إن كان هناك من إجماع حول سوريا لدى معظم الصحافيين الغربيين اليوم، فهو على حتمية الحرب الأهلية، التي بدأ يغرق فيها البلد، وخطورة تفاقمها في المستقبل القريب. بالنسبة إلى المحللين الأميركيين والبريطانيين، فإن إشارات الأزمة الطائفية في سوريا باتت تترجم على الأرض، وبوادر انفلات الوضع الأمني في معظم المناطق الى توسّع، وسيناريوهات تحويل سوريا الى لبنان ١٩٧٥ أو العراق ٢٠٠٧ أصبحت أقرب الى الواقع.

لكن، ورغم لعلعة الإنذارات من الحرب الأهلية والتحذيرات من خطرها على سوريا والبلدان المجاورة، ووصف الوضع الحالي بـ«المأسوي» ونتائجه بـ«الكارثية»، لا يتوانى معظم الصحافيين عن اقتراح «حلول» للأزمة السورية، ليس من شأنها سوى تأجيج المعارك الداخلية. فمؤيدو خيار «عدم التدخل العسكري في سوريا»، وهم كُثر، يقترحون كـ«بديل» من ذلك تسليح المعارضة السورية بكل أطيافها وتوسيع رقعة العمليات التخريبية والقتالية وإقامة مناطق حدودية عازلة للتدريب العسكري ... الأمر الذي سيؤدي عملياً الى زيادة مساحة الاشتباكات وتصعيد حدّة الصراع بين مجموعات لا تزال محيّدة حتى الآن، وعندها غرق البلاد في حرب داخلية دامية وطويلة الأمد. جزء آخر من هؤلاء، لا يرون ضرراً في حث تركيا والدول العربية ـــ الخليجية تحديداً ـــ على قيادة الجبهات والاستعانة بالدول الغربية الكبرى عند الحاجة، كل ذلك تحت عنوان «عدم تدخل الولايات المتحدة الأميركية ولا أوروبا ولا الأطلسي عسكرياً في سوريا».
لكن بعض الأقلام الأخرى نبّهت من زيادة تسليح الأزمة السورية، مشيرة الى مساهمة ذلك بسفك مزيد من الدماء من دون التوصل الى حلّ جذري في البلاد. هؤلاء دعوا الى حلّ سياسي سريع يقضي بإسقاط نظام بشار الأسد مع الحفاظ على مصالح روسيا وضمان حماية أمن السوريين «قدر الإمكان».
بداية، مع عيّنات من الداعين الى «عدم التدخل العسكري في سوريا»، الذين لا يريدون أن يتحملوا أعباء حرب أخرى في منطقة صعبة وحساسة، لذا يعهدون بالمهمة الى السوريين أنفسهم. أندرو تابلر، في مجلة «فورين بوليسي»، يستعرض مثلاً عدداً من الطرق بغية «قطع كل السبل عن الأسد». تابلر يقترح أولاً «تقديم المزيد من الدعم لجميع القوى المعارضة السورية، بما في ذلك تزويدهم بمعلومات استخبارية هامة حول تشكيلات النظام الأمنية والعسكرية، وتوطيد أواصر الثقة بين تلك المجموعات والولايات المتحدة، ما يمكن أن يقود إلى تقديم الدعم التسليحي لها مع استمرار الصراع». الاقتراح الثاني هو «توسيع نطاق الثورة السورية لتصل إلى شرق سوريا، حيث يسيطر الأكراد والقبائل العربية وحيث توجد مناطق إنتاج النفط والغاز السوري. فيمكن لبعض العمليات التخريبية على خطوط الأنابيب وبعض المرافق الأخرى أن تحدّ بشدة من قدرة النظام على المناورة». ثالثاً، يدعو الصحافي واشنطن الى «مساعدة كل من تركيا ولبنان والأردن على إنشاء مناطق آمنة حقيقية يمكن أن تكون بمثابة مناطق تجهيزية لاستخدامها لتدريب وتجهيز المعارضة السورية، بكل ما تحتاج إليه، بما في ذلك الجانب العسكري». رابعاً، «المساعدة على إقامة مناطق عازلة داخل سوريا، وينطوي إنشاء تلك المناطق على التزام عسكري طويل الأمد من جانب تركيا وحلفائها، والتي لن يتسنى لها الاستمرار والاستدامة إلا بمساعدة الولايات المتحدة». وأخيراً حظر وصول الأسلحة عبر السواحل السورية على غرار الدوريات الدولية التي تعترض شحنات الأسلحة المتجهة إلى لبنان لمصلحة «حزب الله».
الصحافي ماكس بوت كتب أيضاً، في «ذي لوس أنجلس تايمز»، عن ضرورة تبنّي واشنطن للنقاط التي أشار اليها تابلر (أعلاه) «بما أن العقوبات الاقتصادية، وما يسمى الطريقة البطيئة، فشلت في إسقاط نظام الأسد بهدوء وسلاسة». بوت يقول إن «أي عملية لإسقاط النظام ستكون محفوفة بالمخاطر صحيح، لكن لا أحد يدعو الى إرسال الجنود الأميركيين الى سوريا أو الى شنّ هجمات جوية عليها»، لذلك تبدو اقتراحات تابلر «هي المناسبة» بالنسبة إليه. الصحافي يختم بالإشارة الى أنه ليس من الضروري انتظار إجماع دولي على قرار التدخل الأميركي في سوريا، وهنا يذكّر بتدخل الرئيس السابق بيل كلينتون في كوسوفو، «وخصوصاً اذا حصلنا على دعم الحلف الأطلسي».
جوشوا لانديس في «فورين بوليسي» صرخ «لا تتدخلوا في سوريا»، لكنه شجّع الولايات المتحدة على الإبقاء على دعمها المسلح للمعارضة السورية. «لنكن واضحين: الولايات المتحدة تعمل على تغيير النظام السوري بواسطة الحرب الأهلية»، يبدأ لانديس مقاله. ويتابع معدداً الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي لا تسمح للولايات المتحدة بالدخول في حرب مع سوريا ولا تسمح لها أيضاً بالبدء فيها، ثم الانسحاب وترك «دولة ساقطة» أخرى في المنطقة. «حتى إن الولايات المتحدة لن تستطيع تحمل أعباء إعادة إعمار البلاد وتوحيدها واحتواء الفوضى العارمة التي ستنتج بعد إسقاط نظامه، تماماً كما حصل في العراق وأفغانستان»، يردف الكاتب.
«لا تصدّق كلّ من يقول إنه سيبني الديموقراطية في سوريا. فهي لن تحلّ هناك قريباً، طالما أن متوسط معدّل الأعمار منخفض في البلد كما حصة الفرد من إجمالي الناتج المحلي»، يشرح لانديس. ويضيف «ومن يعتقد بأن النظام الحالي في سوريا من جيش وحزب بعث وحكومة لن يلاقي مصير النظام العراقي السابق فهو حالم». لذا، يخلص لانديس إلى أن «أي محاولة أميركية لإسقاط لنظام البعثي بالقوة ستكون مكلفة جداً وستبوء بالفشل، نظراً إلى الفوضى العارمة والانقسامات الداخلية التي ستخلفها». الصحافي يقول «على السوريين أنفسهم أن يقودوا التغيير في بلادهم. فهناك قادة وطنيون سيظهرون خلال عملية النضال، وهم يجب أن ينتزعوا ديموقراطيتهم بأيديهم لأن الولايات المتحدة لن تقدمها لهم على طبق من فضّة».

إعادة توزيع السلطات مذهبياً

وعن الديموقراطية أيضاً، تحدّثت فالي نصر على موقع «مجلس العلاقات الخارجية» لتقول إن دور واشنطن في سوريا «ليس دعم الديموقراطية فقط، بل هو حقيقة في إعادة توزيع السلطات بين المجموعات المذهبية والإثنية وحسن إدارتها». نصر تشير الى أن «الولايات المتحدة تدرك تماماً مدى صعوبة تلك المهمة في سوريا، إذ إن الواقع يشبه الى حد بعيد ما جرى في العراق بين أكثرية شعبية وأقلية حاكمة». لكن نصر تضيف «إن الولايات المتحدة لا تملك استراتيجية محددة لحل النزاعات المذهبية في المنطقة». الباحثة المتخصصة بالسياسات الإسلامية تشير الى أن «هناك احتمالين بعد سقوط الأسد، إما الاستقرار والهدوء بعد أن توزع السلطات بإعطاء حصص أكبر للأكثرية السنية أو الحرب الأهلية الدامية التي ستنتقل الى مجمل المنطقة». وأخيراً، تخلص نصر الى القول إنه «لن يكون هناك هبوط ناعم للأزمة في سوريا. لذا، قد يكون الحل بتدخل كثيف للقوات الخارجية في سوريا، تماماً كما فعلت الولايات المتحدة في العراق من خلال نشر كمية كبيرة من الجيوش على الأراضي العراقية أوقفت الاقتتال المذهبي».
شاشانك جوشي، على موقع قناة «سي إن إن»، سأل إذا كانت سوريا «هي العراق الجديد؟»، بينما رأى باتريك كوكبورن، في «ذي إندبندنت» البريطانية، في أجواء دمشق «أجواء بيروت عام ١٩٧٥، إذ يرى الناس الحرب قادمة إليهم ولا يستطيعون فعل شيء لوقفها».
وفي المقلب الآخر، برزت أصوات تنادي بعدم المضيّ بتسليح المعارضة السورية لأسباب عدة، أهمها عدم أهلية المجموعات المسلحة السورية لغاية الآن وضرورة وقف سفك الدماء في أرجاء البلد. افتتاحية «ذي لوس أنجلس تايمز» تقول إن هناك «مشكلة في الاستمرار بتسليح الجيش السوري الحر لأنه لا يملك أجندة سياسية واضحة لغاية الآن». لذا دعت الصحيفة الى اعتماد الأساليب التي من شأنها عزل الأسد دولياً، من دون اللجوء الى فتح حرب جديدة في الشرق الأوسط.



كرمى لعيون إسرائيل

من بين «المصرّين» على خيار التدخل العسكري في سوريا أو على الأقل «التهديد جدياً به»، الصحافي جايمس روبن، في مجلة «فورين بوليسي». روبن، برر في مقاله دعوته تلك بربط الأزمة السورية بالأزمة الإسرائيلية ـــ الإيرانية، مشيراً الى أن «احتمال شنّ إسرائيل حرباً على إيران لإنهاء التهديد النووي لا يزال قائماً». لذا، يرى روبن أن إيران «ليست مضطرة الى استخدام سلاح نووي ضد إسرائيل يقضي على البلدين معاً». لكن، يضيف الكاتب، يدرك الإسرائيليون أنه «بمجرد اقتناء إيران بعض مكونات السلاح النووي لن يردعها عن الطلب من حزب الله شن حرب على إسرائيل فوراً، لعلمها أن العدو سيحسب حساباً قبل أن يردّ بهجوم مضاد هذه المرة». ومن هنا، يلفت روبن، «تأتي أهمية سوريا الاستراتيجية وضرورة القضاء على نظامها الحليف لإيران والمسهل لعمليات حزب الله والداعم له».