صنعاء | كلما بدأت الأحوال السياسية في اليمن تسير خطوة باتجاه صفائها، تعود لتدخل في حالة ضبابية تمنع الرؤية وتعوق حركة السير نحو تسوية العملية السياسية. لهذا، تبدو البلاد كأنها تمر باستمرار باختبار له أن يثبت مدى التقدم الذي حدث في العملية السياسية منذ مغادرة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ليستقر في مكان بعيد عن الواجهة التي احتلها طوال ثلاثة وثلاثين عاماً.
لكنه مع ذلك، يبدو أنه لا يزال ممسكاً بأدوات اللعبة، ولو من تحت طاولة يجلس فوقها عدد من رجال حزب المؤتمر الشعبي العام، الطرف الرئيسي في الحكم. ولا يزال عدد من الذين يحتفظون بالولاء المطلق لصالح مستمرين في مناصبهم، وعلى وجه الخصوص في المؤسسات الأمنية، وعلى رأسهم نجله، الوريث السابق، أحمد علي، إضافةً إلى أعضاء المؤتمر الذين يمثّلون نصف تشكيل كيان حكومة الوفاق الوطني.
وعن طريق هؤلاء، يمارس صالح لعبته في تعطيل سير الحياة السياسية، وهو ما دفع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، جمال بن عمر، لإظهار أسفه الشديد لعرقلة وزراء المؤتمر لعمل الحكومة ووقوفهم أخيراً، أمام صدور قانون العدالة الانتقالية، الذي من شأنه أن يعبر بالبلد بسرعة نحو المصالحة الوطنية.
وقال بن عمر، في تصريحات صحافية عقب مغادرته اليمن، إن الرئيس السابق «هو السبب الرئيسي في تفاقم الوضع الأمني في اليمن». وأكد أن العوائق لا تزال كبيرة أمام تقدم العملية السياسية في البلاد، ومنها عدم احترام قرارات الرئيس عبد ربه منصور هادي. كذلك أشار بلهجة حادّة إلى أنه «لا ضمانات مطلقة لمرتكبي الجرائم التي حصلت في اليمن»، وهي لهجة تعكس مدى الانزعاج الذي خرج به بن عمر، من لقاء جمعه بالمخلوع صالح. وبحسب مصادر مطلعة، فإن الرئيس السابق، خاطب بن عمر بلهجة متعالية، وكأنه لا يزال حاكماً لليمن. الأمر الذي دفع بن عمر، لاتخاذ قرار بالعودة مباشرةً إلى نيويورك لرفع تقريره عن سير العملية السياسية في اليمن إلى مجلس الأمن، الذي من المقرر أن يعقد جلسة خاصة بهذا الخصوص مساء الغد.
وبحسب مصدر يمني مطّلع، سيصوّت المجلس خلال الجلسة على مشروع قرار ينص على فرض إجراءات صارمة في حق الأطراف السياسية المحلية التي تعرقل تنفيذ قرارات هادي، وعلى وجه الخصوص تلك المرتبطة بمسألة إعادة هيكلة الجيش، وهي العقبة التي تقف أمام تسهيل إجراء الحوار الوطني. وقال المصدر المطلع، لموقع «المصدر أون لاين»، إن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن متفقة على الخطوط العريضة لمشروع القرار في نسخته الأولية «ما لم تطرأ عليها تعديلات في اللحظات الأخيرة قبل التصويت عليه».
ويستند مشروع القرار إلى المادة الـ41 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، التي تنص على أن لمجلس الأمن «أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير، التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية...». ومن المتوقع أن يؤدي الاستناد إلى هذه المادة في الحالة اليمنية إلى إصدار أمر تجميد الأموال والممتلكات الخاصة بأي شخص يعرقل عملية الانتقال السياسي، ولا سيما أنه جاء في النسخة الأولية من القرار أيضاً ضرورة محاسبة جميع المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن وتقديمهم للمساءلة، بالإضافة إلى ضرورة إجراء تحقيق شامل ومستقل ونزيه، بما يتفق مع المعايير الدولية في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن ورفض مسألة الإفلات من العقاب.
لكن صدور مثل هذا القرار لن يعني بالضرورة تسهيل حل الأزمة اليمنية، بل على العكس قد يفضي إلى العودة إلى المربع الأول، وإلغاء قانون الحصانة من الملاحقات القضائية الذي كان الرئيس المخلوع قد تحصل عليه مقابل توقيعه قرار ترك السلطة، وهو ما دفع البعض إلى التشكيك في إمكانية صدور القرار. الباحث عبد الله الحكيمي، يرى أن الإدارة الأميركية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسمح بإمرار مثل هذا القرار وإن سمحت بالتلويح به. وأوضح الحكيمي، في حديث مع «الأخبار»، أنه «لا يمكن هذه الإدارة أن تسمح بعودة الأوضاع في اليمن إلى المربع الأول والنقطة الصفر، بما فيه من احتمال اندلاع حرب أهلية حقيقية». وأشار إلى أن صالح لن يقف متفرجاً أمام صدور مثل هذه القرارات التي ستقدمه في مظهر الرجل الذي أضاع كل شيء، ولم يعد أمامه سوى الصمود لآخر لحظة مستخدماً كل أدواته. وأكد الحكيمي أن الإدارة الأميركية ستبذل أقصى جهدها لعدم وصول الأمر إلى هذه النقطة، «وهو ما سيعرضها لحرج كبير، وخصوصاً مع التقارير السياسية التي بدأت في الظهور وتشير إلى فشل تلك الإدارة في التعامل مع توابع وآثار الربيع العربي ومنها حالة الربيع اليمني».