القاهرة | واجهت حرية الفكر والتعبير وحرية المرأة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك تضييقاً واسعاً، من قبيل التحفظ على اتفاقية حظر التمييز ضد المرأة، وانحياز الدولة لموقف الكنيسة الأرثوذكسية في رفض تزويج المطلقين، ومصادرة عدد من الروايات والمؤلفات على خلفية اعتراض المؤسسات الدينية من قبيل أزمة رواية «وليمة لأعشاب البحر» اوائل العقد الماضي. ومع ذلك، أعلنت مجموعة من المثقفين والفنانين تأييدهم لأحمد شفيق، خشية التضييق على تلك الحريات حال وصل منافسه الإسلامي محمد مرسي، لرئاسة الجمهورية في جولة الإعادة.
المحلل السياسي، ناثان ج براون، اختصر موقف الساحة السياسية المصرية حيال قضية الشريعة الإسلامية، وما يسمى بالدولة المدنية، بالقول «المواقف الأساسية ليست غير مألوفة بالنسبة إلى الغرباء وحسب، بل من الصعب فكّ رموزها أيضاً». واعتبر براون في تقرير صدر الشهر الماضي عن مركز «كارنيغي» للشرق الأوسط، أن «الجهات الفاعلة التي يُستدَلّ على أنها «علمانية» لا تعترض على منح وضع دستوري لأحكام الشريعة الإسلامية، والإسلاميون المعلَنون من جانب واحد يتشدّقون بتطمينات تشي بأنهم يركّزون فقط على أهداف الشريعة العامة، وليس على أحكامها المحدّدة».
اللافت للنظر في هذا السياق مثلاً، أن حزب المصريين الأحرار، الذي أسسه بعد الثورة نجيب ساويرس، رجل الأعمال القبطي، لمواجهة تصاعد الحركة العمالية وما صاحبها من مد يساري بين الشباب من جهة ولمواجهة الصعود السياسي لتيارات الاسلام السياسي من جهةٍ ثانية، كان قد شدد مراراً في دعايته في الانتخابات التشريعيه العام الماضي على الدعوة إلى الابقاء على المادة الثانية في الدستور. وهي المادة التي تتضمن النص على الشريعة الاسلامية كمصدر رئيسي للتشريع، ولم يتوقف الجدل حولها منذ اقرارها في تعديلات دستورية أجراها الرئيس السابق انور السادات، الذي دعم صعود المد الاسلامي في مواجهة معارضيه الناصريين واليساريين. وهو نفس ما ذهبت إليه كذلك ما تسمى وثيقة العهد، التي صاغتها، مؤخراً، عدة أحزاب «مدنية» وشخصيات عامة وأساتذة قانون. وكان أقصى ما أمكن النص عليه فيها، ضرورة الابقاء على المادة الثانية دون تغيير، على خلفية المخاوف لدى تلك الأطراف من أن وصول الإسلاميين إلى السلطة قد يعني تعديلاً متشدداً لنص المادة من قبيل النص على الشريعة الاسلامية كـ«المصدر الرئيسي والوحيد للتشريع». إلّا أن وثيقة العهد دعت مرشحي جولة الإعادة في السباق الرئاسي إلى التوقيع عليها على السواء، ولم تجد فارقاً يذكر في هذا السياق بين مرشح جماعة الإخوان المسلمين وآخر رؤساء الحكومات، المقرب للمجلس العسكري الذي يواجه مجرد وصوله للجولة الحاسمة تظاهرات عارمة تطالب بتوقيع العزل السياسي عليه على غرار «مليونية الاصرار» أمس التي جددت تأكيدها على هذا المطلب بالتزامن مع اعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر دعوة الأعضاء المنتخبين في البرلمان إلى اجتماع يوم الثلاثاء المقبل لانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية التي ستكتب الدستور الجديد للبلاد.
وبالرغم من أن المجال العام في مصر شهد في عهدي السادات ومبارك «أسلمة» متزايدة، وصلت لحد الحكم بالتفريق بين الكاتب الراحل نصر حامد أبو زيد وزوجته ابتهال يونس، إلّا أن شريحة واسعة من الفنانين والمثقفين مثلاً أبدت تأييدها لأحمد شفيق الذي ينظر له كوريث لنظام مبارك، خشية اطاحة منافسه بمدنية الدولة حال وصل للمنصب الرفيع، فـ«الاختيار بين دولة المرشد والدولة المدنية»، حسبما يقول رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع الوطني الوحدوي، أقدم أحزاب اليسار في مصر.
وأعلن الرئيس السابق لحزب الجبهة الديموقراطية، رئيس تحرير مجلة «السياسة الدولية»، أسامة الغزالي حرب، تأييده شفيق، بدعوى أنه «يحمل نوعاً من الطمأنينة لمعظم فئات الشعب المصري». بدورها، أيدت صحيفة «الدستور» شفيق ومن قبله رئيس الاستخبارات السابق عمر سليمان. وانحاز عدد من الممثلين لآخر رؤساء حكومات مبارك من قبيل الهام شاهين ويسرا للأسباب نفسها.
إلّا أن واقع برنامجي المتنافسين حيال الثقافة والحريات لا يشير إلى اختلاف يذكر. ما يسمى «برنامج النهضة»، الذي يعتمد عليه المرشح الاسلامي في دعايته، لا يكاد يذكر رؤيته للثقافة، باستثناء وعود غامضة من قبيل «دعم العلاقات الثقافية مع الدول الأفريقية» أو «تنشيط السياحة الثقافية»، وصولاً إلى عبارة «ضوابط إدارة الحياة الثقافية» في برنامج حزب الحرية والعدالة. إلّا أن برنامج شفيق هو الآخر، لا يقل غموضاً، وينص على تعهده «بتوفير المناخ الملائم لإطلاق الطاقات الإبداعية لدى المصريين، وتوفير الكتاب للمواطن بسعر مناسب، وتشجيع حركة التأليف والنشر، والتوسع في ترجمة أحدث الإصدارات العالمية».