محاولات عدة عملت عليها الدول المناهضة للنظام السوري لتوحيد المعارضة السورية. جرت المحاولة الأولى في شهر أيار الماضي، في منتجع على البحر الميت في الأردن، نسّقته وزارة الخارجية الاميركية. اتفق، في هذا الاجتماع، على إيصال رئيس جديد للمجلس الوطني السوري. كان من المفترض أن يكون المعارض ميشال كيلو. حينها، في «مطابخ» المعارضة السورية، سرَت فكرة أنّ على المجلس أن يصدر إشارات مطمئنة للأقليات في المشرق. انفضّ اجتماع البحر الميت على تحديد يوم ١٦ من الشهر الماضي ليعقد خلاله اجتماع للمعارضة برعاية الجامعة العربية في القاهرة، حيث ينجز انتخاب رئيس جديد للمجلس الوطني بدل برهان غليون، ولينجز، أيضاً، شكل من وحدة المعارضة السورية، عبر توسيع اطار المجلس ليضم قوى جديدة علوية، وكردية، ومسيحية، وشخصيات عسكرية منشقة. لكن مع اقتراب موعد انعقاد اجتماع القاهرة، بدا للأميركيين بشكل خاص، أن كلاً من المجلس الوطني وقوى المعارضة السورية الاخرى، لا تزال غير ناضجة لانجاز «الوحدة»، ولو بالحد الأدنى.
وفي ندوة شبه مغلقة للسفير الأميركي في سوريا، روبرت فورد، عقدها في معهد «آسين» في واشنطن نهاية الشهر الماضي، بعنوان «المرحلة المقبلة في سوريا»، كشف عن جانب من طبيعة الأسباب التي أفشلت اجتماع القاهرة. وقال فورد: «إنني عائد للتوّ من مصر، حيث كان متوقعاً عقد اجتماع للمعارضة السورية برعاية الجامعة العربية، يصبّ في اتجاه توحيدها، لكن الاجتماع لم يعقد بسبب تغيّب ممثلين من المجلس الوطني، وهذا التصرف يمثّل فرصة ضائعة أخرى».
وكشف فورد، في سياق كلامه، عن التصوّر الذي كانت تضعه الخارجية الاميركية لتوحيد المعارضة السورية لتطبيقه في اجتماع القاهرة، فقال «من وجهة نظرنا فإن مشكلة المعارضة السورية الاساسية تكمن في عدم وجود برنامج سياسي واضح ومتفق عليه بين كل أطيافها». ورأى فورد «أنه ليس على كافة افرقاء المعارضة أن تنضم الى المجلس الوطني، فذلك غير مهم، بل المهم أن تضع على الطاولة برنامجاً سياسياً محدداً، يمثل بديلاً للنظام الحالي، وهذه مسؤولية تاريخية على المعارضين السوريين». وختم فورد «أنّه رغم إفشال اجتماع القاهرة فإن العمل جارٍ من أجل تحديد موعد بديل لإتمام إنجاز الهدف عينه».
والواقع أن الإشكالية التي طرحها فورد حول نوعية الوحدة المطلوبة للمعارضة، تكشف أنّ تشتت الرؤية، الذي يسود بين أطياف المعارضة السورية، انتقل ليسود الدول الداعمة لها. وبات هذا العنوان موضع خلاف، أو عدم انسجام، بين الدول الداعية اليه. فكلّ من قطر وفرنسا وتركيا، لديها استثمارات هامة داخل المجلس الوطني، وعليه، لديهم مصلحة في ابقائه الاطار الوحيد للمعارضة السورية، اما واشنطن فتسعى، بدرجة أولى، للحصول على موقف سياسي موحد من المعارضة لتفاوض عليه، أكثر مما تسعى للحصول على جسد تنظيمي موحد لها. كذلك يهم الإدارة الاميركية، بدرجة ثانوية، تنويع أطر المعارضة، ما يساعدها على انشاء نظام توازنات بداخلها، تلعب فيه دور المايسترو بين قواها. وليس خافياً أن اخراج غليون من رئاسة المجلس لم يكن برضا باريس، التي كانت تفضل بقاءه، كونه مقيماً فيها منذ عقود، ولدى مؤسساتها الأمنية والسياسية علاقات وثيقة به. بدورها، طالما فضلت قطر بقاءه، لكونه لم يكن سوى واجهة لهيمنة «الاخوان» غير المرئية داخل المجلس. وعملياً فإن عملية إقصاء غليون، صاغتها واشنطن بالتحالف مع مجموعات المجلس الناقمة من هيمنة «الاخوان» على رئيسه السابق. وليس مستبعداً أن يكون «الاخوان»، وخلفهم، باريس والدوحة هم الذين أفشلوا اجتماع القاهرة، لعرقلة تنفيذ واشنطن لأجندتها الداعية لتوحيد المعارضة. لكن اميركا، بحسب فورد، أصرت على تأجيل اجتماع القاهرة وليس إلغاءه، ما يعني انها لا تزال عند فكرتها، بخصوص أن «الوحدة اذا تعذرت عبر دمج كافة قوى المعارضة، فلتتم على أساس توافقها على برنامج سياسي لمرحلة ما بعد الاسد». ويبدو أن هذا ما تفضله الخارجية الاميركية ولجنة إدارة الأزمة السورية. وكان لافتاً في تلك الفترة، أنّ اللجنة الأخيرة، سرّبت ملاحظات عن الطريقة التي توزّع بها الدول الممولة للمعارضة المال، فاتهمتها بأنها تغدقه على القوى الاسلامية، بينما تمنعه عن القوى المدنية. واستنتجت أن هذا التصرف يؤذي توازن التركيب البنيوي للمعارضة، ويطيل أمد عدم حسم الصراع ضد النظام السوري.
لماذا اجتماع اسطنبول؟
بين اجتماع القاهرة، الذي لم يحصل، واجتماع اسطنبول، أول من أمس، والتطلع لاجتماع «القاهرة ٢» برعاية الجامعة العربية، تجدر ملاحظة أن مستجدات حصلت كان لها تأثيرها على تفكير دول أصدقاء الشعب السوري، بخصوص ملف إنجاز وحدة المعارضة السورية، وكان لها الدور الأهم في دعوة قوى معارضة محددة الى اسطنبول لتعقد لقاء توحد، على عجل، ومن ثم يصار لاستكمال نقاش هذا الملف بشكله العام في القاهرة، في موعد لا يزال قيد الدرس.
ابرز هذه المستجدات، تتمثّل بقبول دول «اصدقاء الشعب السوري»، بهيمنة أميركية واضحة، لاستبدال فكرة الإتيان بعبد الباسط سيدا، مكان ميشال كيلو. ذلك، بعدما طلبت أنقرة، تحت عنوان حاجتها الملحة، أن يتم العمل على جعل اللون الكردي في المعارضة السوري واضحاً، وذلك لسحب ورقة حزب العمال الكردستاني من يد النظام السوري. وقد يكون المطلوب في لقاء اسطنبول، صياغة اندماج بين المجلس الوطني والتجمع الكردي، كنوع من الضمانات لتركيا. تتفهّم واشنطن وجهة النظر التركية، وكانت قد أشبعتها نقاشاً في اجتماع «الأطلسي» في شيكاغو، مؤخراً، حيث شهد الاجتماع شكوى تركية من خطورة نجاح دمشق في تجييش ورقة حزب العمال ضد أمنها القومي. كما تريد تركيا، أن ينضمّ الى المجلس ممثلون عن عشائر سورية يقيمون بمناطق مجاورة لحدودها. إذاً، اجتماع المعارضة في تركيا، ليس له في الواقع، سوى هدف أساسي، وهو «فرز حصة» تركيا داخل المعارضة، على نحو يلبّي احتياجات أمنها القومي تجاه الأزمة السورية.
ويلاحظ أن اجتماع «القاهرة ٢»، الذي يوصف بأنه سيحسم وحدة المعارضة، سواء على أساس برنامج سياسي واحد، أو على أساس انخراط كل قواها داخل المجلس الوطني، لم يتم تحديد موعده لغاية الآن. وربما موعده ينتظر، بحسب مصادر في المعارضة، معرفة ما الذي تحتاج إليه واشنطن منه في ضوء تطور الدعوة الى مؤتمر دولي لنقاش الأزمة السورية.