لا للأطباق الإسرائيلية
سمعت أخباراً وبُكاءً، خرجتُ مُسرعةً من غرفتي، لأجد أُمي تبكي، والتلفاز يبث تغطية مُباشرة لخيمة الاعتصام لأجل الأسرى. خطر لي أن أسألها: لماذا تبكين؟ ولكنني استدركت غباء سؤال كهذا، فربَّتّ كتفها، وأخبرتها: كنتُ أمس هناك معهم مُعتصمة، مثلك شعرت بوجع حدّ البكاء، ولكن البكاء لن يُعيدهم يا أمي، علينا أن ندعو لهم، وهذا أضعف الإيمان!
أهذه أنا؟ كيف كان بإمكاني التماسك إلى هذا الحد وألم شديد يقرص معدتي؟ لم أشأ أن أُخبرها أنني كذبت عليها وأنني لم آكل شيئاً منذ أمس. كانت امرأة عجوز تجلس إلى جانبي في الاعتصام مُمسكةً بيدها صحناً من الملح وكوب ماء. هل لك أن تتخيّل أين ذهب جُوعي في هذه اللحظة؟
كانت تجاعيد وجهها تسدّ الجوع بالوجع: وجع حادّ. أريدُ أن أصرخ وأقول لكل من أراه عنه: لو كان بيدي لعقدتُ جلسات تفريغية عمّا أشعر به! كيف خذلناهم إلى هذا الحدّ؟ من الذي أشعل الأطباق الإسرائيلية مُستبدلين بها نار الثورة؟ هل الكرامة تُساوي الموت؟ لماذا؟ لماذا لا تتساوى مع الحرية والحياة؟
الألم ينتشر في جسدي. هل أُخبر أُمي؟ لا لا... لن أُخبرها.
خذلانٌ في أطرافي الآن، لا أستطيع تحريك يديَّ، اختناقٌ، وذاكرتي مثلي جوعى ومريضة. تتذكر كل أولئك البائسين الذين مرُّوا بها، تتذكر أطفال الشوارع، ورجالاً كانوا يقفون على قارعة الطريق يمسحون زجاج السيارات مقابل رغيف الخبز.
أتذكر المرضى، المُسنين، الفقراء، وآخر ساعة صيام في شهر رمضان!
في الليل، صحوتُ ودموع قد صنعت خطوطاً على وجهي، إنها معدتي مرة أُخرى، كل ما يخطر في بالي: لو كنتُ معهم كنتُ سأشعر بشيء آخر أجمل، غير هذا الألم، ربما قهر السجَّان! مقاومته! قهر كل المسؤولين على كل المستويات.
أمَّا أنا فمن أقهر سوى نفسي؟ شاركتُ في صور عن مدة أسر كل أسير ومدة إضرابه، شاركتُ في الاعتصام، بكيت مع بكاء أمهاتهم وآبائهم، أضربتُ عن
الطعام!
أسير واحد لم يتحرر. إنّ ما نفعله لا يُساوي شيئاً أمام الكرامة!
أماني شنينو _ غزة

نحن الأسرى وليسوا هم!

رُبِطَ لساني، وقلبي يعتصر ألماً لكلّ ما أخبرتني به الآن! الصبر يا حبيبتي! الصبر والدعاء. فالله مع
الصابرين.
الضيق في قلبي يتزايد عندما أفكّر في ما سيشعر به الأسرى بعد تحريرهم من ألمٍ أكبر بكثير من الذي وصفته لي، عندما يرون تخاذل الأصدقاء قبل الغرباء عن نصرتهم، عندما يجدون أناساً وحكّاماً مستعدّين للتفاوض على كرامتهم، فقط لحماية مصالحهم... هؤلاء عبدة الكراسي والجبناء!
سمعتُ أحدهم مرّةً يقول لي: «إيه! عادي هالخبر ما هو المهم؟ يعني دايماً بيصير». في هذه اللحظة، غلت الدماء في عروقي، أردتُ أن أضع يديّ حول عنقه... ولكن تمالكتُ نفسي، مواسيةً ذاتي، وبشفقةٍ، أن هناك الكثير من هؤلاء التافهين السطحيّين. أشفق عليهم لعدم استطاعتهم أن يشعروا بما نشعر به من عزّةٍ وكرامةٍ وكبرياء أحرارٍ وفخرٍ، وألمٍ لذيذٍ ملوّنٍ بأملٍ كبيرٍ بالنصر، ولا ننسى الإيمان الشديد والصبر الذي يميّزنا.
منذ أسبوع، وقع بين يديّ خبر، أثلج صدري ولو قليلاً: «مسؤولٌ كبيرٌ في تونس يُضرب عن الطعام تضامناً مع الأسرى الفلسطينيّين في سجون الصهاينة». ترقرقت دموع في عينيّ وأنا أقرأ: هذا نصرٌ لنا بطريقةٍ ما، فهو، سيسمعونه. وهناك من سيقتدي به، وإضرابه هذا سيوصل القضيّة إلى كلّ الناس. ومع هذا أشعر بغصّة من حنظلٍ، فأنا لا أستطيع شيئاً سوى الدعاء والتذكير بالقضيّة... .
أعلنوا البارحة أنّ الصهاينة تكرّموا على «بعض» الأسرى بأن قرّروا إخراجهم من العزل الانفرادي، فنشرتُ الخبر كما هو على فايسبوك، ولكن استوقفني أحدهم، وهو من المناصرين الأوائل للأسرى ومن الحكماء: «محّيت الخبر اللي نزّلتي عندي... ما عجبني... بعدين أنا ما بحب اسم (إسرائيل) ينحط على صفحتي.. حطّي لي بس نشاطات الأسرى». ولا أنا أحبُ ذكر هذا الاسم عندي، لهذا أضعه دائماً بين قوسين. ثم «صفنتُ»، ورأيتُ أنّ الحقّ معه... فأحياناً علينا أن ننتبه من
الأمل.
تانيا نابلسي _ مخيم البدّاوي