حققت الأحكام الصادرة بحق الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه جمال وعلاء، ووزير داخليته حبيب العادلي وستة من كبار معاونيه، ما كانت تصبو إليه جميع الأطراف الثورية في المشهد السياسي المصري، سواء من هم في موقع تنافس على السلطة كجماعة الإخوان المسلمين، أو القوى السياسية التي باتت جزءاً من مشهد سياسي باهت، أو لدى الشباب الثوري الحالم، الذي يشعر كل يوم باغتيال ثورته وسرقتها دون استطاعة منه أن يحرك ساكناً. بالنسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة، فإن يقظة الشارع ونزول العديد من الجماهير للتعبير عن الاحتجاج والغضب عفواً على الأحكام وشعورها أنها خُدعت، وفّرا للجماعة زخماً وغطاءً تحركت فيه أثناء تلمسها لتوافق سياسي تنشده بقوة في منافسة أحمد شفيق. وسعت الجماعة إلى إقناع الشارع بأن مرسي مرشح الثورة الفعلي، بعدما تراجعت الكتلة التصويتية للجماعة بواقع النصف عن انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، وهو تراجع تسبب فيه عجز الجماعة في المجلس وخطابها المتأرجح بين الثورة واللاثورة وممارستها السياسة في بيئة ثورية بأدوات إصلاحية.
وقامت جماعة الإخوان بالحشد في الميادين والدعوة إلى مليونيات، وتصعيد لغة الخطاب ضد مؤسسات السلطة، سواء المجلس العسكري أو النائب العام، عبد المجيد محمود، أو طلب إعادة المحاكمات. وقدمت الجماعة نفسها بديلاً قادراً على تحقيق العدالة المنشودة من قبل أهالي الضحايا والثوار، عبر مرشحها محمد مرسي. وهو ما كان متلازماً ومتطابقاً مع مطالب القوى وشباب الثوار، بما جعل الإخوان يتماهون في المشهد الثوري لترتفع حظوظ مرشحهم. وتجلى ذلك، في تراجع الكثير من المترددين من السياسيين عن دعمه، بعدما استشعروا الخطر الذي يهدد مسيرة الثورة.
أما في ما يتعلق بالمرشحين الرئاسيين الذين لم يحالفهم الحظ في الجولة الأولى، فقادتهم الأحكام من الاحتجاج في الفضاء العام إلى مائدة التفاوض مع مرسي، بعدما تمنعوا عن هذه الخطوة عقب صدور النتائج. وبعدما أعلن المرشح الناصري الخاسر، حمدين صباحي، أنه ضد ما سماه «الاستبداد الديني والاستبداد العسكري»، قاصداً مرسي وشفيق، إلا أنه في الأخير توصل إلى اتفاق مبدئي مع مرسي والمرشح الإسلامي الخاسر عبد المنعم أبو الفتوح، في اجتماع عقده الثلاثي أول من أمس. ويتضمن الاتفاق عزل شفيق والتشاور حول تشكيل فريق رئاسي، وذلك بعدما طالبهم الثوار بعدم النزول للميدان كثيراً والإسراع بالتوافق وتشكيل اصطفاف وطني، يواجه احتمالات التزوير والرشى وتحالف مؤسسات القوة والسلطة والفلول وحزب الكنبة خلف شفيق، وهو ما أدى إلى تصاعد احتمال عودة المرشحين الخاسرين كفاعلين مشاركين ومؤثرين في مسار الانتخابات ونتائجها.
أما الأحزاب التي خفت بريقها عقب الانتخابات التشريعية، فوجدت لنفسها موطئ قدم، حينما قررت مساومة جماعة الإخوان على مكاسب سياسية تنتزعها، بعدما وجدت الجماعة نفسها في حاجة ملحة إلى هذه الأحزاب من أجل اكتساب مشروعية سياسية، ترمم الصدع الذي حدث للجماعة في العديد من معاقلها ولتظهر للرأي العام أنها جادة في عدم الاستحواذ على السلطة. وهكذا ظهر وزن نسبي لهذه الأحزاب يظهرها في موضع قوة، ويجعلها تأمل في نصيب من السلطة، التي ربما تقع في يد الإخوان كاملة. ورغم أن الأحكام بحق مبارك ورجالات حكمه جاءت صادمة لجموع الثوار وأهالي الشهداء والمصابين، إلّا أن تأجيجها للمشاعر العامة ساعد الثوار في استعادة جزء من بريقهم، وإظهارهم جزئياً للرأي العام، بأنهم كانوا على صواب في معارضتهم للأجواء التي تجري فيها المحاكمات وتشكيكهم في أن السلطة الحاكمة قادرة على ضبط سير العدالة. وهكذا نال الثوار جزءاً من التعاطف الشعبي مع صيحات الغضب التي أطلقوها مجدداً.
لكن هذه الاستفادة برأي العديد من الخبراء، قد لا تتوج بفعل واقعي، إذا لم يجد هذا الزخم قيادة توجهه. ويرى الباحث الإستراتيجي في جامعة ريدنج في بريطانيا، محمد بريك، أن وجود حالة ثورية جديدة هو أمر مبشر. إلّا أن مفردات هذه الحالة لا تحقق، من وجهة نظره، حسماً أو تغييراً جذرياً لافتقادها الأدوات السياسية أو التفاوضية أو الدعم الشعبي الكبير والكافي. وأوضح لـ«الأخبار» أنه «حال توفر قيادة استراتيجية أو سياسية لها، فربما يساعد ذلك على تفعيل العزل السياسي وإقصاء شفيق من السباق الرئاسي». وبيّن أن «انتخابات الإعادة سوف تجري في موعدها، وأن مجمل المآل السياسي لا يرتبط بفوز مرسي فقط، بل بالقدرة على مواجهة الإعلان الدستوري المكمّل، الذي قد يصدره المجلس العسكري قريباً ليضمن به مكتسباته».
أما الباحث في الشؤون السياسية، علي الرجال، فرجح أنه «إذا حدث تعنت من قبل السلطة الحاكمة، ولم يُعزل شفيق، ونجح رغماً عن الجميع، فسيحدث انفجار ثوري آخر». وأوضح أن «هذا الانفجار سيحدث بنحو متدرج لكنه عنيف». ورأى الرجال أن «مرسي سيفوز عبر طريقين، إما تفاوضي مع القوى الثورية والوطنية، وهذا يعتمد على ذكاء الإخوان، أو عبر استمرار مسار الحالة الثورية الرافضة لشفيق». وشدد على أن «حدوث انقلاب في المشهد، وتغيير جذري تام فيه إذا تم التزوير لصالح شفيق، لن يأتي إلّا إذا حدث زحف نحو مراكز السلطة وجعلها في مواجهة مع الشعب». من جهته، ذهب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإسكندرية، عبد الفتاح ماضي، إلى التأكيد أن «حالة الزخم الحالي لن تؤثر على مسار إجراء الانتخابات في موعدها، ولا سيما مع بدء إجرائها في الخارج». واستبعد أن يوافق الإخوان على تشكيل «المجلس الرئاسي»، مرجحاً أن يكون السيناريو الأقرب تشكيل «فريق رئاسي». واعتبر «أن الأحكام أدت إلى استئناف الثورة من جديد. وأعطت فرصة لتوحيد الصف وزيادة الدعم الشعبي لمرسي».
بدوره، رأى الباحث في الشؤون السياسية، محمد العربي، أن هذه الأحكام «ستزيد من الاستقطاب، وربما ستدعو الأصوات الرافضة لحكم العسكر والإخوان وعنوانهما شفيق ومرسي، إلى إعادة التفكير والاتجاه نحو انتخاب مرسي. وقد تقوّي الاتجاه أكثر نحو حل الميدان بعد ضياع الثقة في الحلول السياسية والقضائية للأزمة الحالية في مصر».