يحبس الكثير من المواطنين والمراقبين أنفاسهم اليوم مع بدء انطلاق جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية، حيث تأتي جولة الإعادة بين مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي، وآخر رئيس وزراء عهد مبارك، أحمد شفيق، على صفيح ساخن جداً ألهبته نيران الأيام الثلاثة الأخيرة. فمؤسسات القضاء أصدرت قرارات أشعلت الشارع وأربكته، واضعةً إياه في مأزق لا يعرف أين السبيل للخروج منه. فما بين حل مجلس الشعب وعدم استبعاد شفيق والسماح بالضبطية القضائية لصف الضباط وضباط الشرطة العسكرية والاستخبارات العسكرية، يقف أنصار شفيق ومرسي مستعدين بكل أسلحتهم الدعائية والإعلامية والقانونية.
وتزداد الحماسة تحديداً في المناطق الساخنة، التي تمثل بؤرة ساخنة لسيطرة أحدهما بوصفها منطقة نفوذ. جماعة الإخوان تحبس أنفاسها، في انتظار النتيجة، ولا سيما بعد الحديث عن «انقلاب» من قبل المجلس العسكري. وكشف مصدر مطلع داخل الإخوان، فضل عدم ذكر اسمه، لـ«الأخبار» أن سيناريو نزول الإخوان للشارع مطروح بقوة، «لأنه في حال حدوث تزوير لصالح شفيق، سيكون بطريقة فجة تكشفه، أما بالطريقة الناعمة فقوة الحشد الإخواني ستحسمه».
أبرز البؤر الساخنة، تلك التي تشهد سيطرة للإخوان منذ القدم، كمحافظة الشرقية مسقط رأس مرسي، والإسكندرية التي كان الحزب الوطني والإخوان يتقاسمان مقاعدها قبل الثورة في الانتخابات. كذلك، تبرز المنوفية مسقط رأس مبارك ودائرة نفوذ العديد من رجال النظام السابق، إلى جانب كلٍ من المنيا وقنا في صعيد مصر حيث العائلات والعشائر ممن يملكون سلاحاً ونفوذاً، وكانت تتبع الحزب الوطني، فضلاً عن الكتلة المسيحية الكبيرة في الصعيد وأسيوط، التي ستدعم شفيق.
وربما كانت أبرز الأسلحة المستخدمة أمس الجمعة الخطبة الأسبوعية. فعلى الرغم من تحذير مسؤولي وزارة الأوقاف من استخدام المنبر للدعاية، فإن حالة الاستقطاب الموجودة في الشارع، جعلت الخطب المبطنة مفهومة للجميع، فمن يتحدث عن الشريعة وأهميتها وضرورة مواجهة «فرعون وجنوده»، يدعو لمرسي. أما من يتحدث عن لعنة السلطة وأهمية ابتعاد المنتسبين للدين عنها، وعدم سيطرة طائفة أو مجموعة على السلطة فهم يدعون لشفيق.
لكن ربما يكون الحشد بباصات النقل وشراء الأصوات بعيداً عن لجنة الاقتراع هو أبرز أدوات اليوم الانتخابي، فيما يعد تصيد الأخطاء وإبطال الأصوات للمنافس، أحدث الوسائل التي ابتدعها محامو شفيق في الإسكندرية. وعقدوا اجتماعاً بحضور قيادات من الحزب الوطني في قاعات احد الفنادق في منطقة بحري، وتم الاتفاق على أن كل صوت سيبطل من أصوات مرسي سيحصل المحامي على 100 جنيه نظيره. في المقابل، يتسلح أنصار مرسي بأدوات رصد لكشف أي محاولات بلطجة يقوم بها أنصار الحزب الوطني القديم مثلما حدث في انتخابات 2005.
من جهته، يرى رئيس مركز حوار الثقافات والدراسات الحضارية في جامعة القاهرة، محمد صفار، أن أبرز سلاح شفيق يتمثل في كونه مرشح الدولة، ويسانده جهازها. ووفقاً لصفار، يظهر ذلك من خلال شعار شفيق «إعادة بناء الدولة»، حيث يبدو وكأنه «المدافع عن الدولة ضد ما يعتبره فوضى لحقت بها في ثورة 25 يناير، فتصبح الصورة أن مرسي ينافس جمال مبارك أو حسني مبارك اللذين كانا على رأس الدولة التي هدمت بسبب الفوضى».
في المقابل، تعد الميزة النسبية الوحيدة، التي يستطيع أن يذكرها مرسي عن شفيق، أن الإخوان كانوا جزءاً مشاركاً في الثورة أو لاحقاً بها، ومن ثم التصويت ضده تصويت ضد الثورة، هذا على الرغم من أن الإخوان احترقوا في مجلس الشعب.
ويرى صفار أن «مساندة شفيق من أجهزة الدولة لا تأتي فقط في إطار أنه ابن النظام القديم، لكن في سياق إعادة تقنين سيطرة المؤسسة العسكرية على أجهزة الدولة، عبر تسليم مفاصل الدولة لشفيق ليكون الحاكم باسم المؤسسة العسكرية».
وعن احتمال حدوث انقلاب عسكري للاستيلاء على الحكم إذا خسر شفيق ونزل الإخوان للشارع، يستبعد صفار هذا السيناريو، قائلاً: «ربما نكون بصدد سيناريو الجزائر مرة أخرى بصورة ناعمة، أو باختلاف أن العسكر لن ينقلبوا بشكل فج ودون حدوث مواجهات مسلحة». وأضاف «بعد قرار الضبطية القضائية، الذي يكشف عن الاستعداد لأي فكرة مواجهة، وعدم عزل شفيق وحل البرلمان، فإن المجلس العسكري، يبدو أنه يريد أن يمنح الحزب الوطني القديم فرصة لإعادة بناء نفسه، ليُرجع إليه مقاليد الأمور في انتخابات أخرى، ولا سيما مع شعب يمل من الذهاب للانتخابات كثيراً، أو أنه يريد أن يستقيل فعلاً ويدير من خلف الستار».
ويفسر صفار ذلك بأن «المجلس العسكري جاءته فرصة ذهبية للانقلاب أثناء أحداث العباسية، إلا أنه لم يفعل ذلك لسببين رئيسيين. الأول هو خوفه من أن تتمرد القوى التي ستقوم بالانقلاب عليه، ويصبح التمرد عليه هو. أما السبب الثاني فيتمثل في أن المجلس لا يرغب في تولي مسؤولية تيسير الحياة اليومية والمعيشية، بشكل مباشر، بما يكفل له الهروب والتنصل من المسؤولية المباشرة عنها، وخصوصاً بعدما كان المجلس يلقي بلائمة الفشل فيها على الثورة، فضلاً عن رغبة المجلس في إخراج المشهد بصورة غير ممجوجة أو زاعقة».
أما عن نتيجة جولة اليوم، فيتوقع صفار أن خطة الثورة المضادة أو الدولة العميقة لا تتمثل في مواجهة الإخوان فقط، بل في قتل روح الثورة، لأن الثورة «تعبير عن روح تكسر حاجز الخوف وتكسب النفس ثقة بالذات على الفعل». وينجح هذا عندما تكون هذه الروح عبر حركة اجتماعية، ومن ثم ستحاول الثورة المضادة ألا تسمح ببناء جسد للثورة يحمل روحها.
أما الباحث في علم الاجتماع السياسي، إسماعيل الإسكندراني، فيرى أن الصدام حدث بالفعل بين المجلس العسكري والإخوان في إطار المؤسسات. وخسر الإخوان فيها بسبب تواطؤ قوى مدينة وليبرالية مع المجلس العسكري وفشل الإخوان في بناء تحالفات قوية. وتوقع أن تتبنى الجماعة خطاب المحنة مرة أخرى، لأن نزول أنصارها الميدان سيكون بلا شعبية أو صدقية، ولا سيما في حالة خسارتهم. واعتبر أن المعركة اليوم «هي معركة حياة أو موت بالنسبة للعسكر، الذي تواطأ مع جزء من مؤسسة القضاء الذي كانت بمثابة خنجر مسموم للثورة».
أما الباحث في الشؤون السياسية والإستراتيجية، محمد العربي، فيرى أن الجماعة إذا خسرت انتخابات الرئاسة، وهو ما سيحدث على الأرجح، فإن حل الثورة سيكون أبعد الحلول عن تفكيرها، لكن فقط ستلوّح به خطابياً بيد وربما ستلجأ كالعادة للتفاوض مع النظام بيد أخرى. ومن بين الاحتمالات، أن تتجه إلى تقاسم السلطة، أو الحصول منها على جزء يرضيها إلى حين. أما طرح التوافق مع القوى السياسية الأخرى سيكون أداة في يد الإخوان، لا كهدف جدي بل كتكتيك للضغط على النظام. أي أن الجماعة لن تتجه للثورة، ولن تتوافق فعليا مع قوى الثورة، ولن تصطدم بالنظام، ولكنها ستستكين لحين التفكير بشكل جدي في ما فعلته وما سيحدث لها.
ويذهب في تحليله إلى أن الإخوان بدوا بسبب قرارات المحكمة الدستورية هم الأكثر خسارة قياساً بأي قوة سياسية أخرى، فيما تبدو معركة الرئاسة حاسمة لهم، فإما أن يستعيدوا ما فقدوا، أو يخسروا كل شيء وهو ما سيحدث على الأرجح. واعتبر العربي أن السبب في ذلك هو خروج الإخوان عن صف الثورة ومغازلة العسكر، وعدم إظهار أداء مرض لهم في مجلس الشعب، فلم يعد لديهم رصيد مع الثوار أو الشعب. وهو ما جعلهم يبدون في حديثهم عن الثورة كحديث الابن الضال عن بيته. ويشير العربي إلى أن الجماعة «لم تعد تمتلك أدوات فعالة في صراعها على الحكم، فهم غير قادرين على تعبئة الشعب ضد الخصم، إلا بدعاية يائسة يغلب عليها الطابع الديني، الذي يؤثم من يؤيد شفيق»، فضلاً عن أن حل الميدان غير مطروح ولم يعد ذا معنى.