لم يعد انعقاد مؤتمر يمني في بيروت أمراً استثنائياً، مثلما باتت الاتهامات التي تلاحق الوافدين إلى لبنان تتكرر مع كل لقاء يعلن عنه في بيروت، سواء أكان منظموه من أبناء المحافظات الشمالية أو الجنوبية. الحديث عن أيادٍ ايرانية وراء المؤتمرات بات من الاتهامات الثابتة. لذلك فإن الاتهام الذي وجه إلى إيران بالوقوف وراء مؤتمر «اليمن الذي نريد»، الذي عقد في بيروت في كانون الثاني الماضي، كان حاضراً بقوة في مؤتمر «مستقبل اليمن ومتطلبات بناء الدولة الحديثة»، لكن أضيف إليه هذه المرة اتهام آخر «إسرائيلي الطابع»، بعدما تحدث نائب وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي، أيوب القرّا، عن توجيه دعوة إليه لحضور المؤتمر.
رئيس تنظيم الأحرار، عبده محمد بشر، وهو الجهة الداعية للمؤتمر، نفى في حديث مع «الأخبار» وقوف إيران وراء انعقاد المؤتمر، أو تقديمها أي دعم، قائلاً «لحد الآن لا يوجد». وأكد أنه لن يتردد لحظة في عقد مؤتمر صحافي يعلن فيه تلقيه دعماً من إيران، أو من أي جهة أخرى متى ما جرى ذلك. وهو ما دفعه بعد المؤتمر بأيام إلى التأكيد لـ «الأخبار» تلقيه دعوة رسمية لزيارة إيران، واضعاً حديث الوزير الإسرائيلي في خانة محاولات إفشال المؤتمر.
نفي آخر يصر عليه بشر عند الحديث عن الاتهامات التي تلاحقه وعدداً آخر من النواب بأنهم قفزوا من سفينة النظام عندما أيقنوا قرب غرقها. وأكد أن «تخليهم عن النظام جاء عندما كان علي عبد الله صالح ونظامه لا يزالان يتمتعان بالقوة، ولم يكن أحد يصدق إمكان انهياره بهذا الشكل»، متحدثاً عن خطورة المرحلة التي يمر بها اليمن.
بشر توقف عند «التآمر من قبل السعودية والولايات المتحدة»، مشيراً إلى أنهما «أجهضا الثورة اليمنية وقدما مبادرة لا تلبي واحداً في المئة من تطلعات الشعب اليمني وأهداف الثورة». ورأى أن السعودية هدفت إلى إيصال رسالة تخويف إلى شعبها بأن ينظروا إلى ما يحدث في البلدان الجمهورية، والبلدان التي تحدث فيها ثورة.
أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فأوضح بشر أنهم «يحاربوننا يوماً باسم القاعدة، ويوماً آخر باسم الحوثيين»، متوقفاً عند تقاعس الحكومة عن أداء دورها، ومؤكداً أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر في ظل الثورة «إذ لا ينفع أن نكون ثوريين ونقبل العمالة». انتقاد اضافي يوجهه بشر إلى أداء الرئيس اليمني الجديد، عبد ربه منصور هادي، ويوضح أنه رغم انطلاقة هادي الجيدة، إلا أنه خلال الفترة الماضية لم يستطع أن يقدم شيئاً جديداً، بعدما فشل في استغلال «أنه الرئيس الوحيد الذي توافرت له مختلف أنواع الدعم الإقليمي والدولي والمحلي». كذلك، انتقد محاولة هادي إعادة تجربة علي عبد الله صالح، من خلال إنشاء مجموعة عمل حوله من أبين، التي ينحدر منها، لافتاً إلى أنه «لا نريد أن ننقل من سنحان (منطقة صالح) إلى أبين، نريد قرارات بمعايير وتخرج البلد من المأزق الذي فيه».
وفي ما يتعلق باعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، لفت بشر إلى أن الناس يريدون إقصاء القادة السيئين لا إعادة وضعهم في مراكز أخرى. وتحدث عن أهمية ليس فقط إعادة هيكلة الجيش، بل إعادة اللحمة إليه أيضاً، واجراء مصالحة وطنية داخل الجيش، تجعل ولاء أفراده للوطن لا لأفراد محددين، مشدداً على أن بقاء كل القادة العسكريين الموجودين الآن مسألة وقت لا أكثر.
أما الحوار الوطني، فقلل بشر من أهميته، مبدياً تشاؤمه انطلاقاً من الأسماء التي اختيرت للمشاركة في لجنة الاتصال المكلفة التواصل مع الأطراف السياسية المختلفة لتأمين مشاركتها في الحوار، كما تحدث عن سيطرة حزب الإصلاح، مشيراً إلى أن الأخير يحاول اعادة انتاج النظام السابق في كل شي. وشدد على أهمية أن تظل الثورة في قلب وعقل كل يمني، سواء داخل الساحة أو خارجها. من هذا المنطلق، لفت بشر إلى أنه يؤيد بقاء الساحات إذا عادت إلى نفس الزخم الأول الذي انطلقت منه.
وفي ما يتعلق بالقضية الجنوبية، أوضح بشر أن «حماية الوحدة الوطنية» الواردة في اهداف حركته لا تعني على الإطلاق أخذ موقف رافض للانفصال، مشيراً إلى أنها تعني «تقريب وجهات النظر ومعالجة الاختلالات التي أدت إلى أن الناس يكرهون الوحدة». وأضاف «إنّ من ينادي بالانفصال رفع سقفه إلى الأعلى، وتصحيح الأخطاء التي مرت بها الوحدة سيؤدي إلى عودته، لأن التآمر الذي حصل أدى إلى جعل الجنوبيين يكرهون الوحدة».
وعن الحوثيين، أشار رئيس تنظيم الأحرار إلى أنه اذا كان رئيس جماعة أنصار الله عبد الملك الحوثي «مؤمناً بالدولة المدنية الحديثة، بالرأي والرأي الآخر، وبأهداف الثورة، فنحن مستعدون للتعاون مع أي شريحة من شرائح الشعب اليمني». وأضاف لكن «إذا كان يحمل أيّ أهداف انطوائية أو انعزالية فنحن أول الناس الذين سيقفون ضده»، لافتاً إلى أن «الحوثيين رقم صعب في المعادلة اليمنية، شئنا ذلك أم أبينا، ولا يمكن أن نفرض على شعب يمني أنه اذا أراد أن يدخل في حوار أو يصلح في بلده أن يدخل حزباً، فهذا أمر خاطئ».