كان يفترض أن تهيمن أزمة الديون الأوروبية على قمة مجموعة الثماني، ولا سيما في ظل تعثر تأليف حكومة يونانية واجراء انتخابات جديدة، وهو ما يهدّد منطقة اليورو برمتها ومعها الولايات المتحدة في ظل العولمة الاقتصادية، لكن تسارع الأحداث في سوريا وحماوة الملفين السوري والإيراني، سرقا، بدورهما، اهتمام القادة.
وفي البيان الختامي للقمة، التي عُقدت على مدى يومين في كامب ديفيد، دعا قادة دول مجموعة الثماني الى الوقف الفوري للعنف في سوريا وتنفيذ خطة كوفي أنان، وحضوا إيران على انتهاز فرصة اجتماع بغداد الأسبوع المقبل لإعادة بناء الثقة بشأن برنامجها النووي. وقال البيان «نحن مستاؤون للخسائر في الأرواح والأزمة الإنسانية والانتهاكات الخطيرة والمتزايدة لحقوق الإنسان في سوريا». وأضاف «على الحكومة السورية وجميع الأطراف أن ينفذوا فوراً وفي شكل كامل التزامهم تنفيذ خطة النقاط الست التي وضعها موفد الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان، وخصوصاً إنهاء كل أعمال العنف».
وأكدت المجموعة دعمها لجهود أنان، وشددت على «تصميمها على التفكير في إجراءات أخرى في الأمم المتحدة وفق الحاجات»، منددة بـ «الهجمات الإرهابية الأخيرة في سوريا».
وفي السياق السوري أيضاً، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي استضاف القمة «أجرينا محادثات حول سوريا، ونحن جميعا نعتقد أن الحل السلمي والانتقال السياسي هما الأفضل». وأضاف «نحن جميعنا قلقون للغاية بشأن العنف الذي يجري في سوريا وخسارة الأرواح». وقال البيت الابيض إن اوباما أبلغ زعماء مجموعة الثماني ضرورة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، وأشار إلى اليمن كنموذج لانتقال سياسي يمكن أن ينجح في سوريا.
وفي الملف الايراني، رأى قادة الدول الثماني، في بيانهم، أنه على طهران أن تنتهز الفرصة في اجتماع الأربعاء المقبل بهدف «اجراء مفاوضات معمقة حول اجراءات ملموسة وفي مستقبل قريب، من شأنها أن تؤدي الى حل تفاوضي يعيد إرساء الثقة الدولية بأن البرنامج النووي الإيراني سلمي تماماً». وأشارت الى «وحدتها في ما يتعلق بقلقها الشديد حيال البرنامج النووي الإيراني، الذي تشتبه الدول الغربية في أن له بعداً عسكرياً رغم نفي الجمهورية الإسلامية».
وغمز البيان من ملف حقوق الإنسان في إيران، فحض طهران «على الوفاء بالتزاماتها الدولية على صعيد حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وخصوصاً حرية الديانة والصحافة، وعلى وضع حد لعمليات التعذيب والإعدام التعسفية».
كذلك تطرقت القمة الى الأزمة الكورية الشمالية، وقال البيان «لا نزال قلقين بشدة حيال الخطوات الاستفزازية لكوريا الشمالية، التي تهدد الاستقرار الإقليمي». وطالب بيونغ يانغ «بالتخلي في شكل يمكن التحقق منه عن أي برنامج له صلة بالسلاح النووي»، ودعاها الى «الوفاء بالتزاماتها الدولية». وحذر بإحالة الملف على مجلس الأمن الدولي إذا قامت بيونغ يانغ بإجراء اختبارات نووية، أو عمدت الى إطلاق مزيد من الصواريخ البالستية. وتطرقوا أيضاً الى ملف حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، وقالوا «لا نزال قلقين بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، وخصوصاً ما يتعلق بوضع السجناء السياسيين ومشكلة عمليات الخطف».
أما بالنسبة إلى الملف الاقتصادي، وهو ما يمثّل أهمية بالغة بالنسبة إلى الأوروبيين وإلى أميركا في ظل أزمة اليورو، من جهة أخرى، فدعا قادة دول مجموعة الثماني الى منطقة يورو «قوية وموحدة» تشمل اليونان، والتزموا بتشجيع النمو ومكافحة العجز. وأكدوا أنّ «واجبنا هو تشجيع النمو والأعمال». وحذروا من أن «إصلاح الاقتصاد العالمي يدل على إشارات واعدة، لكنّ رياحاً معاكسة قوية لا تزال تهب». وأضاف قادة مجموعة الثماني في بيانهم «إننا عازمون على اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لتعزيز وإنعاش اقتصاداتنا»، لكنهم أقروا بأن الإجراءات التي يتعين اتخاذها «ليست هي نفسها» للجميع، في إشارة الى خلافاتهم حول الاستراتيجية الواجب اعتمادها لمكافحة الأزمة.
بدوره، قال أوباما، في ختام القمة، «جميع القادة كانوا متوافقين اليوم هنا، ينبغي أن يكون النمو والتوظيف أولويتنا المطلقة». وأضاف إن «الروح التي سادت النقاش يجب أن تجعلنا نثق بأن أوروبا اتخذت تدابير ذات دلالة للتصدي للأزمة». وأضاف «الدول، على مستوى فردي، والاتحاد الأوروبي برمته، قامت بإصلاحات مهمة من شأنها تحسين آفاق النمو على المدى البعيد». وأشار الى أن «هناك اليوم تفاهماً اكثر وضوحاً على ضرورة بذل مزيد من الجهود لتوفير النمو وتأمين الوظائف في سياق هذه الإصلاحات المالية والبنيوية»، لافتاً الى أن «هذا التفاهم جرى تعزيزه هنا في كامب ديفيد».
وكانت المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل قد أعلنت أن «الرسالة المهمة التي علينا الخروج بها من القمة هي أن تصليب الموازنات والنمو هما وجهان لعملة واحدة». وأوضحت أن قادة مجموعة الثماني والاتحاد الأوروبي «توافقوا تماماً على القول إنه ينبغي القيام بالأمرين: الانضباط المالي، وفي الوقت نفسه بذل جهود من أجل النمو».
وفي ما يتعلق بسوق النفط، تعهد قادة مجموعة الثماني ضمان تزويد أسواق النفط بالإمدادات الكاملة، وفي الوقت المطلوب بهدف الحيلولة دون ارتفاع أسعار النفط بسبب العقوبات القاسية المفروضة على تصدير النفط الإيراني. وقالوا في بيانهم إنهم «سيراقبون الإمدادات عن كثب وسيطلبون من وكالة الطاقة الدولية اتخاذ الإجراءات اللازمة إذا تطلّب الوضع ذلك».
وشارك الرئيس الفرنسي الجديد فرنسوا هولاند للمرة الأولى في قمة مجموعة الثماني بعدما أدلى اليمين الدستورية كرئيس منذ نحو أسبوع، وبدا متحمساً لهذه المشاركة، إذ أبدى ابتهاجه بالتقدم، الذي سجلته قمة كامب ديفيد، ونسب لنفسه جزءاً مما توصلت اليه بشأن النمو.
(أ ف ب، يو بي آي، أ ب، رويترز)