الخرطوم | أقلّ ناصر عوض الله أبناءه الثلاثة في سيارته «البرادو» صباح أول من أمس، ليوصلهم إلى مدرستهم «الميرغنية الخاصة للأساس» بحي المطار الراقي في مدينة بورتسودان. ودّع الأبناء الثلاثة والدهم الستيني بنظرات لم يدروا أنها ستكون الأخيرة. فبعد دقائق معدودة من مفارقته لهم، ومع دخوله بسيارته إلى ملتقى الطرق في طريقه إلى مكان عمله بوسط المدينة، تعرّضت سيارته لقصف صاروخي مجهول المصدر، فجّر السيارة فوراً وأحالها إلى كتلة متفحّمة، ما أودى بحياة ناصر ومعه سرّه الغامض، كما ذهب من قبل في نيسان من العام الماضي رفيقاه عيسى حامد هدّاب ومرافقه في حادثة العربة «السوناتا» الشهيرة، والتي أقرت إسرائيل بأنها هي التي ضربتها، بذريعة محاربتها لعمليات تهريب السلاح إلى قطاع غزة. وروى شاهد، فضل عدم الكشف عن اسمه، التفاصيل التي أعقبت وقوع الحادث، قائلاً إن آثار الدماء بدت واضحة على الاسفلت بالقرب من السيارة المحترقة، وإن الانفجار أحدث حفرتين بمحيط 30 إلى 140 سنتمتراً. كما لفت إلى أن دقة الضربة كانت واضحة، بدليل وجود سيارة «أكسنت» خلف السيارة المستهدفة، لم تتعرض لأي شيء، مضيفاً بأنها لا تزال واقفة في مكانها.
كذلك روى بعض من استطلعتهم «الأخبار»، من سكان حي المطار، جانباً من حياة ناصر، مشيرين إلى أنه رجل أعمال معروف يعمل في مجال العقارات، بالإضافة إلى أعمال أخرى. وأوضحوا أن أهالي المنطقة لاحظوا على أسرته علامات الثراء السريع، وتحدث آخرون عن روابط وصلات قربى بينه وبين ضحايا «السوناتا»، ما يشير إلى أن النشاط الذي تستهدفه إسرائيل هو نشاط واحد. وبينما تعددت الروايات حول تفاصيل عملية التفجير الأخيرة، ومن يقف وراءها؛ سارعت الحكومة إلى توجيه أصابع الاتهام لإسرائيل بتبنّي العملية، إذ رجّح وزير الخارجية علي كرتي في تصريحات صحافية، أمس، وقوف اسرائيل وراء الحادث، وقال إن أسلوب التفجير يماثل الطريقة التي نفذتها إسرائيل العام الماضي. وعزا كرتي إقدام إسرائيل على تنفيذ تلك الهجمات إلى توهمها بأن السودان يدعم بعض الفصائل الفلسطينية بالسلاح.
إلا أن الحكومة الاسرائيلية لم تعلّق على الحادثة، واكتفت بنقل الخبر من وكالة الأنباء السودانية الرسمية. وأعادت الحادثة إلى الأذهان أول ضربة وجهتها «ذراع إسرائيل الطويلة» داخل السودان. ففي كانون الثاني من عام 2009، قصفت الطائرات الإسرائيلية قافلة شحن سودانية بالبحر الأحمر، بحجة تهريبها أسلحةً وقتلت حوالى 39 شخصاً، ولم تكشف الحكومة عن الحادث إلا بعد شهرين من وقوعه.
وفي السياق، أشار الخبير الاستراتيجي عاصم فتح الرحمن إلى أن ساحل البحر الأحمر في وجهة نظر أميركا وإسرائيل يمثّل قاعدة تهريب أسلحة إلى قطاع غزة. وأضاف بأن هناك نشاطاً استخبارياً كبيراً بالبحر الأحمر، تقوم به أميركا وإسرائيل لإعاقة عمليات تهريب الأسلحة، فضلاً عما يمكن أن تقوم به السفن الراسية على الساحل من رصد لتلك العمليات. ويعتقد فتح الرحمن بأن السلطات السودانية لا علم لها بعمليات تهريب البشر والسلاح التي تتم هناك، وذلك لأن الأرض شاسعة وممتدة، لكنه أبدى دهشته من صمت وزارة الدفاع تجاه هذه الحوادث المتكررة. وقال إنه لأمر غريب أن يحدث ذلك، في ظل وجود رئاسة الدفاع الجوي ببورتسودان، ومعتبراً أن ما تم قصد به توصيل رسالة من أميركا وإسرائيل مفادها أننا قادرون على ضربكم في عمق بلدكم.