القاهرة | مرسي أم شفيق؟ الإخوان أم الفلول؟ بين عشية وضحاها وجد جزء من المصريين أنفسهم بين خيارين أحلاهما مر. ولم يجدوا مخرجاً من تلك المعضلة سوى العودة إلى ميدان التحرير للتأكيد أنه سيظل قبلتهم ومحل شرعيتهم، والدعوة إلى جمعة جديدة بعنوان «مليونية العزل الشعبي لشفيق». وفور إعلان اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية رسمياً صعود مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي إلى جانب مرشح المجلس العسكري والنظام السابق أحمد شفيق، توجهت مجموعة من المصريين إلى ميدان التحرير لتأكيد رفض نتيجة الانتخابات واللجنة المشرفة عليها.
وردد العشرات هتافات «لسه يا بلدي مفيش تغيير وشفيق نجح بالتزوير»، «يا طنطاوي قول الحق زورتها ولا لأ»، «اللجنة العليا باطل ... اللجنة العليا باطل ... العسكري باطل». فرغم أن نتائج الانتخابات كانت معلومة سلفاً، كان العديد من المصريين يمنون أنفسهم بأن تظهر النتيجة النهائية تخطي أصوات المرشح المحسوب على القوى الثورية، حمدين صباحي، تلك التي حصل عليها شفيق. فالمرشح الناصري حصل على المركز الثالث. كذلك علّق المتظاهرون آمالهم على قانون العزل السياسي وإمكانية تطبيقه على شفيق ليخرج من السباق ويحل محله صباحي بوصفه ضمانة أخيرة لهم لعدم ضياع الثورة بتولي آخر رئيس وزراء نظام مبارك أو مرشح جماعة الإخوان المسلمين المنصب الأول في الدولة، إلا أن المحكمة الدستورية العليا أعلنت انها لن تبت دستورية قانون العزل قبل جولة الإعادة. متظاهرو ميدان التحرير وبعد دعوتهم إلى مليونية عزل شفيق، أعلنوا مقاطعتهم لجولة الإعادة وطلبوا من مرشح الإخوان محمد مرسي الانسحاب من الانتخابات والانضمام إلى صفوف المتظاهرين، مبررين الأمر بعدم نزاهة الانتخابات الرئاسية وحسمها سلفاً لصالح شفيق. وهو ما أكده تحالف إنقاذ الثورة الذي أصدر بياناً أمس أكد فيه أن المجلس العسكري سخّر كل أجهزة الدولة لصالح شفيق، من أجل إنجاحه والقضاء على ثورة «25 يناير».
ورغم أن غالبية المحتكمين لشرعية ميدان التحرير من المؤيدين لصباحي، إلا أن المرشح الناصري نفسه قال عبر حسابه الشخصي على موقع «تويتر» «لم أوجه أي دعوة على الاطلاق لأي أحد بالاحتشاد أو التظاهر، وليسوا جميعهم ممن أعطوا أصواتهم لي». وبرر عودة المصريين إلى ميدان التحرير بأن «مصر قالت كلمتها بوضوح: إنها بين كابوسين، وهما الاستبداد باسم الدين والاستبداد باسم الدولة»، مطالباً المتظاهرين بسلمية التعبير عن آرائهم. وعبر عن رفضه لما قام به بعض المحتجين من حرق مقر المرشح أحمد شفيق قائلاً «لا للعنف أو الإكراه أو التعرض لمقار أي مرشح أو المس بالممتلكات العامة أو الخاصة».
ورغم أن التظاهر ضد نتيجة الجولة الأولى سببه الرئيسي وصول شفيق إلى جولة الإعادة وليس الاعتراض على وصول مرشح الجماعة، إلّا أن جماعة الإخوان المسلمين قالت على لسان أحد أعضائها البارزين، إن «التظاهر ضد نتيجة الانتخابات هو خروج عن الشرعية». وقلل القيادي، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، في حديث مع «الأخبار»، من جدوى التظاهر في الوقت الذي حرص فيه مرسي على التأكيد أن حرية التظاهر والاعتصام مكفولة لكل مواطن ولكن بدون الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، في إشارة إلى حرق مقر منافسه أحمد شفيق الذي ترددت أنباء عن أن حرقه كان بمعرفة أعضاء حملتي صباحى ومرسي. وهو ما حرصت حملة مرسي على نفيه بنحو قاطع.
وفسر المراقبون العودة إلى ميدان التحرير بأن الثوار يريدون العودة إلى الثورة مرة أخرى بعيداً عن الانتخابات بأي أسلوب، لافتين إلى أن المجلس العسكري أحكم وضع قواعد اللعبة السياسية ووافقت عليها غزوة الصناديق. كما أن المادة 28 من الإعلان الدستوري، التي حشدت القوى الإسلامية جهودها لتمريرها، جعلت من اعتراض القوى الثورية الآن بلا جدوى، ولا سيما أن المجلس العسكري سيكون له مبرر لاستخدام القوة ضد الثوار للقضاء على التمرد من وجهة نظره، لأن ذلك سيمثل اعتراضاً على صندوق الانتخابات الذي ارتضوا به في البداية، كخطوة أولى لاستكمال مسلسل تشويه الثورة لدى الشعب المصري. ولفت المراقبون إلى أن الإخوان كعادتهم لن يشاركوا في أي فعاليات ثورية ما دام لديهم مصلحة، ولا سيما في ظل وجود أمل لديهم في فوز مرشحهم في جولة الإعادة، بينما حاول المرشح الإسلامي محمد مرسي، استغلال الأحداث لصالحه ومغازلة القوى السياسية، فخلال المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس، وعد مرسي بتحويل منصب الرئيس إلى«مؤسسة» رئاسية تشمل عدداً من المستشارين والنواب للاستفادة من خبراتهم وكفاءاتهم. وتحدث عن ضمان وجود الأقباط ضمن المؤسسة، قائلاً «أؤكد للجميع وأعتبر ذلك التزاماً، عندما أكون رئيساً لن يكون فرد اسمه الرئيس، ستكون مؤسسة لها نواب ليسوا من النواب والإخوان المسلمين، من القادرين على إعطاء الخبرة التزاماً وليس تشاوراً، ومستشارون من كل المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها». وأضاف «المؤسسة الرئاسية سيكون المسؤول عنها «أنا» والتصور والخطة لأبناء المؤسسة من النواب والمساعدين والمستشارين، من رجال الدولة ومرشحي الرئاسة، ممن صوت لهم الشعب بدرجة عالية، وأنا حريص وأسعى لذلك الآن وسأستمر في السعي». ورغم وعود مرسي إلا أنها تظل فضفاضة، فلم يذكر مرشحاً بعينه في منصب معين.
من جهةٍ ثانية، تعهد مرسي في حال وصوله إلى الرئاسة تشكيل حكومة ائتلافية موسعة من جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان، وفق كفاءاتهم، مضيفاً «ليس بالضرورة أن يكون رئيس الحكومة من حزب الحرية والعدالة».