غزّة | شكّلت الموافقة التي منحتها حكومة «حماس» للجنة الانتخابات المركزية من أجل الشروع في عملها لتحديث السجل الانتخابي في قطاع غزّة، مؤشراً مهماً، وتنازلاً من قبل الحركة، التي اشترطت مراراً أن يبدأ رئيس السلطة، زعيم حركة «فتح»، محمود عباس، مشاورات لتأليف حكومة التوافق الوطني بموجب «إعلان الدوحة»، قبل السماح بعمل لجنة الانتخابات في القطاع، وهو ما يضفي جدية على مساعي الحركتين لتنفيذ اتفاقهما الجديد في القاهرة الأسبوع الماضي، لوضع اتفاق المصالحة موضع التنفيذ على الأرض.
ورأى مراقبون للشأن الفلسطيني أن الحركتين تخلّتا عن الرهان على المتغيرات الإقليمية والدولية، وخصوصاً الرهان من جانب «حماس» على انتخابات قد تأتي برئيس «إخواني» في مصر، ورهان عباس على إمكان العودة إلى مفاوضات جادة مع «إسرائيل»، ما يجعل من المصالحة الخيار والرهان الأفضل وربما الأوحد لكليهما.
وفي خطوة مهمة تدشن الطريق نحو تطبيق اتفاق حركتي «فتح» و«حماس» الموقّع في 20 من الشهر الجاري، لتنفيذ «إعلان الدوحة» وتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، أعلنت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية الشروع بعملها رسمياً في قطاع غزة، أمس، وذلك عقب لقاء وفدها، برئاسة رئيسها حنا ناصر، رئيس الحكومة التي تديرها «حماس» اسماعيل هنية. وقال ناصر، في مؤتمر صحافي عقب اللقاء بهنية، إن لجنة الانتخابات بحاجة إلى ستة أسابيع للانتهاء من تحديث السجل الانتخابي، مشيراً إلى أنها ستنسق في ذلك مع مجلس وزراء حكومة «حماس»، تنفيذاً لتفاهمات المصالحة الفلسطينية. وأكّد أن لجنة الانتخابات «تعمل بثقة كاملة وتامة بعد مباركة هنية لدورها».
بدوره، قال نائب هنية، محمد عوض، إن «اللجنة يمكنها أن تبدأ العمل فوراً دون أي تأخير أو اشتراطات مسبقة على عملها الفني». وتعهد بتسهيل الحكومة في غزة عمل اللجنة، معرباً عن أمله في أن تشكل هذه الخطوة بداية لتنفيذ تفاهمات المصالحة الفلسطينية عبر خطوات حقيقية لتأليف حكومة التوافق والبدء بالتحضير للانتخابات العامة، إلى جانب إعادة تنظيم منظمة التحرير والتفاهم على البرنامج السياسي المشترك. وأضاف عوض «آمل أن يكون عمل اللجنة ممتداً على كل قطاعات الوطن، وأن يكون شاملاً القدس الشريف وأن تكون تلك الخطوة ضمن باكورة إنهاء أي انقسام في الساحة الفلسطينية لكي يشعر المواطن بأن المصالحة قد بدأت في اتجاه تشكيل الحكومة واستكمال باقي الملفات».
وكان وفد لجنة الانتخابات المركزية قد وصل إلى غزة آتياً من الضفة الغربية، تنفيذاً لاتفاق عقد بين «فتح» و«حماس» في القاهرة، ينص على بدء عمل لجنة الانتخابات في 27 من الشهر نفسه، على أن تبدأ بالتزامن معها مشاورات تأليف الحكومة. وبعد 10 أيام، يعقد كل من عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل مؤتمراً صحافياً لإعلان تشكيلة الحكومة، وهو ما أُعلن أنه سيجري في 6 حزيران المقبل.
وستعمل اللجنة على بدء التحضير للانتخابات، وخصوصاً في ما يتعلق بتحديث السجل الانتخابي لسكان القطاع، بهدف إضافة نحو 250 ألف ناخب غير مسجلين على مدار الأعوام الأربعة الماضية. وكانت حكومة «حماس» قد أغلقت منتصف عام 2009 مقارّ لجنة الانتخابات المركزية في غزة، قبل أن تسمح في كانون الثاني الماضي بإعادة فتحها، من دون أن تبدأ بالتحضير للانتخابات. ووفقاً لاتفاق «حماس» و«فتح»، فإن الحكومة التي سيرأسها محمود عباس، ستستمر ستة أشهر، على أن يتم تأليف حكومة جديدة في نهاية هذه الفترة في حال عدم إجراء انتخابات فلسطينية عامة حتى نهاية العام الجاري. وحسب التفاهمات، فمن المقرر أن يحدد عباس، عقب انتهاء عمل لجنة الانتخابات المركزية، موعداً جديداً للانتخابات العامة بناءً على مشاورات مع الفصائل الفلسطينية سعياً إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني القائم منذ سيطرة حركة «حماس» على القطاع الساحلي المحاصر في حزيران 2007.
وتعطل تنفيذ «إعلان الدوحة» الموقّع بين الحركتين مطلع شباط الماضي، برعاية قطرية، بسبب رفض حركة «حماس» السماح بعمل لجنة الانتخابات قبل شروع عباس بتأليف حكومة التوافق، بينما اشترطت «فتح» أن يسبق عمل اللجنة في غزة تأليف الحكومة.
وفي السياق، أعلن القيادي الحمساوي، إسماعيل الأشقر، عقب لقاء قيادة الحركة بوفد اللجنة، أنه تم بحث كل القضايا المتعلقة بمهمات اللجنة، وفي مقدّمها الطواقم الفنية وكيفية تشكيلها وآلياتها، وكذلك تحديث السجل الانتخابي ومطابقته للسجل المدني ورقابة الفصائل على المهمات والأداء. وذكر أن «حماس» ستسمي ممثلها أمام اللجنة المركزية للتواصل والتنسيق معها على الأرض. وتمنى أن تؤدي اللجنة المركزية مهماتها وتقوم بعملها على أكمل وجه وبكل شفافية وصدقية.
وعلى وقع عمل لجنة الانتخابات في غزّة، دعا عضو اللجنة المركزية لـ«فتح»، رئيس وفدها إلى الحوار الوطني، عزام الأحمد، الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى «الثورة على قيادتهم الفلسطينية في حال فشل حركتي فتح وحماس في تطبيق المصالحة». وأكد لصحيفة «فلسطين» القريبة من «حماس» في غزة، أن «الشعب الفلسطيني لا يستطيع أن يتحمل الكثير، في ظل أزمة فلسطينية مستمرة منذ خمس سنوات بفعل الانقسام». وقال إن «المصالحة قضية وطنية وتعدّ امتحاناً لكلا الطرفين»، مشدداً على ضرورة عدم وضع العقبات أمام تطبيقها «ففي حال فشلها، لا نستطيع لوم إسرائيل، ولا الولايات المتحدة بوقف تمويلها للسلطة الفلسطينية». وشدد على أن «الحرص على المصالحة لا يضع العراقيل أمام تطبيقها على أرض الواقع، ويجب إنهاء الانقسام الفلسطيني في أقرب وقت ممكن».