صنعاء | أخرج الجيش اليمني أفراد جماعة أنصار الشريعة، الجناح العسكري لتنظيم القاعدة، من مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين (جنوبي صنعاء) بعد عام تقريباً من احتلالهم لها. لكن بقي السؤال الكبير الذي يؤرق بال اليمنيين هناك: وماذا بعد؟ هذا تنظيم لا يستسلم بسهولة ولا يعترف بهزيمته بأي شكل من الأشكال. لا أحد حتى الآن من الأجهزة الأمنية الرسمية يعرف على وجه الدقة كم هو حجم التنظيم الحقيقي، ومن أين يتدفق عناصره ويتكاثرون، على الرغم من كل تلك الخسائر البشرية التي يتلقونها. ومن يكون الراعي الرسمي لهم ويعمل على إمدادهم بالعتاد والغذاء، ثم ما هي وجهتهم التالية؟
يقول الناس إنه لا يحق لقيادة الجيش أن تعلن أنها نجحت في التخلص من هذا التنظيم قبل أن تدلي بإجابات عن كل هذه الأسئلة. لكن مع ذلك تبقى نقطة مهمة أشعرت هؤلاء المواطنين، الذين عانوا الكثير طوال عام جراء تصرفات أفراد تنظيم القاعدة في مدينتهم، أنهم للمرة الأولى يرون جديّة الدولة في التعامل مع هذا التنظيم، وليس كما كان يحصل في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح. فالأخير كان يمعن في استخدام القاعدة كفزاعة، يعمل من خلالها على ابتزاز الدول المانحة والظهور بأنه الوحيد القادر على كبح لجامها. كذلك يبدو ارتياح الناس ظاهراً في تفاعلهم مع حملة تطهير مدينتهم من عناصر أنصار الشريعة وتشكيلهم للجان شعبية أسهمت في تسهيل تحرك قوات الجيش داخل المدينة، وبالقرب من المواقع الاستراتيجية التي كان الطرف الثاني يتحصن فيها قبل أن ينسحب تاركاً المدينة خلفه.
وهناك نقطة أخرى، يمكن اعتبارها بمثابة الدافع الذي قام بتحريك جمود المواطنين الذين صمتوا أمام أنصار الشريعة المحتلين لمدينتهم طوال عام. وكان من أسباب ذلك الصمت أنهم لم يكونوا يلمسون أي تحرك جاد من قبل قوات الجيش، التي كانت تتعامل بخفة ظاهرة مع أفراد أنصار الشريعة حيث لم تكن لديها النية الكاملة بطردهم من المدينة. وكان ذلك باتفاق بين قادة هذه المنطقة العسكرية وبين الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
لكن الأمر اختلف هذه المرة، عندما أصرّ الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي على تغيير جميع قادة المنطقة الجنوبية التي تقع محافظة أبين في نطاقها، وهم القادة المحسوبون على النظام السابق، وعيّن قادة جدداً من المنطقة نفسها، وجميعهم تحت قيادة وزير الدفاع محمد ناصر أحمد، المقرب من هادي، المنحدر من أبين. وأشرف ناصر أحمد شخصياً على سير العمليات العسكرية هناك. ويبدو هنا أن الرئيس قد أجاد بشكل جيد استخدام ورقة العصبوية القبلية وما تفعله من أثر عندما يحين موعد اختبارها، إذ اعتبر كل واحد من أولئك القادة العسكريين أن هذه المواجهة الحاسمة مع عناصر أنصار الشريعة هي معركته الشخصية التي ينبغي عليه كسبها مهما كلف الأمر.
لكن السؤال الأكبر المُلح على المواطنين، على الرغم من الارتياح الكبير الذي انتابهم جراء خروج أنصار الشريعة من مدينتهم زنجبار وانسحابهم إلى منطقة شُقرة الساحلية، أن هذا الانسحاب جاء من غير مواجهات عسكرية حقيقية، وتمّ ليلاً. وهو ما لا يتطابق مع أسلوب تنظيم القاعدة. وبحسب الباحث أحمد النابهي، فإن أسئلة كبيرة تحوم حول أسباب هذا الانسحاب المفاجئ لعناصر أنصار الشريعة، الذين احتلوا المدينة لمدة تجاوزت العام، وأعلنوا المدينة إمارة إسلامية، وطبّقوا أحكام الشريعة الإسلامية فيها. وقال النابهي، الموجود في زنجبار، في اتصال مع «الأخبار»، إن الأمر الأكثر إثارة للريبة قيام عناصر هذا التنظيم بتوزيع منشورات تبرر أسباب انسحابهم، «وهي أسباب غير منطقية تماماً، حيث قالوا إنهم فعلوا ذلك حقناً لدماء المسلمين». ويتساءل النابهي مستغرباً «أين كانت هذه المشاعر الإنسانية طوال عام كامل وهم يقومون بالتنكيل بحياة الناس كما أمعنوا في تشريدهم من بيوتهم». ومع بقاء أمر هذا المنشور، الذي جرى توزيعه، غامضاً، اتضح شيء آخر أمس وهو المشاركة الأميركية في عمليات ملاحقة التنظيم، بعدما قامت طائرات أميركية من دون طيار بتنفيذ غارات جوية على مواقع للقاعدة وعلى قوافل أنصار الشريعة، بعدما انسحبوا من محافظة أبين متجهين إلى منطقة عزان، المعقل الرئيسي للتنظيم. وأدت الغارة إلى مقتل حوالى أربعين من عناصر التنظيم، يحملون جنسيات سعودية ومصرية ومن دول آسيوية أخرى. وبحسب مصادر مطّلعة في وزارة الدفاع اليمنية، فإن من بين القتلى قياديين كباراً في التنظيم. وهو ما يعني أن هناك اختراقاً استخبارياً كبيراً قد حصل في صفوف التنظيم، وعلى وجه الخصوص من قبل عناصر سعودية استطاعت الدخول في بنية تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، الأمر الذي أدى إلى تسهيل توجيه ضربات نوعية لهذا التنظيم، كما حصل في الفترات الأخيرة، وكذلك إحباط عمليات إرهابية كان آخرها في الشهر قبل الماضي، بعدما كان التنظيم يعدّ لعملية في الأراضي الأميركية وجرى كشفها عن طريق عنصر سعودي نجح في اختراق التنظيم.
وعلى الرغم من هذه الغارة، إلاّ أن الإنكار الرسمي اليمني لمشاركة أي قوات أجنبية في العمليات التي تجري حالياً في جنوب اليمن كان طاغياً. وأكد رئيس أركان الجيش، علي الأشول، في تصريحات صحافية، أن لا قوات أجنبية مشاركة في المعارك التي يخوضها الجيش ضد أفراد تنظيم القاعدة، مشدداً على أنه لا يوجد أي عسكري أجنبي على الأراضي اليمنية «باستثناء عدد من الخبراء في مجال التدريب والتأهيل وعددهم لا يتجاوز عشرين خبيراً». لكنه في الوقت نفسه لم يقل شيئاً عن عمليات القصف التي تجري عبر طائرات بدون طيار كان آخرها صباح أمس، أو عن عمليات القصف التي تجري من البارجة الأميركية الموجودة في خليج عدن، ويجري منها توفير غطاء جوي للتحركات البرية لعناصر الجيش اليمني.




صالح يدافع عن نفسه


فيما تحوم شبهات كثيرة حول مدى تورّط الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وأقاربه في المؤسسة العسكرية في تسهيل انتشار عناصر تنظيم القاعد وأنصار الشريعة في المناطق الجنوبية، اتهم مصدر في حزب المؤتمر الشعبي العام، أمس، رجل الدين المتشدد عبد المجيد الزنداني (الصورة) بأنه من صنع القاعدة في اليمن، وأنها خرجت من جلبابه كواحد من قيادات الإخوان المسلمين على مستوى العالم الإسلامي. وقال بيان صادر عن مكتب رئيس حزب المؤتمر، الرئيس السابق علي عبد الله صالح، في ردّه على اتهامات للزنداني بأن صالح من أسّس القاعدة في اليمن: «إن التخرصات التي أطلقها الزنداني عادة ما تلتصق بالكذب الذي اعتاد ترديده في كل مناسبة». وأضاف «علاقة الزنداني بالإرهاب معروفة والقاعدة خرجت من جلباب الإخوان المسلمين». وأشار البيان إلى أن صالح «كان رئيساً للجمهورية ولم يكن عميلاً لأي جهاز استخباري في أي دولة، كما أنه لم يسمح لأي أقدام أجنبية بأن تطأ أرض اليمن أو طائرات أن تخترق سماءها». ولفت إلى أن صالح «كان لا يقبل أن يتحالف مع الإرهابيين الذين انحدروا من جلباب الإخوان المسلمين في هيئة «القاعدة» أو أنصار الشريعة، وكلاهما وجهان لعملة واحدة».
(يو بي آي)