قبل أيام كشفت صحيفة «الشارع» اليمنية عن لائحة بأسماء كبار مسؤولي الدولة اليمنية ومشايخها الذين يتلقون أموالاً شهرية من السعودية. أموال يدرك اليمنيون أنه لولاها لما كانت السعودية قد نجحت في تأمين ولاء كبار المسؤولين والنافذين اليمنيين، وجعلهم رهينة لها ولمصالحها في اليمن طوال السنوات السابقة. ولعل أبرز تجليات هذا الارتهان، في نظر الكثيرين، كان عبر التوقيع على معاهدة جدة الحدودية لعام 2000، والتي أقر بموجبها تنازل اليمن نهائياً عن مناطق عسير ونجران وجيزان، التي كانت موضع نزاع بين البلدين منذ عقود.
ضمن هذا المنطلق، أعلنت مجموعة من الناشطين والحقوقيين اليمنيين، قبل فترة وجيزة، إنشاء حركة «عسير» الهادفة إلى استعادة هذه المناطق. الحركة التي تعرّف عن نفسها بأنها «مدنية شعبية»، حددت أهدافها في بيانها التأسيسي «الأولي» «بتشكيل وعي يمني داخلي وتأسيس وتعميق أهمية الوعي الجماهيري الوطني نحو حقوقه وأراضيه الواقعة تحت الاحتلال السعودي»، تمهيداً أمام تأسيس رفض جماهيري ومدني لمعاهدتي الطائف وجدة الحدوديتين.
كذلك، شددت الحركة على ضرورة «توحيد الجبهة اليمنية الداخلية في رفض التحكم السعودي بمسارات القرارات اليمنية، وإدانة الشخصيات اليمنية التي تمد يدها للمال السعودي»، فضلاً عن «ضرورة اتخاذ موقف قانوني بحقها باعتبار أنها ساعدت وساهمت في إضاعة الحق اليمني التاريخي في أرضه المحتلة من قبل الجارة المغتصبة لثرواتنا وأرضنا ومواردنا الطبيعية».
لكن ظهور الحركة، في وقت تحول فيه اليمن إلى ورقة للتجاذبات الإقليمية، لم يكن ليمر دون ظهور العديد من المواقف اليمنية المنتقدة للحركة، فضلاً عن ظهور من يشكك في الأهداف من وراء تأسيسها وتوقيته. مدير «مركز سبأ للدراسات الاستراتيجية»، أحمد سيف المصعبي، رأى، في حديث مع «الأخبار»، أن «ما تطالب به الحركة أمر غير قابل للتحقيق»، واضعاً الحركة في سياق المناكفة الإقليمية. وشدد على أن الحدود تم التوافق عليها في إطار مواثيق دولية وضعت نسخ منها في الأمم المتحدة. وأضاف «الحركة ليس هدفها مصلحة اليمن، بقدر ما هو استدراج السعودية إلى نزاعات جانبية»، متهماً إيران بالوقوف وراء الحركة وتمويلها، قبل أن يؤكد أن ليس لدى هذه الحركة، من وجهة نظره، أي حظ في النجاح.
لكن المتحدث باسم الحركة، عبد الرحمن الأشول، نفى الاتهامات التي تصبّ في هذا الإطار. وأكد لـ«الأخبار» أن الحركة «لا تقف وراءها أطراف يمنية أو غير يمنية، ولا نسعى لذلك أبداً». وشدد على أن الحركة تسعى خلال الفترة المقبلة لعقد «عدة لقاءات تشاورية مع قانونيين ومختصين عرب ويمنيين للخروج بدراسة عميقة ومشروع يكون خارطة طريق لاستعادة الأرض اليمنية، وهو مشروع وطني 100 في المئة».
بدوره، فضّل مصدر يمني مطّلع على الملف القانوني للقضية، بعدما طلب عدم ذكر اسمه، حصر المسألة في تحقيق المطالب المشروعة وعدم الالتفات إلى مسألة الانتقادات الموجهة للحركة، بالرغم من إقراره بأن أهداف الحركة قد تكون تلتقي مع مصالح أطراف داخلية أو حتى خارجية.
ويلفت المصدر إلى أن الحديث يدور حول حقوق مشروعة للشعب اليمني تم الاستيلاء عليها بتواطؤ رسمي يمني أفضى إلى شرعنة هذه العملية. ويوضح أن الخلافات الحدودية قائمة منذ عشرات السنين. وفي عام 1934 تم توقيع اتفاقية الطائف بوصفها «معاهدة صداقة إسلامية وأخوة عربية بين المملكة اليمانية وبين المملكة العربية السعودية»، ولم تكن تمثل اتفاقية ترسيم نهائية للحدود بين البلدين، بالرغم من نصها في المادة الرابعة منها على خط الحدود الذي يفصل بين البلدين.
ويضيف المصدر نفسه أنه بعد عام 1934 بقي الوضع على ما هو عليه، إذ كان نص المعاهدة يؤكّد على تجديدها كل 20 عاماً. لكن مع تولّي الرئيس إبراهيم الحمدي السلطة، في عام 1974، عاد الحديث عن ضرورة تسوية الأوضاع الحدودية بين البلدين. ويشير إلى أن الحمدي خلال فترة حكمه، التي اقتصرت على 3 سنوات، وبينما كان في زيارة لمنطقة الطائف السعودية، طرح معه المسؤولون السعوديون الملف الحدودي، فكان جوابه: «أنا ما زلت في الأراضي اليمنية، وإذا ما أردتم التباحث حول الموضوع نبدأ من هذه النقطة». إلا أن الحديث عن المناطق الحدودية تراجع بعد اغتيال الحمدي، الذي تتّهم بعض الأطراف اليمنية، السعودية، بأنها كانت وراءه بالتعاون مع عدد من الشخصيات السياسية اليمنية، بعدما التقت مصالح داخلية وخارجية على خطورة وجوده في السلطة.
أما خلال مرحلة حكم علي عبد الله صالح، فيوضح المصدر أنه حصل مدّ وجزر حول مسألة الحدود، قبل أن يعمد البلدان في عام 2000 إلى التوقيع على معاهدة جدة الحدودية. وأدت المعاهدة ليس فقط إلى منح السعودية بشكل نهائي منطقة عسير ونجران وجيزان، بل أيضاً إلى اقتطاع جزء واسع من الأراضي اليمنية تقترب مساحتها من مليون كليومتر مربع.
ولفت المصدر إلى أنه في حينه قدمت الكثير من الوعود إلى الشعب، وبينها تسهيل انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي، واستقبال العمالة اليمنية ودعم الاقتصاد المتهالك، لكن سرعان ما ذهبت هذه الوعود أدراج الرياح، بعدما صفّق الشعب للمعاهدة من دون أن تبرز اعتراضات جوهرية عليها.
مع ذلك، يؤكد المصدر أن الحقوق في الأراضي اليمنية لا تسقط بالتقادم. وعلى الرغم من اعترافه بأن المفاوضين على الاتفاقية وموقّعيها هم أشخاص مفوّضون يحملون صفة تمثيلية بحسب الدستور، لكن ذلك لم يمنعه من الحديث عن توافر خيوط تسمح بتكوين قضية ورفعها أمام الجهات المختصة لإبطال المعاهدة. وتحدث عن وجود خلل في أركان المعاهدة، وتحديداً في ما يتعلق بمسألة التفويض والرضا. ولفت إلى أن التركيز سيجري على إبطال صفة الشخص الموقّع على المعاهدة بسبب الرشى التي يُتهم صالح بأنه تلقّاها من السعودية، في مقابل بيع الأراضي اليمنية، إلى جانب القيادات التي وقّعت المعاهدة، وخانت صفتها التمثيلية. وهو ما يوجب، وفقاً للمصدر اليمني، على الطرف المقابل في المعاهدة تحمّل تبعاته، ولا سيما أنه كان شريكاً في عملية الخداع.
ويؤكد المصدر أن الذين يحملون لواء القضية يدركون أن الأمر يحتاج إلى وقت إلى حين الانتهاء من تجهيز الملف القانوني والوثائق، فضلاً عن ضرورة تهيئة البيئة المناسبة لرفع القضية أمام الجهات القضائية المختصة.
ومع ذلك، لا ينفي المصدر وجود عقبات عديدة ستكون في مواجهة الرافعين للواء هذه القضية، وبينها مدى استعداد الطبقة السياسية في اليمن لإعادة المطالبة بهذه المناطق من خلال المؤسسات الدولية. وأعرب عن اعتقاده بأن هذه الطبقة، وحتى ممن كانوا منها في صفوف الثورة وتبيّن تسلّمهم رواتب شهرية من السعودية، لن يطول الزمن قبل أن يحرقوا سياسياً، ليكون الزمن كفيلاً بإظهار التلاعب الذي حصل للتوقيع على معاهدة جدة.
لكن محسن عبد الله خشاع العولقي، أحد المسؤولين الذين شاركوا في اللجنة العسكرية المكلفة بمراقبة المشاكل الحدودية وقياسها، لم يؤكد لـ«الأخبار» حصول أي تلاعب. وبعدما أكد أن مهمة اللجنة، التي كان يرأسها، كانت تتركز على تهيئة الظروف للجان الفنية المختصة للقيام بعملها، لفت إلى أن المسألة لم تحل بين ليلة وضحاها، بل استغرقت قرابة 10 سنوات حتى استكملتها شركة ألمانية. وأعرب عن اعتقاده أن الاتفاقية واقعية، وأنها جنّبت البلدين نزاعات وكوارث.
وفيما يبدو الانقسام واضحاً داخل اليمن، ليس فقط إزاء الحركة وأهدافها بل حتى حول وجود حقوق يمنية مسلوبة، ستتوه أهداف الحركة في بحر التجاذبات الداخلية والإقليمية، ومن المؤكد أن الانقسام اليمني ليس الوحيد في إطار العوائق التي تواجهها الحركة.
على الجانب الآخر من الحدود، لا يمكن توقع إبداء السعودية أي مرونة إزاء التفريط بأي أراض لها، وخصوصاً أن المنطقة التي تطالب حركة «عسير» باستعادتها تضم ثروات نفطية. وهي بالتأكيد لن تتوانى في أي لحظة عن استخدام شبكة الولاءات التي تحتفظ بها منذ عشرات السنين داخل اليمن، لإجهاض أي محاولة لتوحيد البلاد حول مثل هذا الهدف، وذلك إذا شعرت أن القضية جدية. لكن حتى اللحظة لا يوجد أي مؤشرات على أي شعور سعودي بالخطر. وفيما رفضت أكثر من شخصية سعودية، مقرّبة من السلطات، التعليق على مطالب الحركة، مجمعةً على اعتبار أن الأمر لا يستحق حتى المناقشة، ذهب البعض إلى الحديث عن «أضغاث أحلام» لـ«أطراف يمنية مشبوهة».



دعم عبد الناصر


يحلو لليمنيين، في إطار الاستشهاد بأحقيّتهم في منطقتي نجران وجيزان تحديداً، العودة إلى الخطاب الذي ألقاه الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر (الصورة)، إبان احتدام التوتر السياسي بين السعودية ومصر، على خلفية دعم الرياض للملكيين في مقابل دعم القاهرة للجمهوريين في أعقاب ثورة 1962. سأل عبد الناصر في خطابه «هل تستطيع أي قوة أن تضرب الشعب اليمني؟»، قبل أن يؤكد أن «ثورة اليمن ثورتنا، وثورة العرب كلهم، وإلا لما كنا بعثنا أولادنا ليستشهدوا ويضربوا أكبر صفحات البطولة».
وأضاف «وإحنا ببساطة نستطيع أن نعزل السعودية كلياً عن اليمن بأن نأخذ جيزان ونجران، وأصل منطقة جيزان يمنية، وسنة 30 اغتصبها السعوديون بالغزو من اليمنيين، وممكن لليمنيين المطالبة بجيزان ونجران وسنحارب في هذه المعركة، نحن المصريين مع اليمنيين... إذاً لن تستطيع أي قوة أن تضرب ثورة الشعب اليمني».