أن تعيش في مخيم للاجئين يعني أنك تعيش في المؤقت. فهنا لن يبقى هنا، ونحن لن نبقى هنا، سنذهب الى هناك الى حيث القلب يرنو دائماً. وهناك سنكون يوماً، في أرضنا التي خرجنا منها زرافات ووحدانا. سنعود الى هناك وسنترك هنا هنا، شاكرين للبنانيين ضيافتهم. سنذهب الى جنوب الجنوب، مشياً لو اضطررنا. سنعود الى قرانا التي احتلها الصهاينة، سنختار بيوتهم التي بنوها على أرضنا لنعيش فيها. يوم العودة، الذي أتمنى أن أبقى حياً حتى رؤيته، سيكون عرساً جماعياً. سترقص الأرض فرحاً بنا. والله شاهد على ما أقول: إذ عشنا تلك التجربة مسبقاً في أيار من العام الماضي، وسقط لنا 6 شهداء. حينها لم نكن لنعود الى فلسطين، كان هدفنا فقط تكحيل أعيننا برؤية ترابها.
حالياً، نعيش في مخيمات اللجوء، تقبلنا واقعنا المزري فيها. وتأقلمنا مع تلك البيوت التي تطورت مع مرور الوقت من خيمة، الى خيمة حولها حجارة لتحمينا من هبوب الرياح، ثم الى خيمة مع سقف زينكو، وصولاً الى بيوت بطبقات عدة. كل هذا مؤقت لن يبقى، وعندما يأتي ذلك اليوم الموعود سنترك كل شيء خلفنا، حتى ما خف وزنه وغلا ثمنه، لأننا سنكون مصابين بحالة جنون جماعي. ستجدنا نعانق بعضنا بعضاً، حتى الذين كنا نكرههم سنعانقهم، وسنطبع قبلات على جباههم. فمجرد التفكير في الأمر، وتخيله للحظات يجعل القلب ينقبض، ويرسم ابتسامة لاإرادية على وجهك.
مع رحيلنا من لبنان وعودتنا الى فلسطين سنريح الكثير من اللبنانيين، وهذه حقيقة يجب أن تقال. ربما مع رحيلنا سيضيع أغلب السياسيين اللبنانيين، لن يعرفوا كيف سيتعاطون مع بعضهم بعضاً، أو كيف سيتهمون بعضهم بعضاً. إذ إننا غصباً عن إرادتنا حوّلَنا الساسة اللبنانيون الى ملف يحاول الجميع الإمساك به. فبعد رحيلنا لن يستطيع أحد أن يقول انه لا يحق للمرأة اللبنانية اعطاء اطفالها جنسيتها خوفاً من التوطين. اذ انه لن نكون هنا للتحجج بالتوطين ورحيلنا سيعريهم، وسيظهر حقيقتهم بأنهم عنصريون تجاه النسوة اللبنانيات.
قد نعود الى لبنان، لكننا سنكون سياحاً عندها. سنعود ممسكين بأيدي أولادنا لنريهم أين كنا نعيش. سنسير معهم في ازقة المخيمات، ان بقيت بعد رحيلنا، لنقول لهم هنا كبرنا وتربينا. سنشير بأصابعنا الى الجدران لنريهم صور شهدائنا، وكيف كنا نرسم مسجد الصخرة ونكتب تحته كم يبعد من هنا.
كذلك يمكن ايضاً بعد عودتنا ان يأتي ابناء الجنوب ليعملوا في فلسطين، كما كانت الحال بيننا دائماً. يومذاك لن تكون بيروت قبلتهم، فنحن اقرب اليهم من العاصمة. فشوارع عكا وحيفا تعرف اقدام الجنوبيين، اسألوا كبار السن من ابناء الجنوب، فهم يعرفون ذلك جيداً وما زالوا يتذكرون تلك الايام. حينها سنعلن دولتنا من البحر الى النهر. دولة لجميع ابنائها تتساوى فيها المرأة مع الرجل، وسيكون العرب برغم من تآمرهم علينا ضيوفاً اعزاء ولن نطبق معهم مبدأ المعاملة بالمثل، ما يعني ان بإمكان اللبنانيين ان يأتوا للعمل في فلسطين بدون كفيل. كما يمكنهم ان يشتروا ويتملكوا ويورثوا ممتلكاتهم. ففي النهاية لن يحملوا البيوت وينقلوها من فلسطين الى لبنان. كما اننا لا نخاف من ان تتغير خريطتنا الديموغرافية. ونحن لا نأبه ان زاد عدد السنّة، او الشيعة، او المسلمين، او المسيحيين في فلسطين. فنحن ارض الديانات ومسرى الانبياء، ويوم المحشر سيكون في ارضنا. ففلسطين اكبر واجمل منا جميعاً.