سافر المسؤول الرفيع في وزارة الخارجية الاميركية فريد هوف إلى موسكو لمتابعة مناقشات حصلت قبل ايام بين وزيري خارجيتي الولايات المتحدة الاميركية هيلاري كلينون وروسيا سيرغي لافروف. اينما حل هوف، المختص بالملف السوري، يحمل في حقيبته مهمتين، لديه تكليف رسمي بمتابعتهما من الخارجية الاميركية، الاول الملف السوري كونه احد اعضاء خلية الأزمة الاميركية المعنية بهذ الملف. الثاني، هو متابعة استكشاف سبل التوصل الى حل على المسارات الثلاثة للصراع العربي - الاسرائيلي، الفلسطيني واللبناني والسوري. موسكو لديها شكوى من ان واشنطن تقمع كل محاولاتها للعب دور على مسار الحل الفلسطيني - الاسرائيلي، والمسارين اللبناني والسوري. خلال الأشهر الاخيرة حاولت موسكو دعوة اللجنة الرباعية للقاء في موسكو، لكن واشنطن افشلته. والواقع ان انتقاء هوف تحديداً لمتابعة نقاش كلينتون مع الروس حول الملف السوري، ملفت، واقله يعطي إشارة الى ان إدارة أوباما، تحاول ان تعرض على موسكو «سلة حل للموضوع السوري»، يشتمل ايضاً، على زيادة تنسيق واشنطن مع روسيا بخصوص جهودها للحل على جبهة المسارين السوري واللبناني - الاسرائيلي، وعلى المسار الفلسطيني الاسرائيلي المتعثر. هناك معنى ثالث لوجود هوف في موسكو، كونه معنياً، أيضاً، بمتابعة ملف الغاز في البحر المتوسط الذي هو قيد الاكتشاف والتفاهم الإقليمي حوله. وتعتبر روسيا شريكة مع ايران وتركيا بهذا الملف. والجدير بالذكر ان هوف زار لبنان عدة مرات خلال الأشهر الماضية لمتابعة ملف الغاز في المتوسط، واستكشاف الترتيبات اللازمة لحل الإشكالات العالقة في شأنه بين اسرائيل ولبنان من ناحية وتركيا وقبرص من ناحية ثالثة. كما أن هوف خلال زياراته الاخيرة للبنان، طرح في لقاءاته اللبنانية، قضية ظلت خارج التداول الإعلامي، تتعلق بـ «احياء المسارات الثلاثة اللبنانية والسورية والفلسطينية مع اسرائيل».
يندرج تصريح وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، الذي دعا فيه موسكو لتغيير سلوكها الداعم للنظام السوري لو أرادت ان يستديم دورها ومصالحها في المنطقة، ضمن سياق دعم زيارة هوف التي تحاول عرض صفقة على روسيا تشتمل على ضمانات لحماية مصالحها في المنطقة، مقابل تخليها عن دعمها المطلق للنظام السوري.
ولا يظهر حتى الان اي مؤشر يوحي بأن روسيا تريد مقايضة نظام الاسد بمصالح يتم كسبها عبر انتهاج خارطة الطريق التي يحملها هوف، او التي اوحى بها الفيصل. ولا يعني ذلك ان موسكو لا ترغب في تأمين هذه المصالح، لكنها تعتبر ان دفاعها عن النظام السوري هو الذي جذب اهتمام الغرب إلى مصالحها، وان فقدانها لهذا الموقف سيعيدها الى نقطة الصفر في الدفاع عنها.
ومنذ الان يمكن توقع النتيجة التي سيعود بها هوف من موسكو. ستصر الاخيرة على ان دعم مهمة انان هو السبيل الوحيد لمقاربة الأزمة السورية. وجاء تصريح وزير الخارجية الروسي لافروف عشية وصول هوف الى موسكو ليعبر عن هذا التوجه، إذ قال «إن سقوط النظام السوري قد يؤدي الى كارثة». واقترح «عقد مؤتمر دولي تشارك به ايران وتركيا، لدعم مهمة انان».
ومجمل هذه التطورات الآنفة تؤشر الى توقع تصاعد حدة الصدام الدولي البارد حول سوريا. موسكو تصمد في موقع الدفاع عن نظام الاسد، بوصفه الطريقة الضامنة للحفاظ على مصالحها الحيوية في إقليمها وفي الشرق الوسط وفي الساحة الدولية. وواشنطن تحاول ابتداع سياسة احتواء للموقف الروسي عبر عرض تفاهم على موسكو يشتمل على ضمانات لمصالح حيوية لها في الشرق الاوسط، في مقابل السير في خطة سياسية دولية للحل في سوريا تؤدي بنهايتها لإسقاط الاسد.
الأزمة التركية في شيكاغو
ومع تأكد الفشل على مستوى قدرة الغرب على احتواء الموقف الروسي، ستزداد الحاجة لدى واشنطن، بالتحديد، لايجاد خطة بديلة لمعالجة المعضلة السورية، نظراً لكونها بدأت تترك نتائج سلبية ذات مستوى استراتيجي على دول حليفة لها، مثل تركيا، كما بدأت تسبب تشققات بين دول الناتو، اضافة الى ان صداها بدأ يحتل حيزاً يتعاظم داخل مناخ الانتخابات الرئاسية الاميركية.
والواقع ان اجتماع شيكاغو للحلف الاطلسي الذي التأم قبل نحو أسبوعين، كان اول مناسبة تظهر ان تأثيرات الأزمة السورية لا تؤدي فقط لإضعاف الدور الإيراني والدولة السورية، بل تصيب تشظياتها وتفاعلاتها دولاً في حلف الأطلسي بأضرار فادحة، وبالأخص تركيا، الدولة الثانية من حيث القوة داخل الحلف. وتولد هذه القناعة قاد دولاً في الحلف، خلال لقاء شيكاغو، للمطالبة بإهمال الحدث السوري، وعدم الاشارة اليه في بيانه الختامي، ولكن إصرار تركيا على إبراز اهتمام الحلف به، أدى الى تخصيص فقرة واحدة له داخل البيان.
وبحسب مصادر دبلوماسية راقبت الاجتماع في شيكاغو، فان تركيا ذهبت لهذا الاجتماع لتطالبه بمساعدتها على حل أزمات استراتيجية أصابتها بفعل موقفها من الأزمة السورية، ولأنها تخشى ان لا تكون قادرة على التصدي لها بمفردها او حتى تحمل تبعاتها على امنها القومي. وحرصت انقرة على ان يزور وفد تركي رفيع المستوى ضم الرئيس التركي عبد الله غول ووزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو، واشنطن على هامش مشاركة وفد تركي في اجتماع حلف الاطلسي يوم الخميس ٢٤ ايار الماضي. وعقد الوفد التركي العالي المستوى اجتماعات في البيت الابيض ووزارة الخارجية الاميركية، خصصت لبحث الموضوع السوري وتداعياته على تركيا. اما الوفد التركي داخل اجتماع الأطلسي في شيكاغو، فقد عرض تقريراً عن تداعيات الأزمة السورية على الأمن القومي التركي، قدمه وزير الداخلية التركي بوصفه تقدير موقف استخبارات بلده.
ويظهر التقرير، الذي حصلت «الأخبار» من مصادر دبلوماسية على ابرز محتوياته، قلق انقرة من تجمعات تنتمي لحزب العمال الكردستاني يتعاظم وجودها في مناطق سورية قريبة من الحدود التركية. وان الحراك اللوجستي الواسع لهذه العناصر داخل سوريا، يؤكد ان حزب العمال الكردستاني المعتبر «العدو الأخطر» على استقرار الأمن في تركيا، اصبح بالكامل ورقة بيد النظام السوري. أما الهدف من احتضان سوريا المتجدد لهذا الحزب، فهو رغبة النظام بالانتقام من مطالبة تركيا بتنحي الاسد واستضافة ٢٣ الف نازح سوري، بينهم مدنيون وعسكريون معارضون للنظام». ويكشف التقرير أن تركيا ليست في وارد التدخل عسكرياً في سوريا، «الا تحت غطاء فاعل من الاطلسي. كما تطالب تركيا الحلف بصياغة خطة عمل جديدة لمكافحة الإرهاب تأمل من خلالها أنقرة الخروج من تداعيات الأزمة السورية عليها».
وتكشف المصادر الدبلوماسية عينها ان مضمون هذا التقرير كان مدار تباحث ايضاً بين الوفد التركي العالي المستوى الذي التقى مسؤولين في الادارة الاميركية ووزارة الخارجية، وان نتيجة المباحثات خلصت الى الحصول على تعهد أميركي بالعمل من اجل الحد من تداعيات الأزمة السورية على تركيا، وذلك من خلال قيام تركيا بإجراءات لحرمان سوريا توظيف الورقة الكردية الإقليمية للانتقام من تركيا وهز استقرارها الداخلي. وضمن هذا السياق، استدعى السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد، وهو احد اعضاء خلية الأزمة الاميركية بخصوص سوريا، وفداً كردياً سورياً الى الولايات المتحدة الاميركية، والتقى به، وأبلغه الرسالة الاميركية التالية: «وضع الأكراد لن يتحسن في ظل النظام الحالي، وعليهم العمل مع المعارضة السورية الآن من اجل الحصول على ما يريدون في سوريا مستقبلا، ولا سيما لجهة اللامركزية والفدرالية، وتتعهد واشنطن وضع هذه المطالب في برنامج المعارضة السورية السياسي»، كما أبلغهم فورد، انه يمكن للأكراد ان يجدوا اطارهم الخاص ضمن قوى المعارضة، وليس مطلوب منهم ان ينضموا إلى المجلس الوطني السوري.
ويستخلص من كلام فورد للوفد الكردي ان واشنطن قدمت لأكراد سوريا عرضاً بمنحهم كونفدرالية على غرار ما هو حاصل في العراق، في حال انضموا للحراك السوري وامتنعوا عن تأمين الحاضن الديموغرافي للجهد الميداني والسياسي لحزب العمال الكردستاني الجاري الان في سوريا وداخل المناطق الكردية هناك، وذلك ضمن صفقة تجدد التعاون الجاري بينه وبين النظام السوري ضد تركيا.
وفي سياق على صلة بتقديم إغراءات للكرد السوريين، تلبية للهواجس التركية، تتجه واشنطن من بين جملة خياراتها، لتنصيب شخصية كردية، رئيساً للمجلس الوطني السوري خليفة لبرهان غليون المستقيل منذ أسابيع. وبحسب ما ترجحه المعلومات فان مؤتمر اسطنبول المنعقد يوم السبت سيعين او ينتخب عبد الباسط سيدا لرئاسة المجلس، وهو سوري كردي.
يوضح المصدر الدبلوماسي عينه أن الادارة الاميركية أعطت تعهداً للوفد التركي، الذي زار واشنطن على هامش اجتماع الأطلسي في شيكاغو، والذي ضم الرئيس التركي ووزير الخارجية، يفيد بان واشنطن ستكون «على استعداد تام لمناقشة الموضوع السوري في اطار حلف الأطلسي في اي وقت تطلب فيه تركيا عرض هذا الموضوع على الحلف، كونها الدولة التي تعرضت للاعتداء من الجانب السوري».
نذر تدخل عسكري
السؤال الذي يطرح نفسه في غمرة هذه التطورات، هل دخلت الأزمة السورية مرحلة التدخل العسكري من جانب الأطلسي؟ المصادر الدبلوماسية المعنية برصد هذا التطور، تورد الملاحظات التالية:
اولاً، لا تزال تركيا تتردد بالتدخل العسكري في سوريا، ولكن من الممكن ان تتدخل في حال توافر لها اطار قانوني أممي فعال وتأكيدات بأن مختلف الدول بما فيها حلف الأطلسي ستساهم عسكريا أيضاً.
ثانياً، رغم ان حلف الأطلسي ما برح يفتخر بنجاحه العسكري في ليبيا، الا ان الدول الاعضاء فيه، لا تزال تتردد في تقرير تدخلها عسكرياً في سوريا نظراً لاختلاف الظروف ولحسن تسلح الجيش السوري وامتلاكه دفاعات جوية قوية.
ثالثاً، تقول أوساط الأطلسي انها قدمت للرئيس أوباما خيارات مختلفة للتدخل في سوريا، لكنها لم تتلق اي طلب من البيت الابيض بهذا الخصوص.
رابعاً، يسود تقدير هذه الايام على خلفية الشكوى التركية من عبء تداعيات الأزمة السورية على امنها القومي، يفيد بان الادارة الاميركية قد تتخذ قراراً بالتدخل العسكري اذا ضمنت مسبقاً، ان هذا التدخل لن يتسبب بأمور يصعب السيطرة عليها في المستقبل، وبكلام اخر تريد إدارة أوباما ان تتأكد من «استراتيجية خروجها من الوحل السوري قبل ان تقرر استراتيجية دخولها الى حقوله».



سوريا والانتخابات الأميركية

برز في الآونة الاخيرة معطى جديد بخصوص ان الحملة الانتخابية الرئاسية في اميركا بدأت تتأثر إلى حد ما بالأزمة السورية، وخاصة بعد مجزرة الحولة. وبرز كدليل على ذلك قيام المرشح الجمهوري مؤخراً ميت رومني بتوجيه انتقادات الى أوباما اتهمه فيها بالتغاضي عن القيام باي عمل لحل الأزمة السورية، ودعاه فيها الى تسليح المعارضة السورية. ونجح المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الاميركية ميت رومني في التفوق على باراك اوباما في جمع التبرعات في ايار على الرغم من المبلغ القياسي الذي حصل عليه الرئيس المنتهية ولايته، ما يشكل مصدر قلق جديد للديموقراطيين قبل خمسة اشهر من الاقتراع. وترصد مصادر دبلوماسية مطلعة ان الاعلام الأميركي تعاطى مع الأزمة السورية بطريقة مختلفة اثر مجزرة الحولة، وبدأ يوجه انتقادات قوية الى الادارة الاميركية كونها لا تملك خطة بديلة لمسعى المبعوث الدولي الخاص حول سوريا كوفي انان، ولكن كل هذه المطالبات لم تصل الى حد المطالبة بالتدخل العسكري. كما ان الادارة الاميركية، رغم قرار الدول الغربية بطرد سفراء سوريا من عواصمها، الا انها لا تزال غير مقتنعة حتى الان بان تدخلها العسكري من شأنه ان يحل المعضلة السورية.