القاهرة | «يا عم آدم عيالك متبعترين في المتاهة... دوسنا بقدمنا خيالك... وحياتنا ضلت خطاها... مدينا في الكون خطانا... زيدنا في غلطنا وخاطانا». يبدو أن وصف الشاعر سيد حجاب للمصريين بأنهم متبعترين في المتاهة، والذي أفصح عنه 1986 ما زال يسري على المصريين حتى الآن بعد مرور 26 عاماً. فرغم قيام المصريين بثورة تحدث عنها العالم، إلا أنهم، بعد أكثر من عام ونصف، لا يزالون عاجزين عن انتزاع ثمارها. فلم تمكنهم ثورتهم إلا من برلمان أغلبيته إسلامية، لا تعرف إلا سياسة المخلوع في الاستحواذ على كافة السلطات.
فلم تكتف بالبرلمان، بل لا تريد التنازل عن رئاسة البلاد وكتابة دستورها أيضاً. ويأتي هذا فيما يصر المجلس العسكري، الحاكم للبلاد، على إطالة الفترة الانتقالية، ولا سيما بعد تراجع علاقاته مع تيار الإسلام السياسي، الذي تتزعمه جماعة الإخوان المسلمين، وفشل الصفقة المبرمة بينهما بأن يكون للإخوان البرلمان والحكومة، على أن تكون للمجلس العسكري رئاسة البلاد، من طريق رئيس ينتمي إلى المؤسسة العسكرية يضمن لجنرالات المجلس العسكري المتورطين في كثير من قضايا الفساد والاستيلاء على المال العام المصري المسكوت عنها الخروج الآمن.
وتأكيداً لإصرار الإخوان على كتابة الدستور الجديد للمصريين واعتماد نظام الحكم البرلماني، ما إن دعا رئيس المجلس العسكري، المشير حسين طنطاوي، مجلسي الشعب والشورى، إلى الانعقاد لاختيار أعضاء لجنة كتابة الدستور، حتى أسرع الإخوان إلى استغلال غالبيتهم البرلمانية لإمرار قانون يكفل لهم الغالبية أيضاً داخل الجمعية التأسيسية. ولم يعيروا اهتماماً لكافة القوى السياسية، ولا للتوافق الذي وعدوا به الجميع، بل تعمدوا اختيار ما يزيد على 18 نائباً برلمانياً داخل الجمعية التأسيسية، رغم وجود حكم قضائي يؤكد ضرورة اختيار جميع أعضاء لجنة كتابة الدستور من خارج البرلمان، وهو ما ينذر بصدور حكم قضائي آخر، يعرقل سير اللجنة من جديد، ما من شأنه تأجيل كتابة دستور مصر من جديد.
ويرى نائب رئيس مجلس الدولة، المستشار حسام أبو طاقية، أن الأمر لا يتعلق فقط بتشكيل أعضاء الجمعية التأسيسية، وإنما باللغط والعبث الدستوري الذي تعيشه مصر ويساعد عليه أعضاء البرلمان. وأوضح أن أعضاء البرلمان، لعلمهم بأنّ القانون يمنع أن يكونوا ضمن أعضاء الجمعية التأسيسية والمشاركة في كتابة الدستور الجديد، تعمدوا إصدار قانون، لا قرار يكفل وجودهم داخل لجنة الدستور. ولفت إلى أن المعايير التي ناقشها مجلس الشعب، أمس، تأتي ضمن قانون يحتاج الطعن فيه اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا، التي يعلم الجميع بطء التقاضي أمامها. وشدد على «وجوب توقف أعضاء مجلس الشعب عن إصدار القوانين والتحكم في مصير الدستور حتى تقول الدستورية العليا كلمتها في شرعيتهم». لكن الغالبية الإخوانية البرلمانية، سدت أذنيها عن كل ما يعطلها عن هدفها، وتعمدت تكرار السيناريو نفسه. ففي الاجتماع المشترك لأعضاء مجلسي الشعب والشورى المنتخبين، الذي عقد أمس، لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية، ظهرت مجدداً ورقة دوارة تضم 150 اسماً تقترحها الجماعة. وتكرر المشهد نفسه لانسحاب الأحزاب المدنية من الاجتماع ومن الجمعية التأسيسية نفسها، حيث انسحب 58 نائباً ممثلين عن 12 حزباً، إضافةً إلى انسحاب ممثل المحكمة الدستورية العليا المستشار ماهر سامي من الجمعية اعتراضاً على إجراءات انتخاب أعضائها، وهو ما برره أحد المنسحبين، النائب المستقل عمرو حمزاوي لـ«الأخبار»، بالقول إن التشكيل الجديد للجمعية التأسيسية سيؤدي إلى تهميش العديد من أطياف الشعب المصري. إلا أن المتوافقين على تشكيل الجمعية، وفق مبادئ تضمن الأغلبية الإخوانية داخل اللجنة، عقدوا مؤتمراً صحافياً للرد على المنسحبين، وأكد خلاله رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة، حسين إبراهيم، أن «انسحاب بعض الأحزاب من الاجتماع لن يؤثر على شرعية الجمعية التأسيسية التي ينتخبها نواب الشعب؛ لأنه سيكون فيها مشاركون من كل أطياف الشعب المصري».
ولم تكتف الجماعة باختيار أعضاء التأسيسية فقط، بل اختارت رئيسها أيضاً، فأعلن النائب الإخواني، محمد البلتاجي، أن حزب الحرية والعدالة توافق على ترشيح المستشار حسام الغرياني لرئاسة الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، لكن ذلك ليس ملزماً للجمعية التي لها الحق الكامل في اختيار رئيسها.