غزة ــ الأخبار

بينما تحاول حركة «حماس» خلع ثوب «الأخونة» عنها أمام المصريين الذين يطلبون منها أيضاً المساعدة في مواجهة السلفية الجهادية وتفرعاتها في غزة وما بعد حدود رفح، تؤجل الحركة مواجهة حقيقة أن الفكر السلفي الوهابي ينخر عظامها في بعض مفاصل العمل التنظيمي، بدءاً من العسكر (كتائب القسام) الذين قيل إن انضمام بعضهم إلى «داعش» و«القاعدة» ومتفرعاتهما على حالات فردية وغير قيادية لا تستحق الخوف، مروراً بالجامعة الإسلامية (التجمع الأكاديمي الأكبر) التي يدرّس في كليات الشريعة فيها غالبية من متخرجي السعودية والسودان، وصولاً إلى المؤسسات الثقافية والإعلامية.
إذا كانت هذه حال التعامل مع السلفية الجهادية، برغم مراحل القسوة عبر مجموعة من الاعتقالات والتعذيب والقتل لعدد ممن مثّلوا خطراً على الأمن العام أو وجود «حماس» خاصة الشيخ عبد اللطيف موسى ومن معه عام 2009، فكيف يجري التعاطي مع السلفية الدعوية وعشرات المؤسسات التابعة لجمعيات تعمل تحت عنوان الإغاثة والمشاريع الخيرية، لكنها لا تختلف في الأدبيات عن قرينتها «الجهادية»؟
استطاع مدير «ابن باز» استقطاب عدد كبير من أنصار الحركة

في السنوات الأخيرة، برز من مجموعات التيار السلفي في الوجه المقابل لـ«حماس»، «الدعوة السلفية العلمية» التي يقودها ياسين الأسطل، وأيضا «جمعية ابن باز»، الأكثر قوة وانتشاراً في الأوساط السلفية، ومن أبرز شيوخها سلمان الداية.
إذن، التيار السلفي الأوسع تحت إطار الداية، الذي يعمل محاضراً في قسم الدراسات الإسلامية في الجامعة الإسلامية، وهو أحد المرجعيات الفكرية التي تستقطب العناصر الشابة من أبناء «حماس»، وبرغم ذلك، تربطه علاقة متينة مع قيادات الحركة. والداية «مرجع مهم» بسبب تخصصه في مجال الفقه السياسي، ولقربه من الشهيد نزار ريان، أحد قادة «حماس» واغتيل مع عائلته في الحرب الإسرائيلية عام 2008م.
اختلفت المدرسة السلفية التي فيها الداية، عن المدارس الأخرى، برفضها فكرة تكفير الجماعات الإسلامية، خاصة حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وأصدرت عدة بيانات تتبرأ فيها من «أفعال القاعدة والنصرة وداعش»، بل إلى حدّ دافع فيه الداية عن «حماس» وحكومتها في غزة، إبّان الموجة السلفية لتكفير الحركة. وبما أن رأي الشيخ وأنصاره لم يصطدم مع «حماس»، فتح ذلك الطريق لنشر فكره وبرامجه داخل صفوف الحركة ليستقطب المزيد من أنصارها. وبرغم وجود اختلاف شكلي بين ما يمثله الداية من حالة سلفية دعوية وأتباع شيوخ آخرين في ما يتعلق بـ«حماس»، فإنهما يتفقان على تكفير الشيعة واعتبارهم روافض واجباً قتالهم.
في غضون ذلك، فإن غالبية مدرّسي الأصول الدينية في «الإسلامية» من منتسبي التيار السلفي، بل إن قيادات وعناصر من الحركة تأثرت بكل من صالح الرقب ويونس الأسطل ومروان أبو راس وغيرهم. لكن الرقب تحديداً برز بسبب تكفيره العلني للشيعة واعتبارهم خارج صف المسلمين، وهو قد أصدر فتاوى بهذا الشأن حتى في مراحل التقارب بين إيران و«حماس» سابقاً.
وبالتدقيق في المناهج المتداولة بين مؤيدي «حماس» وعناصرها، فإن مرجعيات التيار السلفي من أمثال محمد عبد الوهاب وابن تيمية كتبهم منتشرة منذ سنوات، ويلاحظ ذلك بسهولة في الكليات التابعة للحركة وكذلك المساجد التي تديرها.
بالعودة إلى طرق التعاطي مع الجمعيات والمؤسسات السلفية، فإن «حماس» إن لم تكن تسهل أو ترخص لعملها، فإنها تغض النظر عن نشاطاتها بالمجمل، خاصة «ابن باز» التي تنظم الملتقيات الدعوية والفكرية وتصدر نشرات في بعضها تكفير لفصائل فلسطينية بسبب العلاقة بينها وبين إيران.
ووفق ما تورد أوساط سلفية، فإن «حماس» كانت حريصة على الابتعاد عن الخلاف مع هذه الجمعيات في ظل ما تتلقاه من دعم خليجي لعدد من المشاريع في غزة، علماً بأن هذه الجمعيات على تواصل مع دول كالسعودية والكويت وقطر، تُعنى الحركة بعلاقة بها. وتضيف تلك الأوساط أن «الدعم المالي الذي قدمته بعض الجمعيات الخيرية السلفية لمؤسسات تابعة لحماس قد تأثر سلباً بفعل الاحتكاك بين حماس وجماعات من التيار السلفي».
يشار إلى أنه في منتصف العام الماضي، أصدر أحد قياديي الحركة أحمد يوسف، دراسة عن العلاقة بين حركته والجماعات السلفية، حاول فيها تذويب الخلافات بينها وبين «المجلس العلمي للدعوة السلفية» الذي يديره ياسين الأسطل، المعروف بتأييده لرئيس السلطة محمود عباس ورفضه «انقلاب حماس على الشرعية».
-----------
انسرت