاحة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
في المناسبة الأولى، حدثت مواجهة بالسلاح في منطقة «الروحية» بين مجموعة سلفية والجيش الوطني أفضت إلى استشهاد مقدم في الجيش وجنديين، إضافة إلى مقتل إرهابيين وهروب آخر، لا يزال يبحث عنه إلى يومنا هذا. بيّنت هذه المواجهة الخطيرة أن جماعة تنتمي إلى تنظيم «القاعدة» في المغرب العربي وجدت طريقها إلى البلاد التونسية من الحدود الجزائرية، حيث استعانت بخلاياها النائمة داخل الأراضي التونسية للقيام بعمليات نوعية فيها. كذلك وجدت خرائط تظهر أهدافاً سياحية وتجارية كبرى كان سيستهدفها «السلفيون» في تونس. وحسب ما روى مسؤول أمني رفيع المستوى لـ«الأخبار»، فإن هذه العمليات لو حصلت لكان لها أثر كارثي على الاقتصاد التونسي، الذي يمرّ، أصلاً، في وضع صعب.
واصل المسؤول سرد واقعة «الروحية»، وأشار، بكثير من التحفظ، إلى أن التسلل من الأحراج الجبلية المتاخمة للحدود الجزائرية ـــ التونسية لم يكن ليحصل لولا تعاون عناصر موجودين فعلاً في الجانب التونسي من الحدود. عناصر يعرفون جيداً مواقع التفتيش والمراقبة التابعة للجيش والحرس التونسيين. ويؤكّد أن «هناك عناصر لوجستيين يعملون مع هذه العناصر الإرهابية».
تعطي معلومات المسؤول الأمني انطباعاً عن مدى خطورة الوضع، وخاصة على الحدود بين الجزائر وتونس، كذلك فإنّ الحالة مشابهة على الحدود التونسية ـــ الليبية، التي تمثل خطراً بعد الكشف عن «تسرب» خطيرة للأسلحة من هذه الجهة. من هنا، تأتي الحادثة الثانية، المتمثلة في كشف خلية تهرّب السلاح من ليبيا. وكانت فرقة مقاومة الإرهاب والجيش الوطني قد اشتبكت معها، وألقي القبض على أكثر من 20 مطلوباً من التونسيين. الحدود هذه تشهد فلتاناً أمنياً كبيراً، يمتدّ من الصحراء على الحدود التونسية ـــ الليبية إلى حدود أفريقيا الغربية، وخصوصاً في نيجيريا، حيث ينتشر عناصر تنظيم «بوكو حرام» الأصولي.
يجعل هذا الوضع الجديد، من تونس، مركزاً جديداً للنشاط الجهادي المرتبط بالدعوة السلفية. ومن أبرز دلائله، الجهاديون التونسيون الذين توجهوا إلى سوريا، حيث قبضت عليهم السلطات السورية، ليعترفوا بأنهم جاؤوا إلى سوريا من طريق ليبيا، إثر الدعوة إلى الجهاد ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد في المساجد التونسية، وأنهم وجدوا طريقهم سهلاً عبر ليبيا، حيث موّلوا للانطلاق في رحلتهم الجهادية.
وأفاد الموقوفون بأنهم أتوا من كافة مناطق الجمهورية التونسية، من بنزرت إلى بن قردان (أقصى الجنوب التونسي)، إلى نقطة معينة في ليبيا، وهي منطقة بو سليم في العاصمة الليبية، ثم توجهوا إلى تركيا ومن بعدها إلى سوريا. بدورهم، عبّر أهالي المقبوض عليهم عن استغرابهم من توجّه أبنائهم إلى سوريا، ورأوا أنّ ذلك جرى بنحو مفاجئ. في هذا السياق، يروي المسؤول الأمني أن هذا يدلّ على «أن عمليات التجنيد تحصل بصفة سرية وأنّ التوجه إلى ليبيا يجري بحجج عديدة، ومنها الذهاب للعمل هناك».
وبالعودة إلى واقعة «بئر علي بن خليفة»، وهي الحادثة الثانية، فإن الجهاديين الذين حُقِّق معهم، حسب ما يشير المسؤول الأمني لـ«الأخبار»، كانوا يعملون على تخزين السلاح بهدف القيام بتأسيس دولة سلفية في جزء من المناطق التونسية، أو على كامل مساحة البلاد. ويضيف أن «الأدهى من ذلك أن تسلسل الخلايا يمتد إلى ليبيا وأقصى الجنوب الجزائري»، وأن هذا يعني أن للقاعدة وجوداً كبيراً في تونس، لافتاً، من جهة أخرى، إلى أن تسرّب السلاح إلى تونس قد يكون كبيراً، مع مواصلة اكتشاف مخابئ متعددة، كان أكبرها في مدينة «الكاف» القريبة من الحدود الجزائرية.
كلام المسؤول الأمني يفضي إلى أن السلفيين قد بدأوا في الذهاب بعيداً في استراتيجيتهم الهجومية، وأنهم قد برزوا فعلاً كمحرك سياسي واجتماعي جديد، له تكتيكاته في العمل السياسي والعسكري. على هذا الصعيد، يشير مسؤول أمني آخر إلى «أن هناك تخوفات كبيرة من إمكانية تفجر الوضع خلال الصيف وشهر رمضان المقبل»، ويكشف عن أن «هناك معلومات عن الإعداد لعمليات نوعية ضد مصالح سياحية وتجارية ومرافق عامة في العمق التونسي، وأن هذه المعلومات تشير فعلاً إلى تهريب سلاح من الجزائر للقيام بهذه العمليات».
يأتي حديث هذا المسؤول، بعد تحذير أطلقته نقابات الأمن الداخلي، بعد العمليات التي قام بها سلفيون في منطقة «جندوبة» ضد مصالح أمنية فيها، وضد مرافق عامة. التحذير أكد أن السلفيين يعدون لعمليات في تونس، وأن «سياسة التخاذل التي تنتهجها حكومة الترويكا، ورأس وزراة الداخلية ضد الاستفزاز السلفي، ستجر البلاد إلى وضع أمني مزر».
وأفاد موقع «ميديا بارت» الفرنسي، منذ أكثر من أسبوعين، بأن هناك معلومات تشير إلى أن السلفيين يتدربون في الجبال، وخاصة في جبال «مطماطة» الجنوبية، وهو ما دحضه مصدر أمني لـ«الأخبار»، لكنه أكد وجود تدريبات سلفية في إطار ضيّق، أي في صالات رياضية على فنون القتال. وشوهدت بعض تدريباتهم في مدينة القيروان، حيث نظموا مهرجاناً حضره أكثر من 5 آلاف شخص.
وكشف المصدر الأمني عن وجود تعاون خفيّ بين تجار المخدرات ومهربي السلاح مع «الجهاديين». ورأى أن تهريب السلاح والمخدرات لا يمكن أن يكون إلا من طرق موحّدة ومعروفة جيداً لدى المهربين من المافيات، التي ترى في تونس ما بعد الثورة سوقاً جديدة. هذه المؤشرات قد تكون امتداداً للنهج الذي تعمل به «القاعدة في بلاد المغرب العربي»، حيث يوجد زواج مصالح بين ثلاثة عناصر اجتماعية تعيش في الصحراء الكبرى، هي «القاعدة»، وعصابات التهريب والطوارق، الذين يعرفون الطرق الصحراوية الوعرة.
تدل هذه المؤشرات على وجود مد سلفي سري يعمل الآن على توحيد الصفوف وتنظيمها، والاستعداد للحظة المناسبة لقلب نظام الحكم، وتأسيس إمارة سلفية في تونس، وهو فعلاً ما كشفته التحقيقات في عملية «بئر علي بن خليفة»، قرب مدينة صفاقس.
وأهم سمة تبرز التلاحم السلفي مع «القاعدة»، ما شهدته مدينة صفاقس عند الحكم على ليبيين عملوا مع خلية بئر علي بن خليفة، حيث وقف السلفيون خارج أروقة المحكمة العسكرية في صفاقس، رافعين شعارات تطالب بـ«إطلاق سراح المجاهدين». مؤشر آخر إلى التلاحم السلفي والجهادي القاعدي في تونس كان عبر صيحة الفزع التي عبّر عنها مستشار رئيس الحكومة في إحدى القنوات التونسية، عند سؤاله عن سبب «التخاذل الحكومي» في التعامل مع الخطر السلفي، إذ قال: «نحن نتعامل مع ظاهرة معقدة بأساليب معقدة»، وتساءل: «هل تريدون أن نتعامل معهم أمنياً، فتحصل انفجارات ويتضخم الوضع الأمني في تونس؟».
هذا السؤال يشير فعلاً إلى أن الحكومة متوجّسة من عمل إرهابي يمكن أن يحدث في البلاد، وأن هناك معلومات تشير إلى وجود أسلحة مخبأة وتهرّب، وأن الحكومة تعمل على حل هذه المسائل ضمن الحوار، ومحاولة جرّ السلفيين إلى دخول العملية السياسية السلمية، التي يراها السلفيون، وخاصة الجهاديين، بدعة غربية.
هذا ما عبّر عنه على الأقل، زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، في شريطه الصوتي، الذي دعا فيه إلى «التمرد» على حكومة «النهضة»، التي رأى أنها حليفة للولايات المتحدة الأميركية، والرافضة لإدراج الشريعة في الدستور التونسي. كلام الظواهري، كرّره الداعية السلفي الشهير أبو أيوب، بعد تعليقه على معرض الصور في «قصر العبدلية» الذي أشعل مواجهات جديدة مع الأمن بعدما عدّها السلفيون صوراً مسيئة إلى المقدسات الدينية. أبو أيّوب توجّه إلى حركة النهضة قائلاً: «إنهم يصومون عن الطعام، ويصومون كذلك عن الإسلام»، في إشارة إلى الموافقة على عدم إدراج الشريعة في الدستور.



أول حزب سلفي رسمي

يُعَدّ «حزب جبهة الإصلاح» أول حزب سلفي في تونس، بعدما منحته السلطات التونسية ترخيصاً قانونيّاً، ليرتفع بذلك عدد الأحزاب في تونس إلى أكثر من 118 حزباً.
ويدعو «حزب جبهة الإصلاح»، الذي يعرّف نفسه بأنه «حزب سياسي أساسه الإسلام ومرجعه في الإصلاح القرآن والسنّة بفهم سلف الأمّة»، إلى إقامة دولة إسلامية تُحكم وفقاً للشريعة.
ويضمّن حزب جبهة الإصلاح في مبادئه، أنّه حزب قائم على منهج أهل السنّة والجماعة بفهم سلف الأمّة الصالح، على المستوى العقدي، حسب تصريحات نوفل ساسي، أحد قياديي الحزب ومؤسسيه. أما سياسيّاً فهو حزب يؤمن بآليات العمل الديموقراطي والدولة المدنيّة وخيارات الشعب الانتخابيّة، حسب ساسي، الذي شدّد على أنّ الجبهة ليست جديدة على مستوى العمل السياسي، وإنّما هي امتداد لتاريخ طويل من النضال والنشاط السرّي ضدّ نظام بن علي، وخاصة منذ الثمانينيات، حيث صدر بيان الجبهة التأسيسي الأوّل الذي تضمّن رفضاً واضحاً لحكم بن علي للبلاد.



التونسيّون يختلفون في تفسير الظاهرة... ويتّفقون على الحلّ عبر الجيش




تختلف وجهات نظر الرأي العام التونسي حول ظاهرة «السلفية»، لكن ما يُجمع التونسيون عليه هو انتماؤهم إلى وطن واحد، وأن ما يحدث في تونس هو «مشروع فتنة»، بل إن بعضهم يقول إن «الثورة جمعتنا، والسياسة فرقتنا»، وخصوصاً أن المجتمع التونسي ذو لون واحد، خالٍ من الطوائف المختلفة والأعراق المتعددة.
ورغم «التوحد» على رفض الفتنة، فإنه لا يمكن إبعاد ظاهرة السلفية عن إطار التجاذب السياسي. ومن يحاول أن يقترب من السلفيين، ومعرفة تصوّرهم لطبيعة العمل السياسي سيصطدم برأي يقول إن «النظام السياسي في تونس نظام يعمل وفق بدعة ضالة، تسمى الديموقراطية، وهي ليست من الشريعة، وإن النظام الإسلامي يختلف عن هذا النظام الكافر، بل يجب أن يكون الأمر للأمير الذي يحكم بما أنزل الله، وحسب سنّة رسوله». والأمير يختاره العلماء، حيث يجب أن تتوافر فيه مجموعة من الخصال، منها معرفته بالشريعة وأصولها ليولى أمر الأمة.
هذا ما يشير إليه بلال، أحد الشباب السلفيين، الذي يضيف «سيتحقق ذلك بالجهاد، وبالدعوة في المجتمع التونسي، فتونس دولة إسلامية ويجب أن تحكم بالشريعة الإسلامية». لا يتوانى بلال، الشاب العاطل من العمل، عن عرض الفيديوات والصور المتعلقة بالجهاديين في كل أنحاء العالم، من أفغانستان إلى العراق والشيشان، مروراً باليمن وليبيا في عهد الثورة ضد نظام القذافي. بل يدعو صراحة إلى الجهاد ضد كل «مظاهر الشرك في المجتمع».
ويشير بلال إلى أن العلم مرتبط بالشريعة والفقه، وأن ما تعدّاهما لا يعتبر علماً. فالعلم هو أصول الفقه والحديث والقرآن، وإن ما خرج عنهما لا يعتبر من العلم في شيء، فالعلم متعلق بالعبادة، حسب بلال، وإن العلم متعلق بالأصول المأخوذة عن السلف الصالح.
يشير كلام بلال إلى غياب المرونة في التفكير والنقد عند الشباب السلفي، ويعبّر عن حالة الهروب من واقع معيّن نحو واقع آخر، وهو واقع فردوسي، يستخدم الدين للذهاب بعيداً في أفق الحياة. خطاب قد يعتبره البعض مخيفاً وبعيداً عن أهداف الثورة، حسب ما يقول الطالب في كلية الحقوق محمد علي طالب، ليضيف «الإسلام لا يتعارض مع الحياة المدنية، بل يتوافق معها». ويردف «رغم هذا التطرف الذي يشهده المشهد السياسي التونسي، لا يمثّل السلفيون السواد الأعظم من المجتمع التونسي». يعطي محمد علي «وصفة» للعبور نحو برّ الأمان. الحوار هو الحلّ. «السلفيون هم مواطنون تونسيون، يمكن أن نتحادث معهم لتحقيق أهداف الثورة معهم».
تفاؤل طالب الحقوق لا ينسحب على كافة أطياف المجتمع التونسي، فأيمن، أحد ناشطي حزب العمال الشيوعي، يشير إلى أن السلفيين هم أكبر خطر على مدنية الدولة وعلمانيتها، اللتين تأسست عليهما تونس الحديثة. ويضيف أن ما يحدث في تونس يعتبر انحرافاً عن مسار الثورة. ويعدد السيناريوات السياسية، ليرى أن هناك قطبين سياسيين في تونس، هما حركة «النهضة» الإسلامية من جهة و«التجمعيون» (الحزب الحاكم سابقاً) من جهة ثانية. ويرى أيمن أن كِلا الطرفين لم يشارك في الثورة، «فالأول لم يشارك في الثورة والثاني كانت الثورة ضده». ويشير إلى أن السلفيين هم أعوان ميدانيون لـ«النهضة»، وهم مقرّبون منها.
تنبع نظرة أيمن من ثقافته الماركسية النقدية، لكنها قد تخالف نظرة مهدي الذي يعمل بالتجارة، إذ يقول إن «السلفيين كلهم في كفة، وكافة المجتمع السياسي الآخر في كفة أخرى». ويشير، بعد أعمال العنف الأخيرة، إلى أن السلفيين لهم مشروع خاص يريدون تطبيقه حتى بالقوة، فذلك منهجهم في التفكير والعمل، وهو يتعارض مع روح النظام السياسي في تونس.
وعن الحلّ الأجدى لوقف العنف، يرى مهدي أن الجيش هو آخر خطوط الدفاع أمام أي خطر يمسّ البلاد. ويضيف «لا أظن أن الجيش غافل عمّا يجري من دسائس أو عمليات قد يكون السلفيون يُعدّون لها». لا يقتصر كلام مهدي على رأيه الخاص، فعموم المواطنين التونسيين يرون أن الجيش هو الضمانة الوحيدة للثورة، وأنه سيتدخل وقت الحاجة، كما فعل أثناء الثورة، حين عمل على حماية الشعب.
ورغم ذلك، فإن الإحساس بعدم الأمان سائد في المجتمع التونسي، وخصوصاً بعد المواجهات الأخيرة بين الأمن والسلفيين، والتي كانت حصيلتها مقتل طالب سلفي برصاصة في الرأس في مدينة سوسة.
نزار...