تونس | وصفت رئيسة جمعية القضاة التونسيين، الحقوقية البارزة، كلثوم كنّو، أن إعفاء 81 قاضياً من مهماتهم دفعة واحدة هو مناورة سياسية يراد بها السيطرة على الجسم القضائي، بأسلوب النظام السابق نفسه، الذي حاصر القضاة ووظّف قضاته في التنكيل بالمعارضين وحماية الفساد. وعبّرت كنّو عن رفضها لإعفاء القضاة من حيث الشّكل، وأكدّت أن ذلك يجب أن يكون من صلاحيات الهيكل القضائي، لا وزارة العدل.
تصريح كنّو أتى في بداية الجلسة التي عقدتها جمعية القضاة التونسيين، أول من أمس، في العاصمة، بعد إعلان وزارة العدل إعفاء 81 قاضياً من مهماتهم، استجابة لأحد مطالب الثورة بتطهير القضاء. ورأى وزير العدل، القيادي في حركة النهضة، نور الدين البحيري، أنّ هذا القرار اتخذ بعد دراسة مستفيضة لكل الملفات، وأكدّ أن هناك دفعة أخرى من القضاة المعزولين سيعلن عنها قريباً لتطهير الجهاز القضائي، الذي لا يزال ينخره الفساد حتّى بعد ثورة «14 جانفي».
قرار البحيري، اعتبره عدد من الناشطين السياسيين قراراً صائباً وحكيماً، على اعتبار أن الفساد المنتشر في الجسم القضائي أصبح يتداوله الشارع التونسي وبعض الأحزاب منذ انطلاقة «ثورة الياسمين»، وخاصة الأحزاب الراديكالية كحزب العمّال الشيوعي التونسي، وحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية». وقد اتّهمت هذه الأحزاب الحكومة، التي تسيطر عليها حركة النهضة الإسلامية، بأنّها تحابي المفسدين، وتسعى إلى حمايتهم بهدف تأمين مصالحها الحزبية الضيقة عبر ضمان مساندة رجال العمال وبعض النافذين إبان العهد السّابق، استعداداً للانتخابات المقبلة.
واجه القضاة هذا القرار المفاجئ بإعلان التصعيد، واعتبروه محاولة يائسة لتركيع جهاز القضاء. ورأى الرئيس السابق للجمعية، أحمد الرحموني، الذي واجه نظام بن علي دفاعاً عن استقلالية القضاء، أن المشروع الذي أعدّته الحكومة لتنظيم جهاز القضاء هو مشروع مشبوه ولا يرقى الى مطالب القضاة باستقلالية الجهاز القضائي. ولم يختلف موقف القاضية روضة قرافي، نائبة رئيسة الجمعية، التي التقت مواقفها مع عدد من القضاة حول عزل 81 من زملائهم على رفض الطريقة التي تمّ بها قرار الإعفاء، وأكدوأ أنّهم مع تطهير القضاء عبر الهياكل المنتخبة التي يختارها القضاة، وليس ضمن آليات السلطة التنفيذية الساعية الى السيطرة على هذا الجسم الحيوي في البناء الديموقراطي الذي تسعى إليه تونس.
القضاة المجتمعون، بدعوة من جمعيتهم، رفضوا قرار الوزير من حيث المبدأ، وطالبوا بالإسراع في إحداث جهاز للنظر في ملفات الفساد وتحديد المسؤوليات ضمن استقلالية تامة عن السلطة التنفيذية المتهمة بالتراخي في تحقيق مطلب القضاة الأساسي، أي انتخاب هيئة عليا للقضاء تكون مستقلة تماماً عن السّلطة السياسية ولا يتدخّل بها وزير العدل.
وبغضّ النظر عن قائمة الأسماء المعفاة وعن مدى تورّطهم في الفساد، يصرّ القضاة على إيجاد هيكلية تفتح ملفات الفساد القضائي بعيداً عن منطق تصفية الحسابات أو الولاء السياسي، لأن التراخي في إيجاد هذه الهيكلية يرجع الجسم القضائي الى النقطة الصفر، أي إلى ما قبل ثورة «14 جانفي».
وأعلن القضاة في اجتماعهم استعدادهم للنضال دفاعاً عن استقلاليتهم، بما فيها الإضراب العام. ورأوا أن طريقة إعفاء زملائهم ضرب لاستقلالية القضاء.
بعد معركة استقلالية الإعلام، وخاصة الإعلام الرسمي، جاء دور القضاء. فشعار «التطهير» المرفوع في الإعلام والقضاء قد يتحول الى «باب للهيمنة والسيطرة على هذين الجسمين الحيويّين»، ما يخشاه الناشطون الحقوقيون ومعارضو «الترويكا» الحاكمة، وخاصة رأسها، حزب النهضة.