القاهرة | يختلف حمدين صباحي عن المرشحين الخمسة الأبرز لرئاسة الجمهورية المصرية؛ عمرو موسى، ومحمد مرسي، وعبد المنعم أبو الفتوح، وأحمد شفيق. يختلف عنهم بتاريخه النضالي المليء بإشارات وعلامات تؤكد أنه فعلاً واحد من الناس الغلابة، فكان اعتقاله عام 1997 أثناء مشاركته بما سمي وقتها «معركة الفلاحين ضد قانون المالك والمستأجر»، وهو القانون الذي سعى نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك من خلاله إلى انتزاع الأراضي الزراعية من الفلاحين وإعادتها للإقطاعيين الجدد. انتهى الأمر باعتصام الفلاحين واعتقال صباحي وزجّه في سجون النظام.
لم تكن تلك المرة الأولى التي يعتقل فيها صباحي، فقد كان أصغر المعتقلين في الهجمة التي قام بها الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981، والتي عرفت بـ«اعتقالات سبتمبر»، التي ألقي القبض فيها على قادة ورموز الحركة الوطنية المصرية المعارضين لسياسات السادات بالتطبيع مع الكيان الصهيوني.
اعتقل حمدين، مرة أخرى، نهاية الثمانينيات بتهمة المشاركة في تنظيم «ثورة مصر» بقيادة محمود نور الدين، وهو التنظيم الذي قام بعمليات اغتيال لعناصر صهيونية، وأميركية في مصر، واتهم حمدين حينها بأنه «أحد قادة الجناح السياسي لتنظيم ثورة مصر المسلح».
تكرر اعتقال حمدين بعد ذلك، وهو يعدّ أول نائب بمجلس الشعب يتم اعتقاله لمشاركته وقيادته لتظاهرات ضدّ السماح للسفن الحربية الأميركية بالمرور عبر قناة السويس للمشاركة في الحرب على العراق عام 2003.
يتميّز حمدين عن غيره من المرشحين، أيضاً، بأنه من أبوين بسيطين من قرية بمحافظة كفر الشيخ شمال القاهرة. كان والده فلاحاً، كأي فلاح مصري عانى الظلم قبل ثورة يوليو عام 1952. وهو ما دفع بالطالب في المرحلة الثانوية إلى السعي لتأسيس ما سمي «رابطة الطلاب الناصريين». يروي الرجل الخمسيني أنه لولا جمال عبد الناصر لما كان هو حمدين صباحي المرشح لرئاسة الجمهورية اليوم. فبفضل مجانية التعليم، وصل إلى كلية الإعلام في جامعة القاهرة، وتخرج منها. وكان رئيساً لاتحاد الطلبة فيها، ورئيساً لاتحاد طلاب جامعة القاهرة 1975– 1976، ونائباً لرئيس الاتحاد العام لطلاب مصر 1975 – 1977.
في تلك الأثناء، كان يرى مع مجموعه كبيرة من رفاقه في الجامعة أن الرئيس السادات «يسير على خطى عبد الناصر بالممحاة»، وينحاز نظامه نحو طبقة رأسمالية جديدة تتحكم في اقتصاد البلاد، فباشروا في تأسيس «نادي الفكر الناصري» في جامعة القاهرة، لينتشر بعدها في جامعات مصر، وصولاً إلى تأسيس اتحاد أندية الفكر الناصري. في عام 1977، وعقب الانتفاضة الشعبية المصرية ضد السياسات الاقتصادية للسادات، كانت المداخلة الشهيرة لحمدين صباحي أثناء لقاء السادات بمجموعة من طلاب الجامعة. وقف صباحي، في العشرينيات من عمره، أمام رئيس الدولة ينتقد سياساته الاقتصادية وانتشار الفساد الحكومي، مندداً بموقف نظام السادات في قضية العلاقات مع العدو الصهيوني في أعقاب حرب أكتوبر.
أنهى الطالب الناصري دراسته لينخرط في العمل السياسي، ويساهم في تأسيس الحزب الاشتراكي العربي، ثم كان واحداً من المؤسسين للحزب العربي الناصري، قبل أن يختلف مع رفاقه المعروفين بـ«دراويش عبد الناصر»، الذين عانوا من تهميشهم كشباب داخل الأحزاب، فكان قرار الانفصال عن الحزب، وتأسيس حزب «الكرامة». لم يبصر الحزب النور رسمياً إلا بعد ثورة «25 يناير» بعد رفض لجنة شؤون الأحزاب، المسيطر عليها من رجال النظام.
خاض صباحي معارك كثيرة، كان من أهمها داخل البرلمان عام 2008، حين أثار قضية تصدير الغاز المصري إلى الكيان الصهيوني، مطالباً، كأول برلماني، بوقف تصدير الغاز إلى دولة الاحتلال. في العام نفسه، كان حمدين أول نائب مصري يكسر الحصار الذي تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي على غزة، إذ دخل القطاع المحاصر والتقى قادة من حماس ليبلغهم دعم الشعب المصري لهم، ووقوفه إلى جانبهم حتى تحرير كامل الأراضي الفلسطينية. وأكد دعمه لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية. موقف ليس بغريب على رجل دعم المقاومة اللبنانية علناً أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006.
داخل مجلس الشعب، كان صباحي صاحب الجملة الشهيرة «يسعدني أن أرفض بيان الحكومة». لم يكن يخفي صراحة أن تلك الحكومة تسعى إلى «تصنيع الفقر والغلاء والفساد والبطالة وتدني الخدمات».
بينما كان حسني مبارك يقول «أنا ربكم الأعلى»، كان صباحي يطالب بضرورة انتخاب رئيس الجمهورية من بين عدة مرشحين، وبتحديد سلطاته ومدة حكمه، على ألا تزيد على فترتين، مع الإشراف الكامل على الانتخابات ورفع يد الأمن عنها. طالب صباحي، تحت قبة البرلمان، بإطلاق الحريات العامة، وعارض تجديد قانون الطوارئ. لم يكن أداؤه داخل مجلس الشعب، في دورة عام 2001، مرحباً به من قبل النظام. استشعر أركانه بالخطر، فعملوا في دورة عام 2005 على إسقاط صباحي. صمد مؤيدوه رغم استخدام قوات الأمن كل وسائلها لمنع الناخبين من الوصول إلى صناديق الاقتراع. أطلقوا الرصاص الحيّ على الناخبين، وقع مئات المصابين وسقط شاب يدعى جمعة الزفتاوي شهيداً. بالنتيجة نجح حمدين، وحافظ على دورة ثانية له في البرلمان.
اتخذ النظام قراراً نهائياً بإسقاط صباحي في انتخابات عام 2010. وبالفعل، كرّس أمين التنظيم في الحزب الوطني المنحل، أحمد عز، كل جهوده لإسقاط حمدين، مستخدماً سلاح التزوير. ذهب عزّ بنفسه إلى دائرة حمدين بكفر الشيخ، الأمر الذي دعا حمدين إلى الانسحاب من السباق احتجاجاً على تلك الممارسات.
يتهم معارضو صباحي بأنه كان يموّل من الرئيس العراقي السابق صدام حسين والزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، مقابل تلميع نظاميهما. نفى صباحي تلك الاتهامات، مقدماً إقراراً بذمته المالية وقام بنشرها (المرشح الوحيد الذي قام بذلك)، وقال إن رصيده المالي 7 آلاف جنيه، ويمتلك شقة في المهندسين وأخرى في بلطيم، وسيارتين هيونداي وسكودا. وأكد أنه لم يأخذ «مليماً واحداً» من أي نظام مصري أو عربي أو أجنبي: «أنا أشرف من أن أفعل ذلك، لذلك فعيني ليست مكسورة لأحد».
شارك حمدين في تأسيس حركة «كفاية» المصرية، التي رفعت شعار «لا للتوريث ولا للتمديد». كان وجهاً مألوفاً في أغلب التظاهرات ذات الطابع السياسي أو تلك المتعلقة بالوضع الاجتماعي للعمال والفلاحين والموظفين. كان صباحي، أحد أهم المشاركين في اليوم الأول لثورة 25 يناير. قاد تظاهرة بمدينته كفر الشيخ، التي انضمت إلى تظاهرات ميدان التحرير بالقاهرة. لم يحنث «سليل عبد الناصر» باليمين التي أقسمها في مانشيت العدد الأول لجريدة الكرامة عام 2005، حين كتب بالخط العريض: «نقسم بالله العظيم... لن يرثنا جمال مبارك».
ويرى محمد العربي، الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية بوحدة الدراسات المستقبلية في مكتبة الاسكندرية، أن الاتجاه نحو «خيار حمدين» «كان الحدث الأبرز في الشهر الأخير قبل خوض السباق الرئاسي». وأضاف «بدا الأمر مثيراً أن تتحول آراء فئات محسوبة ومعتبرة من الناخبين نحو مرشح بهذه السرعة، حمدين صباحي له لون سياسي محدد وواضح، وهو لون ربما لم ينله التغيير منذ بدء مسيرته النضالية في السبعينيات، وقيادته لجزء كبير من الحركة الطلابية، وهو اللون الناصري الذي لا يزال له ثقل في ثقافة وخبرة قطاعات معتبرة من المصريين، وخصوصاً هؤلاء الذين لا يرون أن إسقاط حكم العسكر يستدعي الانقلاب على ميراث يوليو والقطيعة معه». ويتابع «ربما شعار حمدين هو تعبير عن هذا الاختيار الذي ترسم حدوده الأخرى الخوف من الإسلاميين أو على الأقل التوجس من توجهاتهم ورفض سلوكهم في مرحلة ما بعد الثورة، جزء كبير من المنحازين مؤخراً لحمدين لا يثقون بفك الارتباط الذي قام به عبد المنعم أبو الفتوح بجماعة الإخوان، أو كان أداؤه في المناظرة مخيباً لتوقعاتهم، يخاطب صباحي قاعدة شعبية أرهقها الفقر والإفقار الذي مارسه النظام السابق، غير أن ميراث عدم الثقة وربما الرفض الكامل لما يسمى نظام يوليو ينفر بعض قوى اليسار منه، وتأنف هذه القوى أن يوضع هذا الناصري القومي بينها في تصنيف القوى السياسية في مصر إلى يمينية ويسارية».



تحت المجهر النفسي


يرى الطبيب النفسي محمد المهدي، أن صباحي لديه طلة وجه مميزة، دائم الابتسام بما يعطي إحساساً بالطيبة والسماحة والقبول والتوافق مع الناس. هذا الطيبة والابتسامة «يُلمَح من خلفهما دهاء ريفي واضح ومؤكد»، يضيف مهدي. يعتقد الطبيب أن صباحي «لديه مشكلة في حاجته إلى المزيد من الحزم كشخص يترشح لرئاسة الجمهورية، ولا يجيد التسويق لنفسه. لديه كاريزما وقدرات قيادية، لكن نجاحاته لا تعبّر عن قدراته، ما يطرح علامة استفهام حول شخصيته. كما أنّه إنسان واضح في توجّهه، كاشتراكي وناصري».
من جهته، يرى الخبير النفسي هاني السبكي أن شخصية صباحي فيها علياء وزهو، وتأخذ الشكل المنفرد، ويظهر صباحي في كثير من المواقف متماهياً مع جمال عبد الناصر.