سقط اسم أبو يحيى الليبي عن لائحة الـ«أ ف بي آي»، واستُبدل بـ«إرهابي» آخر من تنظيم «القاعدة» وفقاً للمعايير الأميركية. الليبي الذي أعلن البيت الأبيض اغتياله أول من أمس، ليس رجلاً عادياً في «القاعدة»، هو الرجل الثاني، بعد أيمن الظواهري، ويمكن القول إنه الماكينة الإعلامية للتنظيم، وتعويض خسارته، إن صحّت، لن يكون بالمهمة السهلة.
وقبل التعريف بهوية الرجل الخطير، لا بد من الإشارة إلى أنّ عملية اغتياله تعدّ نجاحاً إضافياً، ليس لإدارة باراك أوباما، التي ستحاول توظيفها انتخابياً، بل لوكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه» ومعاونيها من المجمع العسكري الأميركي وشركات الحرب الخاصة. عملية إسقاط الليبي هي واحدة من سلسلة عمليات اغتيال بدأت قبل عام 2003، في إطار برنامج أعدّته الوكالة لتصفية زعماء «القاعدة». في البداية كانوا زعماء الصف الثاني، قبل أن يلحق بهم زعماء الصف الأول، وفي مقدّمتهم أسامة بن لادن الذي اغتيل في عملية لفرقة كومندوس أميركية. برنامج بدأ مع الإدارة السابقة لجورج بوش، وتواصل مع إدارة أوباما التي أعلنت أنه من أنجع البرامج لملاحقة عناصر «القاعدة»، واجتثاث زعمائه. وطُبّق في باكستان وأفغانستان واليمن والصومال.
ووفقاً للتقارير الأميركية، كما الوقائع، فإن هذا البرنامج هو السبب الرئيسي في إلحاق الهزيمة بـ«القاعدة» ودفعه نحو الانحسار، لكنه في الوقت نفسه أكثر البرامج انتهاكاً لحقوق الإنسان بسبب ضحاياه المدنيين الذين يعدّون بالمئات. ومن المعلوم أن الرئيس الأميركي هو من يشرف مباشرة عليه، ويتابع عمليات الاغتيال مباشرة عبر الأقمار الاصطناعية داخل غرفة العمليات في البيت الأبيض.
وبالنسبة إلى تأكيد نبأ اغتيال الليبي، فهو مشكوك في أمره، مع أنه صدر رسمياً من قبل البيت الأبيض، لكن سبق أن أُعلن اغتياله في كانون الأول 2009 في ضربة جوية في جنوب وزيرستان. كذلك فإن صحيفة «دايلي ستار» نقلت عن مسؤول باكستاني قوله إن الليبي لم يُصب بالضربة الجوية، وإن العربة التي استهدفت تعود إليه، لكنه لم يكن في داخلها، فيما أكد زعيم طالباني مقتل الليبي قائلاً إنه «خسارة كبيرة».
وبالعودة إلى السيرة الذاتية لأبو يحيى الليبي (49 عاماً)، فهي مستقاة بمعظمها من التقارير الأميركية، الإعلامية والاستخبارية. ووفقاً لها، فإن أبو يحيى مواطن ليبي، ومن كنياته الأخرى حسن القايد ويونس الصحراوي وحسن قائد الفر. وهو لم يكن غريباً عن العمل القتالي. بداياته كانت كمقاتل في صفوف الجبهة الإسلامية الليبية، حيث قاتل أخيه أيضاً، قبل أن ينتقل مع رفاقه في الجبهة إلى أفغانستان لقتال السوفيات. وانتقل بعدها إلى شمال أفريقيا كي يدرس الإسلام والفقه والتاريخ في موريتانيا. عاد بعد عامين ليجد أن أفغانستان لم تعد ساحة للقتال، بعدما أحكمت «طالبان» سيطرتها على كل البلاد.
بعد أحداث 11 أيلول 2011، جرى اعتقاله في باكستان، لكنه هرب مع ثلاثة من زعماء «القاعدة» من داخل السجن الأميركي في قاعدة باغرام الجوية، في شمال كابول، في تموز 2005. وبعد هروبه، شقّ طريقه بسرعة إلى داخل الدائرة الضيّقة للتنظيم.
ذاع صيته من خلال التسجيلات المصورة التي كان يظهر فيها ليطلق تهديدات التنظيم وتعليماته وإرشاداته. وكانت البداية مع تسجيل مدّته 54 دقيقة بعد عام على هروبه، تحدث فيه عن اعتقاله عام 2002 ثم هروبه من واحد من أخطر السجون في العالم وأكبرها.
كان أبو يحيى من ضمن الزعماء الذين أرسلوا رسائل توبيخ إلى زعيم التنظيم في العراق، أبو مصعب الزرقاوي، الذي قتل في 2006، وشعروا أنه يهدد استراتيجية «القاعدة» العالمية، عبر قتله المدنيين. لكنه انتقد العلماء المسلمين الذين حرّموا التفجيرات الانتحارية، ودعا إلى شنّ هجمات في الدنمارك بسبب الرسوم المسيئة إلى النبي محمد.
وخلال الثورة الليبية في 2011، ظهر في فيديو يحثّ أنصاره الليبيين على إسقاط معمر القذافي، كما سبق أن حاول ذلك هو نفسه في التسعينيات، عندما كان منخرطاً في الجبهة الإسلامية الليبية. الكاريزما التي تمتع بها جعلت منه نجماً في الحملة الإعلامية للتنظيم، إلى درجة أنّ البعض كان يعتبره أكثر نجومية وتأثيراً في الماكينة الإعلامية من الظواهري أو بن لادن. وبعد اغتيال الأخير، أصبح الليبي نائب زعيم «القاعدة» الجديد، الظواهري، في العمليات داخل الحزام القبلي في باكستان.
وصفه أحد عملاء «سي آي إيه» بأنه «رجل كل المواسم في «القاعدة». هو محارب، شاعر، مدرس، عالم، قائد عسكري، يتمتع بكاريزما عالية، شاب، نجم صارخ صاعد في التنظيم، وأعتقد أنه أصبح ولي عهد أسامة بن لادن في زعامة الحركة الجهادية العالمية». وبحسب مسؤول أميركي لصحيفة «نيويرك تايمز»، فإن «القاعدة» سيجد صعوبة كبيرة في إيجاد بديل لليبي.