رام الله | أصدرت محكمة هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية، أمس، حكماً بالسجن 15 عاماً مع الأشغال الشاقة المؤقتة، إضافة إلى غرامة مالية قدرها 15 مليون دولار أميركي بحق محمد برهان عبدي رشيد، المعروف باسم خالد سلام، الذي كان أحد كبار مستشاري الرئيس الراحل ياسر عرفات، إلى حين رحيله، وذلك بتهم الفساد وتبييض الأموال، بحسب القاضي حسين عبيدات، رئيس المحكمة.
ولأن خالد سالم ليس فلسطيني الأصل (فهو كردي عراقي)، ولأنه كان مستشاراً للرئيس عرفات، أي بحوزته ملايين الدولارات من الأموال الفلسطينية، ولأنه كان المدير العام السابق لصندوق الاستثمار الفلسطيني ورئيس مجلس إدارة شركة الخدمات الاستشارية التابعة للصندوق، فقد أُثيرت حوله الشكوك بسبب اختفائه بعد وفاة أو اغتيال الرئيس عرفات، ودارت أحاديث حول قيامه بسرقة الأموال الفلسطينية، وعقد صفقات سلاح وأخرى وُصفت بالمشبوهة.
بداية محمد رشيد كانت في السبعينيات من بيروت، حيث كان يعمل صحافياً حرّاً، يجري المقابلات ويبيعها لصحف المقاومة التي كانت منتشرة بكثرة آنذاك، وهو العمل الذي كان يعتاش منه. حتى عام 1982 لم يكن محمد رشيد معروفاً، وكان قد تزوج من فتاة فلسطينية فازت بالمركز الأول في دورة للتصوير الصحافي، أقامها الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين، حيث تعرّف إليها. وفي تلك الفترة، تقرّب من الشهيد أبو جهاد، وأسّس بعدها مجلة «البلاد» التي صدرت في قبرص، ثمّ انتقلت إلى يوغوسلافيا.
وفي ما يتعلق بأموال رشيد المشبوهة، يقول أكثر من مصدر إنه مع بداية حصار الرئيس الراحل ياسر عرفات في مقر المقاطعة في رام الله عام 2000، حاول الأخير أن يسترجع مئات الملايين من الدولارات التي يستثمرها مستشاره خالد سلام في عدد من المشاريع. وفي 2004، كشف رئيس حركة «فتح» آنذاك، فاروق القدومي، في عمان، أن وزير المال الفلسطيني سلام فياض تسلم مبلغ 600 مليون دولار من رشيد بعد وفاة عرفات، مشيراً إلى أن «رشيد سيسلّم مبالغ جديدة لوزير المال، لكنه لم يحدد حجمها»، لكنّ رشيد كان قد غادر الأراضي الفلسطينية للإقامة في القاهرة، هو وحاشيته.
وكشفت صحف إسرائيلية عن أنّ خالد سلام كان يستثمر عشرات الملايين من الدولارات في شركة أسّسها مع يوسي جينوسار، الضابط السابق في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي «الشاباك»، وهو ما أدى إلى مطالبة الصحف بمحاكمة جينوسار الذي كان قائداً لأحد الأقسام في جهاز «الشاباك» برتبة لواء. كذلك تحدثت بعض التقارير عن تورّط رشيد في صفقات سلاح كثيرة، منها توريد أسلحة ومعدات عسكرية إلى نظام العقيد معمر القذافي وأعوانه، وعن أن مصدر السلاح هو إسرائيل. وآخر الصفقات هي الباخرة اليونانية التي أفرغت حمولتها في ميناء طرابلس. ويعتمد محمد رشيد، بحسب هذه التقارير، على أصول أموال بالملايين، موجودة في عدة مشاريع على الأراضي الليبية.
حكاية رشيد مع قضايا الفساد والمحاكم بدأت عندما قال رفيق النتشة، رئيس هيئة مكافحة الفساد، إن الهيئة حوّلت ملف محمد رشيد الى محكمة جرائم الفساد، والتي رُبطت في حينه بظهوره المفاجئ على قناة «العربية» الفضائية وحديثه عن «فساد» السلطة الفلسطينية، وهو ما نفاه النتشة. وأكّد النتشة أن رشيد سبق أن استدعاه وزيرا العدل والخارجية الفلسطينيان حسب الأصول القانونية، لكنه لم يستجب. وقال إن «هناك تحويلات مالية ضخمة تقدر بعشرات الملايين من صندوق الاستثمار ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية» يتهم بها خالد سلام، مشيراً الى أن هيئة مكافحة الفساد أجرت تحقيقاتها اللازمة، ووجدت أن هناك اتهامات توجب تقديم خالد سلام للمحكمة.
ورغم أن النتشة نصح خالد سلام بالمثول أمام المحكمة ليدافع عن نفسه باعتباره متهماً وليس مجرماً، فإن المحكمة نظرت في قضيته في جميع الأحوال، سواء حضر أو لم يحضر، وحكمت عليه غيابياً أمس.
لكن النائب العام المستشار أحمد المغني كشف أنّ القضية لها أبعاد أكبر، وقد بدأت قبل أكثر من عام، عندما أرسلت النيابة العامة مذكرات لإحضار رشيد، لكن الأخير لم يلتزم بالمثول أمام النيابة بحجة أنه «لا يستطيع الحضور إلى أراضي السلطة الفلسطينية».
مكتب محمد رشيد في القاهرة كان قد تسلّم، بدوره، مذكرة لاعتقاله، لكنّ رشيد لم يلتزم بالحضور «مرة أخرى»، وعليه اتُّخذت الاجراءات القانونية لإحضاره عن طريق الانتربول، «إلا أن الانتربول لم يستجب، مبرراً ذلك بحجج كثيرة». ومن بين هذه الحجج أن «محمد رشيد يحمل أكثر من جواز سفر ويتنقل بين الدول بأسماء عديدة، وأن لدى السلطة الفلسطينية معلومات أنه يحمل خمسة جوازات سفر وبأسماء مختلفة».
وبحسب النائب العام، فإن رشيد يحمل جواز سفر دبلوماسياً فلسطينياً، لكنه منتهي الصلاحية ولم يُجدّد، ومذكرة الإحضار التي أرسلت إلى الانتربول، أُرسلت على أساس جواز السفر هذا. لكن مشكلة السلطة مع الانتربول ليست هذه فقط، بل في «أن فلسطين ليست دولة ذات سيادة»، وبالتالي فإن كل مذكرات الاعتقال التي تقدمت بها النيابة العامة في حق متهمين بالفساد في دول عديدة، لم تسلم إلى أي أحد من المطلوبين.
وأكد المغني أن النيابة العامة، لأنها لم تنجح في إحضار رشيد عن طريق الانتربول، أحالت ملف رشيد على هيئة مكافحة الفساد حيث يحتوي الملف على 12 تهمة، منها «اختلاسات أموال واستثمارات».



أحكام بالسجن لثلاثة متهمين آخرين


إضافة إلى محمد رشيد (الصورة)، دانت محكمة هيئة الفساد ثلاثة متهمين آخرين هم وليد عبد الرحمن رشيد نجاب، وخالد عبد الغني خالد فرا، وشركة خدمات الاستشارات الإدارية المساهمة المحدودة MCS. وقررت حبس نجاب 15 عاماً أشغالاً شاقة، ودفع غرامة مالية بقيمة 8 ملايين دولار بتهمة التدخل في الاختلاس الجنائي وغسل الأموال. وحكمت على خالد الفرا بالحبس 15 عاماً أشغالاً شاقة ودفع غرامة مالية قدرها 5 ملايين دولار، وعلى شركة MCS غرامة مالية قدرها 5 ملايين دولار إضافة إلى حل الشركة. كذلك قررت مصادرة الأموال المحجوزة للمدانين، التي تقدر بملايين الدولارات، وإلزامهم، أي المتهمين الأربعة، بردّ المتحصلات الجرمية البالغة 33496973 دولاراً أميركياً. وقد صدرت أحكام المحكمة غيابياً على المتهمين الفارين من وجه العدالة بعد تبليغهم للحضور بالطرق الرسمية والنشر في الصحف، وبعدما قدمت النيابة بيّناتها.