وصلت الرسالة على الفايسبوك. كانت أشبه برسالة في قنينة ألقى بها احدهم في البحر لعل وعسى. قال الرجل انه يعيش في مخيم على الحدود السورية العراقية مع مائتي فلسطيني متروكين على حدود خطرة، بين بلد يعيش حربا أهلية ودولية عليه في آن، وبلد كان محتلاً ولا يزال يلاحقهم باعتبارهم من «فلول صدام». هو «مخيم الهول». اتصلنا بالسفارة الفلسطينية في لبنان فقالوا انهم لا يعرفون شيئا عن هؤلاء الفلسطينيين. اما الانروا، فهم غير مسجلين فيها. كيف يكون ذلك؟ اتصلنا بالشاب، واسمه فراس صيدم، لكي يحكي لنا الحكاية.
وفقنا بعد ايام. فالشبكة في سوريا ليست على ما يرام. قال الشاب انه حين احتلت اسرائيل فلسطين العام 1948، اخذت الحكومة العراقية على عاتقها استضافتهم، وأن تدير شؤون من لجأوا اليها، مقابل عدم دفعها مساهمة للانروا. وهكذا كان.
وفي السبعينيات، يضيف فراس، بعد وصول البعث الى الحكم، أُسكن الفلسطينيون في بيوت تابعة للدولة وعلى نفقتها في مناطق «مجمع البلديات، بشكل رئيسي وفي بعض المناطق كالزعفرانية والغزالية ومدينة الحرية ببغداد. لكن، حين حوصر العراق تدهور وضع العراقيين الداخلي كثيرا. غير أن صدام كان يلقي من وقت لآخر بتصريحات من نوع انه سيتبرع بمليار يورو لفلسطين (2002) فيما كان العراقيون لا يجدون ما يسدون به رمقهم. «الناس كانت كتير فقرانة، يقول، فكرهونا» ويضيف «لما احتلت اميركا العراق وصار في فوضى، حصل صدام طائفي هناك خاصة بعد تفجير المراقد الشيعية في السامراء، ووقع الفلسطينيون بين مأزقين: فهم سنّة من جهة، ومن جهة أخرى يعتبرون «دلوعي صدام»، وبالحالتين كان علينا الهرب». لكن هل فعلا تعرضوا لحالات انتقام؟ يجيب متنهداً «عزيزتي بين المئتي شخص الموجودين الآن هنا، 90% خطف لهم قريب او قتل». لكن أين هو بالتحديد هذا المخيم؟ يقول: «انظري، هناك ثلاثة مخيمات للفلسطينيين على الحدود العراقية السورية: مخيم الوليد، وهو من الجهة العراقية من الحدود، مخيم التنف، وكان في المنطقة المحايدة بين حدود البلدين (نو مان لاند)، ومخيم الهول داخل الاراضي السورية بعمق عشرة كيلومترات ويبعد50 كلم الى شرق مدينة الحسكة». ويضيف: «إحنا الموجودين هنا حصيلة من هربوا من العراق لأنهم ملاحقين، ومن تبقوا من مخيم التنف بعد التسوية». اي تسوية؟ يقول «حصل ترتيب برعاية المفوضية السامية للاجئين لنقل من تبقوا من مخيم التنف (بعد توطين الغالبية في بلاد ثالثة) الى مخيم الهول. فصار العدد العام 2005 حوالي 1600 شخص». وبعد؟ «اليوم بقي 215 شخصاً، بينهم 100 شخص لا حل نهائيا لأوضاعهم»! كيف؟ يجيب « كما قلت لك فإن اللاجئين الى العراق لم يكونوا تحت وصاية الانروا منذ عام 1948، لذلك فبعد خروجهم الإجباري هربا بحياتهم من العراق بعد الاحتلال الأميركي وضعوا تحت وصاية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR)، التي، ضمن برنامجها للاجئين، لديها ثلاثة حلول: اما العودة للبلد الذي أتوا منه، وهذا غير ممكن أبدا لفلسطينيي العراق، واما الدمج المحلي في الدول المستضيفة، والحل الثالث اعادة التوطين في بلد ثالث». ويلفت فراس الى انه، استناداً الى أن اتفاقية بين المفوضية وجامعة الدول العربية حصلت العام 2006، تنص على ان اعادة التوطين في بلد ثالث لا تلغي حق العودة الى فلسطين. وعليه، فقد قبل الكثيرون إعادة التوطين في بلد ثالث. لكن، وبعدما بقي 200 شخص فقط في المخيم، توقفت هذه العملية بسبب تغير اولوية المفوضية السامية للاجئين، حيث صارت الاولوية للعراقيين والأفغان وغيرهم «مع انو نحنا عنا اقدمية باللجوء وبالتالي احق بالحل، خاصة بوضعنا الحالي، فنحن لا نستطيع العودة الى بلدنا اي فلسطين، ولأن المفوضية لا تستطيع ان تؤمن لنا ذلك، فهي ملزمة بحل». وماذا عن العودة الى العراق «مستحيل.. هناك اخبار وصلتنا منذ يومين فقط، عن ان المداهمات لا تزال تحصل لبيوتنا في منطقة مجمع البلديات وغيرها.. الخطر على حياتنا لا يزال قائماً، لا نستطيع». اما بالنسبة إلى سوريا فيقول فراس «لا حل لنا في سوريا. فالسوريون مشكورون لانهم استقبلونا منذ 7 سنوات مع ان سوريا لم توقّع على الاتفاقية رقم 51 للاجئين، وبالتالي هي غير ملزمة إلا انسانيا بنا، لكن هذا ليس بحل في وضع سوريا الحالي». الآن يقع المخيم لصق قطعة عسكرية للجيش السوري النظامي تعرضت للهجوم من قبل مسلحين، وبذلك تعرض من في المخيم لخطر حقيقي (مساء 28/4 /2012) وفي هذا المخيم المؤقت الأبدي، ليس للبيوت التي هي على شاكلة الانتظار، سقف مثلا. وإنما مجرد طبقة من النايلون والتراب. ورغم ذلك لم تتحرك المفوضية السامية اللاجئين لممارسة دورها في حمايتهم ومحاولة إخراجهم مما هم فيه. وكان اهتمام المفوضية الجدي، حسب فراس، قد بدأ بمخيم الهول من ناحية إيجاد حلول للاجئين فيه العام 2008 بعد إضراب قام به هؤلاء، حيث بدأت عملية إعادة توطينهم في دول مثل كندا واستراليا والسويد وغيرها تحت ضغط عدم وجود حل لهم على مقربة من بلادهم. ولا يزال عدد بسيط من الذين دخلوا المخيم عام 2006 موجودين فيه، بانتظار أن تستقبلهم دول التوطين. وقد عاد عدد القاطنين في المخيم الى التزايد في نهاية عام 2009، إثر نقل ما تبقى من اللاجئين من مخيم التنف الحدودي الذي أغلق بداية عام 2010 إلى مخيم الهول داخل سوريا، بالإضافة إلى أعداد من اللاجئين الذين استحصلوا على موافقة من الهجرة والجوازات السورية للمغادرة من المدن السورية إلى مخيم الهول حيث وصل العدد الكلي في بداية 2010 إلى حوالي 750 لاجئاً.
ومع تناسي المجتمع الدولي والإعلام لمشكلة الفلسطينيين العراقيين، انخفض عدد الدول التي تستقبل هؤلاء اللاجئين، والآن، بعدما غادر الكثير من أهالي المخيم لدول إعادة التوطين، لم يتبق فيه إلا 215 شخصاً، ثلثاهم من النساء والأطفال. وقد عملت مفوضية اللاجئين، حسب المصدر نفسه، على تكريس فكرة نقلهم إلى دمشق، الأمر الذي تعطل بسبب الأحداث الجارية قي سوريا. وحتى هذه اللحظة لم يعلن مكتب دمشق للمفوضية أن هذا الحل، الذي رفضه من تبقى في المخيم بشدة لأسباب مختلفة إنسانية وقانونية وغيرها، قد أوقف، وأنها ستعمل على حل آخر. بل على العكس، كما يقول فراس، قامت المفوضية بشكل أو بآخر، بإشاعة فكرة أن المخيم قد أغلق، وأن كل من فيه لديه حل! يذكر أن المفوضية كانت قد عرضت على «بعض» اللاجئين في عام 2010، الذهاب للولايات المتحدة، وقد رفض الكثير منهم لأسباب كثيرة تتعلق بموضوع الاحتلال وتعرض الكثير منهم للاعتقال من قبل الأميركيين في العراق ولشروط اللجوء المجحفة في أميركا. يقول فراس انهم قد حاولوا على مدى سنوات اتباع طريقة النقاش والحوار المنطقي والقانوني مع المفوضية، إلا أن الأوضاع تدهورت بشكل خطر، ما يهدد سلامة الناس بالمجهول. لذا، قرر أهالي المخيم الاعتصام المفتوح في المخيم وصولاً إلى الإضراب عن الطعام.



مطالب المعتصمين هي: أولاً، إيجاد حل دائم ومرض يتمثل بإعادة توطين اللاجئين حيث هم اقرباؤهم، بحكم أن معظم هؤلاء الأقرباء أصبحوا خارج الوطن العربي، في ظل رفض الدول العربية المحترمة استقبالهم، وعدم تمكنهم من العودة الى وطنهم المحتل. ثانياً، نقل اللاجئين المتبقين في «مخيم الهول» إلى مكان آمن خارج سوريا، خاصة أنهم قد فروا سابقا من الاضطهاد والموت في العراق قبل احتلاله وبعد احتلاله، وقد عانوا ما عانوه وما زالوا حتى اليوم. مع الملاحظة انه لا توجد أية جهة فلسطينية رسمية أو غير رسمية تتابع أمر اللاجئين.