نيويورك | بعد جولة مشاورات طويلة، خرج مجلس الأمن الدولي ببيان صحافي يدين القتل في بلدة الحولة السورية. وقبيل المناقشات، أبلغ رئيس بعثة المراقبين الدوليين في سوريا، الجنرال روبرت مود، أعضاء مجلس الأمن بأن المجزرة في الحولة أسفرت عن 108 قتلى و300 جريح، وفق ما أفادت مصادر دبلوماسية. وأوضح مود أن الضحايا أصيبوا بـ«شظايا قذائف» أو قتلوا «عن مسافة قريبة».
وشهدت الجلسة خلافاً شديداً على لغة البيان وعلى ضرورته. وكان الوفد الروسي يؤثر التريث حتى خروج نتائج التحقيق السوري، الذي تشارك فيه عناصر من فريق المراقبين الدوليين خلال ثلاثة أيام، ونتائج اجتماعات المبعوث المشترك كوفي أنان مع القيادة السورية.
وقال بيان غير ملزم أصدره المجلس «يدين مجلس الأمن بأقوى العبارات الممكنة عمليات القتل التي أكدها مراقبو الأمم المتحدة لعشرات الرجال والنساء والأطفال وإصابة مئات آخرين في قرية (الحولة) قرب حمص، في هجمات شملت قصفاً بالمدفعية والدبابات الحكومية لحيّ سكني».
وقال البيان، الذي تلاه نائب سفير أذربيجان لدى الأمم المتحدة توفيق موساييف بعد الاجتماع الطارئ للمجلس والذي استمر ثلاث ساعات، «يدين مجلس الأمن أيضاً قتل مدنيين بإطلاق الرصاص عليهم من مسافة قريبة والانتهاكات البدنية الجسيمة». ويشكل مثل هذا الاستخدام الصارخ للقوة ضد السكان المدنيين خرقاً للقانون الدولي المطبق ولالتزامات الحكومة السورية بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي»، بحسب البيان.
وكرر أعضاء المجلس دعوتهم إلى وقف كل أشكال العنف من أي جهة أتت. ودعا إلى جلب الفاعلين إلى العدالة. وطلب من الأمين العام للأمم المتحدة وبعثة «اليونسميس» مواصلة التحقيق في الهجمات ونقل تقرير عنها إلى مجلس الأمن.
وطلب المجلس من الحكومة السورية «الكف فوراً عن استخدام الأسلحة الثقيلة» من المدن السورية و«سحب قواتها وأسلحتها الثقيلة فوراً» من المدن لإعادتها الى الثكن تطبيقاً لخطة أنان.
وجدد الإعلان الصادر عن مجلس الأمن «التأكيد أن كل أشكال العنف الممارسة من كل الأطراف يجب أن تتوقف»، مضيفاً «المسؤولون عن أعمال العنف يجب أن يعاقبوا».
وكررت الدول الـ 15 الأعضاء دعمها لجهود أنان، وطالبته بنقل مطالب المجلس «بأوضح العبارات» الى الحكومة السورية.
ودعا بشار الجعفري مندوب سوريا بعد الجلسة إلى التمعن في الحقائق ووضع ما يجري في سوريا في إطاره الإقليمي والدولي، مذكراً بأن مذبحة الحولة تشبه تلك المذابح الجزائرية التي وقعت في تسعينيات القرن الماضي. وتساءل عن مغزى حدوثها عشية اجتماعات مقررة لمجلس الأمن. وشرح الجعفري للمراسلين كيفية وقوع المجزرة من خلال معارك دارت زهاء تسع ساعات، متهماً الجماعات «الإرهابية المسلحة» بارتكابها.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، إن مقتل مدنيين في الحولة حدث مأسوي «يستحق الإدانة»، لكنه أضاف إن من الضروري فهم ما حدث. وتابع إن موسكو ستنتظر «تقييمات موضوعية» من بعثة الأمم المتحدة هناك.
وقال مساعد الممثل الدائم لروسيا في الأمم المتحدة، ايغور بانكين، للصحافيين «علينا أن نتأكد ما إذا كانت السلطات السورية» مسؤولة عن المجزرة، لافتاً الى أن «معظم» الضحايا قضوا بالسلاح الأبيض أو «أعدموا عن قرب».
وكان من الضروري بالنسبة إلى الدول الغربية الخروج بأي موقف من مجلس الأمن، مهما كان هزيلاً لأنه أفضل من لا شيء. ولقد بدأت فرنسا السبت بطرح بيان صحافي شديد اللهجة يدين القوات النظامية على القصف والمسؤولية عن المجزرة الشنيعة التي وقعت، ويطالب بالتحقيق مع المسؤولين ومحاكمتهم. بيان دعمته الدول الغربية الأخرى، وكان يمكن أن يعتمد لولا خرق الوفد الروسي «قاعدة الصمت». وكان لهؤلاء حججهم على الاعتراض، أهمها أن ما جرى يحتاج إلى التحقيق وشهادة شهود عيان محايدين.
أما مندوب بريطانيا، مارك لايال غرانت، فقال رداً على ذلك للمراسلين، قبل دخول جلسة مجلس الأمن الطارئة، أمس، إن مجرد وجود قوات حكومية وأسلحة ثقيلة حول الحولة يعدّ في حد ذاته خرقاً لقرارات مجلس الأمن. وفور خروجه من الجلسة، أعلن غرانت أن بيان مجلس الأمن ليس كافياً وأن المجلس سوف يجتمع مجدداً لبحث الخطوات المطلوب اتخاذها. ومن المقرر أن يخاطب أنان مجلس الأمن مجدداً بعد غد الأربعاء لإحاطته بآخر التطورات.
وفي دمشق، نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي مسؤولية القوات السورية عن المجزرة. وقال، في مؤتمر صحافي عقده أمس، «إننا ننفي نفياً قاطعاً مسؤولية القوات الحكومية عن هذه المجزرة التي وقعت، والمدانة بشدة. وأوضح مقدسي في معرض حديثه عما جرى أن «المسلحين توجهوا الى منطقة الحولة التي تحرسها القوات الحكومية بـ 5 نقاط فقط، وهي خارج الأمكنة التي ارتكبت فيها هذه المجازر». وقال «هاجمت المجموعات المسلحة المراكز العسكرية منذ الساعة الثانية من ظهر يوم الجمعة، واستمرت العمليات حتى الساعة 11 ليلاً، حيث قتل 3 من عناصر قوى الأمن وجرح 16». وتابع «وجدت جثث متفحمة جراء الأسلحة الثقيلة المستخدمة من قبل المجموعات المسلحة». وأضاف إن المسلحين استخدموا سيارات بيك آب مدججة بالسلاح الثقيل.
وكشف المتحدث السوري أن «السلطات العليا السورية شكلت لجنة من وزارات الدفاع والداخلية والعدل للتحقيق في المجزرة، على أن تنجز مهماتها خلال ثلاثة أيام».
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أمس في رسالة الى مجلس الأمن إن مراقبي المنظمة الدولية في سوريا أكدوا أن قذائف المدفعية والدبابات أطلقت على الحولة. وقالت الرسالة إن المراقبين «شاهدوا جثث القتلى، وأكدوا بعد فحص الذخيرة أن قذائف المدفعية ومدافع الدبابات أطلقت على حي سكني.
من جهته، قال رئيس المجلس الوطني السوري المعارض المستقيل برهان غليون، في مؤتمر صحافي عقده في اسطنبول، «إذا فشل المجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته تحت الفصل السابع، فلن يكون هناك من خيار أمام الشعب السوري سوى تلبية نداء الواجب وخوض معركة التحرير والكرامة، معتمداً على قواته الذاتية وعلى الثوار المنتشرين في كل أنحاء الوطن وعلى كتائب الجيش الحر وأصدقائه المخلصين».
من جانبه، حمّل عضو المكتب التنفيذي في هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي في سوريا، منذر خدام، «الجميع، سلطة ومعارضة، المسؤولية في ارتكاب المجزرة التي سقط خلالها أبرياء».
ودعا «الجيش السوري الحر» مجلس الأمن والمجتمع الدولي الى «تحمل المسؤولية وإعلان فشل خطة أنان واتخاذ قرارات سريعة وحاسمة لإنقاذ سوريا وشعبها وإنقاذ المنطقة برمتها بتشكيل ائتلاف عسكري دولي خارج مجلس الأمن لتوجيه ضربات جوية الى مفاصل النظام العسكرية والأمنية».
وذكر بيان لحزب الله أنه «يدين بقوة هذه المجزرة ويندد بشدة بالذين قاموا بها».
وتحدثت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون عن «فعل شائن ارتكبه النظام السوري ضد شعبه المدني». وطالبت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بمحاسبة المسؤولين عن القتل. وقال متحدث باسم البيت الأبيض «هذه الأفعال تمثل صورة حقيرة لنظام غير مشروع».
وقالت فرنسا إنها ستدعو الى اجتماع لمجموعة أصدقاء سوريا. وأعلنت بريطانيا أنها ستستدعي السفير السوري بشأن المذبحة. كما أعلنت الكويت أنها تجري اتصالات مع باقي الدول العربية لعقد اجتماع طارئ للمجلس الوزاري للجامعة العربية. ودعا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى «إنجاز التحول» في سوريا.