الجزائر | كثّفت الهيئات الدولية، في الآونة الاخيرة، الضغوط على السلطات الجزائرية لفكّ القيود التي تضعها على العمل النقابي. وأبرقت هذه الهيئات أربع رسائل إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، خلال عام واحد، حمّلته مسؤولية استمرار التضييق على النقابات والنقابيين بأشكال مختلفة. وفضحت، انطلاقاً من تقارير وشكاوى قدمتها نقابات جزائرية مستقلة، الاساليب التي تستخدمها الادارة من ترهيب وترغيب وشق الصفوف. واعتبرت التقارير الدولية حملات التشويه، التي يتعرض لها العمل النقابي المستقل، غير اخلاقية ومبنية على والأكاذيب وتلفيق الاتهامات.
وأدانت المنظمات اعتقال النقابيين بسبب نشاطهم. وطالبت بـ«وقف مضايقة وتخويف النقابيين العاملين في الأنشطة النقابية المشروعة». وأكدت أن «قوات الأمن الجزائرية تقمع النقابات العمالية وتمنع الحقوق المدنية بما في ذلك الحق في التجمع للمواطنين الذين يطالبون بحقوقهم الديموقراطية». ودعت الى فسح المجال أمام حرية العمل النقابي والتوقف عن الاكراه. وقد تعرضت الحركات الاحتجاجية السلمية، في السنوات الاخيرة، الى الاضطهاد من قبل قوى الامن. وفي كثير من الاحيان، جرى قمع الاضرابات في مقار العمل، في المصانع والمستشفيات والجامعات. وتعززت صفوف النقابات المستقلة، التي أصبحت اليوم العمود الفقري للنشاط المطلبي في جميع القطاعات، وتوارى دور «الاتحاد العام للعمال الجزائريين»، الذي كان الاتحاد الوحيد الذي يجمع كل العمال من جميع القطاعات، لكن التزاماته السياسية المرتبطة بالسلطة منعته من التأقلم مع الوضع الجديد، فظلّ على قواعد المهادنة والتعامل بما يرضي السلطة. وتأسس الاتحاد خلال حرب الاستقلال، وكانت مهامه المطلبية تخدم بالاساس القضية الوطنية، وبعد الاستقلال، اصبحت مهامه في خدمة السياسة المنتهجة من السلطة الرسمية. قبل عشرين عاماً، بدأت اولى المجموعات النقابية العمالية المستقلة تظهر في المصانع، مخترقة الحظر القانوني والسياسي. ورغم أنّ التعددية السياسية مصونة بالدستور، الا أنّ العمل النقابي ظل بعيداً عن مطالب العمال، وفي غياب قانون يسمح بتكوين النقابات بحسب رغبة العمال والموظفين، كان قيام اي حركة مطلبية خارج اطار «النقابة الرسمية»، التي تخضع بالكامل لحزبي جبهة التحرير والتجمع الديموقراطي، خرقاً للقانون يوجب العقاب. ومن الناحية السياسية، صبّت مواقف بعض القوى السياسية، أبرزها حزب العمال (تروتسكي) في طاحونة الادارة، انطلاقاً من نظريات موروثة عن بدايات نشاط اليسار الاوروبي حين كان الاعتقاد بأن «وحدة تنظيم الطبقة العاملة أولوية، والنضال في نقابة رجعية، اقل ضرراً من تمزق الطبقة العاملة». ويلوم أصحاب هذه النظرية مئات الآلاف من العمال لكونهم تجرأوا على بناء منظمات نقابية خارج النقابة التقليدية، التي تتشكل قيادتها من قياديين في الحزبين الرئيسيين في السلطة.
ولقد تجاوز العمال والموظفون قوانين منع تشكيل النقابات المستقلة، وصارت تنظيماتهم واقعاً ملموساً فرض نفسه معطى جديداً في ساحة النضال الاجتماعي. وخاضت هذه النقابات، على غرار نقابات قطاع الصحة ومجالس اساتذة التعليم الثانوي والجامعي، نضالات مؤثرة في السنوات الخمس الاخيرة. كما حققت مكاسب كبيرة للعمال، سواء على صعيد تحسين الاجور وظروف العمل أو في قوننة الحقوق وتحويلها الى مكاسب ثابتة. وتكافح النقابات المستقلة، في السنتين الاخيرتين، لتكون شريكاً فعلياً في تسيير أموال الخدمات الاجتماعية المسيطر عليها من «الاتحاد الرسمي». هذه الميزانية الضخمة تسيّرها قوانين وأطر مهترئة تحتاج الى صيغة بديلة تستجيب للواقع الاقتصادي ـ الاجتماعي الجديد.