تونس | إعلان رئيس الحكومة التونسية المؤقتة يوم الجمعة الماضي أنه سيجري تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي لبلاده، رغم اعتراض الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي، كشف عن خلاف عميق وليّ أذرع بين الحكومة ورئاسة الجمهورية. التصريح الذي نقلته وكالة الأنباء الفرنسية عن الجبالي جاء بعد ساعات من بث التلفزيون التونسي الخاص «هنيبعل» لحوار مع الرئيس المرزوقي، أعلن فيه أنه لا يمكن أن يوقّع على تسليم شخص قد يكون عرضة للتعذيب والقتل في محاكمة غير عادلة. المرزوقي كان يتحدث باعتبار الصلاحيات التي يخولها له دستور 1959، ما يشترط تصديق رئيس الجمهورية على قرارات سيادية كهذه. لكن رئيس الوزراء حمادي الجبالي، رأى في تصريح الرئيس أن دستور 1959 حُلَّ وعُلِّق العمل به، وبالتالي فقرار التسليم لا يخضع لموافقة الرئيس، بل لقرار القضاء الصادر في حكمين مستقلين في شهر تشرين الثاني 2011.وبدا أن المعركة بين الرئاستين لم تكن مفاجئة للشارع التونسي، فرغم الدفاع المستميت للرئيس عن حكومة الجبالي ضد المعارضة وضد الشارع المُحبَط من الأداء الحكومي، فإن النقد العلني الحاد الذي وجهه قبل أيام مستشارا الرئيس، شوقي عبيد وعدنان منصر لأداء الحكومة، كان واضحاًَ أنه يكشف عن صراع حقيقي بين الرئاستين، فلم يكن بإمكان أي منهما أن يكتب ما كتبه من تهجم على الحكومة باعتبارها المسؤولة الأولى عن الاحتقان الاجتماعي والأزمة الاقتصادية وتعطل الجهاز القضائي من دون ضوء أخضر من المرزوقي.
غير أن الأخير تبرأ من تصريحاتهما بعد الاستهجان الذي لقيه المقالان ليس من أنصار حركة النهضة والحكومة فقط، بل من المعارضة، باعتبارهما دليلاً على انعدام الحرفية في الأداء السياسي، ما اضطر عبيد إلى الاستقالة بعدما دعا إلى استقالة الحكومة.
هذا الخلاف بين الرئاستين يعود إلى مجموعة من الأسباب والمعطيات، بينها التعيينات في السلك الدبلوماسي؛ فقد منح القانون المؤقت للسلطة العمومية مسؤولية إدارة العلاقات الخارجية وتمثيل الدولة والقوات المسلحة إلى رئيس الدولة، وبالتالي فإن التعيينات المنتظرة خلال أول الصيف في البعثات الدبلوماسية تحتاج إلى موافقة المرزوقي الذي سيسعى إلى تعيين شخصيات من خارج حركة النهضة، في الوقت الذي تسعى فيه الأخيرة إلى تعيين أنصارها، سواء من إطارات وزارة الخارجية أو من خارجها لإرضاء قواعدها الغاضبة ممن لم تشملهم التعيينات الحكومية، وهو ما يعترض عليه الدبلوماسيون ولا يحبذه المرزوقي، لأن المصالح الدبلوماسية في هذه الحالة ستكون خاضعة للنهضة كما كانت خاضعة للحزب المُنحل. وفي هذا حرج كبير للمرزوقي الذي كان من أكثر المعارضين الذين انتقدوا سيطرة الحزب على الدولة، فيما يلاحظ التونسيون اليوم أن الدولة بدأت تعود تدريجاً بتعويض التجمع بالنهضة فقط، وهو ما يتعارض مع أحد المطالب الأساسية للثورة. هذا الملف من جملة ملفات أخرى يسعى المرزوقي إلى ألا «يتورط» فيها حتى يدافع عن نقاوته الثورية التي كانت مصدر احترام التونسيين له.
أما المحور الثاني للخلاف بين النهضة والمرزوقي فيتعلق بالنظام السياسي، إذ إن المرزوقي وحزبه «المؤتمر من أجل الجمهورية» وحزب «التكتل للعمل والحريات» ومجموعة المعارضة يقفون معاً من أجل نظام رئاسي مزدوج يتقاسم فيه الرئيس السلطة مع الحكومة والبرلمان، فيما تطالب النهضة بنظام برلماني، وهو تقريباً النظام المعتمد الآن، الذي جرّد الرئيس من كل صلاحياته الفعلية ومنحها لرئيس الحكومة الأمين العام لحركة النهضة.