القاهرة | بين مطرقة الفلول وسندان التيار الإسلامي، يقف المصريون في حيرة من أمرهم لمن سيصوتون في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية؛ لنظام حسني مبارك المتمثل بآخر رئيس لحكوماته، أحمد شفيق، الراعي الرسمي لمعركة الجمل، أم لجماعة الإخوان المسلمين التي لم تكتف بالسيطرة على السلطة التشريعية، بل تريد بسط نفوذها على سلطات الدولة الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية وتحويل مصر إلى إمارة إسلامية يحكمها المرشد العام للجماعة، ممثلاً برئيس الحزب الناطق بلسانها محمد مرسي، أم المقاطعة هي الحل؟
مرسي ووصيفه شفيق من جانبهما لم يدّخرا جهداً لمحاولة استقطاب كل القوى والتيارات التي من شأنها إقناع المصريين بالتصويت لمصلحة كل منهما. المرشح الحاصل على المركز الأول في الجولة الأولى من الانتخابات المصرية، محمد مرسي، رفع شعار الثورة هي الحل، في محاولة لحشد كل القوى الثورية إلى جانبه، محذراً من انتخاب شفيق وإعادة إنتاج نظام مبارك. جماعة الإخوان المسلمين، التي ترى في معركة الرئاسة معركة وجود «أكون أو لا أكون»، قامت باتصالات مكثفة مع كل منافسيها السياسيين والرئاسيين، ولا سيما المرشحين حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح، مبررةً الأمر بضرورة التوحد لمنع سرقة الثورة. مرسي، بمساندة جماعته، دعا الى اجتماع تشاوري يضم كل مرشحي الرئاسة أمس، إلا أن غالبية مرشحي الرئاسة اعتذروا عن عدم حضوره. فأعلن المرشحان حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح، اللذان تقل نسبة أصواتهما بفارق لا يتعدى ثماني نقاط مئوية عن مرسي وشفيق، اعتذارهما عن المشاركة في الاجتماع. بدوره، اعتذر المرشح اليساري خالد علي، أبرز المحسوبين على القوى الثورية، عن عدم الحضور، مبرراً الأمر بأنه يسعى إلى الاتصال بعدد من القوى المدنية والشخصيات العامة لعقد اجتماع للتشاور في ما بينها أولاً للتوافق على مطالب الثورة قبل إعلان دعم مرشح بعينه ممثلاً للثورة. أما المرشح الإسلامي محمد سليم العوا فاكتفى بالاعتذار عن عدم الحضور لظروف مرضية، فيما تباين موقف المرشح عمرو موسى من دعم مرسي من عدمه. ففي الوقت الذي أعلنت فيه مصادر من داخل الجماعة أن مرسي حصل على دعم وتأييد عمرو موسى، نفت حملة الأخير في بيان رسمي دعم الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية لأي مرشح من مرشحي الرئاسة في جولة الإعادة. وأوضحت أن «الحملة لم تقرر بعد موقفها تجاه أي من مرشحي الرئاسة فى جولة الإعادة». ولم تكتف الحملة بذلك، بل أكدت عدم حضور موسى اجتماع القوى السياسية الذي دعا إليه حزب الحرية والعدالة، مضيفةً إن نتيجة الانتخابات التي جاءت بشفيق ومرسي لا تزال محل شك. واستندت في ذلك إلى البلاغ الذى تقدم به أحد ضباط الشرطة للنائب العام، يتهم فيه مجموعة من الضباط بإصدار بطاقات رقم قومي لأمناء ومجندي شرطة أمن مركزي من محافظة الجيزة للسماح لهم بالتصويت في الانتخابات الرئاسية لمصلحة شفيق، مطالبين النائب العام بسرعة التحقيق فيه.
في هذه الأثناء، لوحت الجماعة على لسان نائب رئيس حزبها عصام العريان باستعدادها لتعيين نائبين لمرسي في حال فوزه بالرئاسة من القوى المدنية. ولم يستبعد أن يكونا صباحي وأبو الفتوح، لكنه اكتفى بالتأكيد «الله وفقنا وتواصلنا مع المناضل حمدين صباحي والمجاهد عبد المنعم أبو الفتوح والدبلوماسي القدير عمرو موسى لتوحيد الهدف وقطع الطريق على رجال النظام السابق».
أما غالبية القوى والتيارات الثورية، إضافة إلى قوى الإسلام السياسي، فلم تجد مخرجاً من معضلة الانتخابات الرئاسية التي فرضت عليها خيارين أحلاهما مر، سوى إعلان التأييد لمرسي تنفيذاً للمثل الشعبي المصري «أنا وأخويا على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب». وهو ما حرص موقع جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك موقع «مرسي رئيساً»، على إظهاره. فمن جهتها، قررت الهيئة العليا لحزب النور السلفي، دعم مرشح جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية، خلال انتخابات جولة الإعادة ضد شفيق، وهو الموقف نفسه تقريباً الذي أعلنته الجماعة الإسلامية. بل أعلن بعض قادتها تدشينهم لمبادرة «لمّ الشمل لمواجهة الفلول» لحشد القوى الوطنية والتيارات الإسلامية لدعم مرسي. وتناقلت مواقع جماعة الإخوان المسلمين تصريحات لعدد من الشخصيات العامة يعلنون دعمهم لمرسي كالكاتب علاء الأسواني والمخرج خالد يوسف، اللذين كانا يدعمان حمدين صباحي في الجولة الأولى من الانتخابات.
شفيق، من جهته، حاول أيضاً التمسح بالثورة والثوار في محاولات فاشلة حتى الآن لنفي علاقاته بالنظام المخلوع. ونفى في مؤتمر صحافي عقده أول من أمس اتهامه «بأنه سيسعى إلى إعادة ترميم نظام حسني مبارك»، معتبراً أن تلك الاتهامات تأتي ضمن الحرب التي يشنها أعداؤه عليه، بهدف الإساءة إليه ومحاربته انتخابياً.
الطريف في ما قاله شفيق خلال المؤتمر أنه يسعى من خلال برنامجه الى تحقيق أهداف ثورة «25 يناير» في توفير هدفها المعلن منذ اليوم الأول والمتمثل بتوفير «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية». وغازل شفيق الشباب، قائلاً إنه سيمنحهم الفرصة ليحصلوا على كل حقوقهم. وأضاف موجهاً حديثه لهم «لقد اختطفت منكم الثورة التي فجرتموها، وأتعهد بأن أعيد ثمارها إلى أياديكم».
كذلك غازل شفيق أهالي شهداء الثورة، بالتزامن مع تأكيده أنه «لا يجد أي غضاضة في أن يعين رئيساً للوزراء من حزب الحرية والعدالة لحصولهم على الأغلبية في مجلسي الشعب والشورى». كما حاول شفيق استمالة الناخبين، الذين منحوا أصواتهم لمنافسيه حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح، وعمرو موسى.