دمشق | مفارقات بالجملة وحالة ترقب ومخاض طويلة، عاشها السوريون على مدى ثمانية أيام، في انتظارهم إعلان النتائج النهائية لاول انتخابات برلمانية تجري في ظل الدستور السوري الجديد، وقانون الانتخابات العامة. ولعل أبرز الأحداث التي عكرت حالة الانتظار هذه، هي تفجيرات منطقة القزاز الدموية، التي تصدرت نشرات الأخبار، وأحاديث السوريين لأيام أينما وجدوا، وأيضاً الاعتراضات الكثيرة والطعون التي قدمها بعض المرشحين والأحزاب السورية حديثة العهد، حول حصول الكثير من التجاوزات والخروقات الدستورية والقانونية، في العديد من المراكز الانتخابية في محافظات الحسكة، وريف دمشق، والعاصمة دمشق، واللاذقية.
الطعون هي التي تذرّعت بها اللجنة العليا للانتخابات في تأخير إصدار النتائج، مشيرة إلى إعادة الاقتراع في مجمل المراكز الانتخابية التي شهدت تجاوزات. وقال رئيس اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات، المستشار خلف العزاوي، «تأخر إصدار النتائج النهائية للدورة الانتخابية الحالية، بسبب العمل على تدارك جملة الطعون والتجاوزات القانونية المحقة، التي تقدم بها بعض المرشحين المستقلين، أو بعض الأحزاب الجديدة، في بعض المراكز والقطاعات الانتخابية».
واوضح العزاوي، في مؤتمر صحافي عقده أمس على مدرج قصر العدل الجديد، «أن الشعب السوري هو مصدر السلطات وحكم الشعب بالشعب وللشعب» وأهم ما ميز الدورة الانتخابية البرلمانية الحالية عن سابقاتها هو «الإشراف القضائي الكامل والمباشر على عمليات الانتخاب، من قبل اللجنة العليا للانتخابات، واللجان الفرعية في الدوائر الانتخابية في المحافظات، عملا بأحكام قانون الانتخابات الجديد».
وبعدما شدّد العزاوي على صدقية اللجنة، أفصح عن النتائج التي أفرزتها عمليات الفرز، من دون أن يسمي التكتل الفائز، وأشار إلى أن العدد الكلي للمواطنين السوريين الذين يحق لهم الانتخاب بلغ 10118519 ناخباً بعد استثناء الذين لا يحق لهم الانتخاب، وغير المقيمين على الأراضي السورية، وبلغ عدد المقترعين منهم 5186957 أدلوا بأصواتهم في صناديق الاقتراع، وبالتالي تكون نسبة الاقتراع النهائية هي51,26 بالمئة.
ضحالة المعلومات والبيانات التي قدمها المؤتمر، حول نتائج الانتخابات وتفصيلاتها ونتائجها النهائية المرتقبة، أثارت شهية الصحافيين لطرح أسئلة كثيرة، فضل العزاوي حصرها «في خطة سير وعمل الانتخابات، وربطها مع قانون الانتخابات الجديد، وآلية تطبيقه والعمل به على الأرض، وجملة التجاوزات القانونية والطعون التي قدمها المرشحون أو الأحزاب المختلفة»، لكنه مع ذلك كان حازماً وقاطعاً وغير متفاعل أو متعاون في إجاباته التي قدمها عن الكثير من التساؤلات المنطقية والموضوعية التي وجهت له، مثل «بيان أعداد النواب عن حزب البعث العربي الاشتراكي، الذين فازوا بمقاعد في الانتخابات الأخيرة، وعدد النواب عن الأحزاب الأخرى أيضاً»، وسؤال آخر استفسر فيه صاحبه «عن آلية عمل أو مستقبل البرلمان السوري، في حال قاطع جلساته عدد كبير من النواب المعارضين، أو التكتلات والتحالفات المعارضة إن وجدت». تساؤلات موضوعية قوبلت من العزاوي بالاستهجان والاستغراب، واعتبرها خارج نطاق أو مجال المؤتمر الصحافي، بينما استفاض في الشرح والتفصيل عن وجهة نظره الشخصية، حول مفهوم ومعنى الشباب، عندما سأله أحد الصحافيين عن نسبة وعدد النواب الشباب الذين فازوا بالاستحقاق البرلماني.
ولدى سؤال احد المراقبين الذين حضروا المؤتمر عن عدم تقديم إجابات حول البيانات التفصيلية لنتائج الانتخابات، قال لـ«الأخبار» «إن العزاوي وزملاءه في اللجنة، هم هيئة استشارية قضائية قانونية دائمة للانتخابات البرلمانية، وليس من اختصاصهم تقديم هذه المعلومات والبيانات. كان من المفترض توقع جميع الأسئلة التي طرحت، وأن تتواجد جهات معنية ومختصة للإجابة عن هذه التساؤلات الموضوعية».
بدوره، اعتبر عدنان عبد الرزاق، أمين تحرير في جريدة البعث الحكومية، انه لا يوافق القاضي العزاوي في مسألة تهربه من تقديم أرقام ونسب تفصيلية، حول النواب الفائزين عن كل حزب من الأحزاب التي تنافست على مقاعد البرلمان، لأن هذه البيانات لطالما أعلنت بشكل واضح وتفصيلي لوسائل الإعلام المختلفة. واضاف: «كان حرياً بالعزاوي الإجابة عن جميع تساؤلات الصحافيين، لأنها جميعها لم تبتعد أو تخرج عن الذي حدده لهم في بداية المؤتمر». وأشار عبد الرزاق إلى أن العزاوي ربما لم يكن على علم أو اطلاع على نسب وأرقام هذه البيانات التي سئل عنها «ربما كان ذلك بسبب تحالف مرشحي حزب البعث، مع بعض الأحزاب الأخرى في ما سمي قائمة الوحدة الوطنية».
وأوضح الإعلامي السوري أن العدد الكبير المتوقع للنواب عن حزب البعث في البرلمان السوري «هو أمر طبيعي ومتوقع» ويعود ذلك إلى القاعدة الشعبية الواسعة لحزب البعث التي تتجاوز 2 مليون عضو، منهم نحو المليون ونصف المليون على أقل تقدير، يحق لهم الانتخاب. أما بقية الأحزاب الناشئة الوليدة التي تنافست في الانتخابات الأخيرة «فهي لم تتمكن خلال مدة قصيرة ان تأسيس قواعد شعبية تؤمن لها المنافسة على المقاعد البرلمانية».
بعد إعلان النتائج النهائية لانتخابات مجلس الشعب، لا يبدو المزاج العام راضياً تماماً عنها وعن تفاصيلها وأرقامها، في ظل اكتساح حزب البعث وعدد من النواب المستقلين المتحالفين معه، مقاعد البرلمان دون أن يتبدل الكثير في المشهد الذي اعتاده السوريون منذ سنوات طويلة، غير أن الجديد هذه المرة، هو حضور الأحزاب الجديدة، التي فشلت في الوصول إلى مقاعد البرلمان التي نافست عليها أحزاب أقدم منها، تمتلك قاعدة شعبية ومناصرين منذ عقود طويلة. سرعان ما قرأ رؤساء الأحزاب الجديدة ومناصروهم، مشهد الانتخابات ونتائجها المرتقب سريعاً، فانسحب البعض وقرر آخرون المضي قدماً، ولكن في المحصلة النهائية، اتفاقهم جميعاً على المشهد الانتخابي، لم يكن متوقعاً، او على الأقل جاء بعكس ما كانت تطمح وتتمنى حدوثه غالبية الأحزاب الجديدة.
بروين إبراهيم، رئيسة حزب الشباب الوطني للعدالة والتنمية، اعتبرت «أن الانتخابات كانت نوعاً من المشاركة بالتعددية السياسية، والإصلاحات التي انطلقت مسيرتها في البلاد، لكن عمليات تزوير قد وقعت في المحافظات ومناطق عديدة، وخاصة في الحسكة، وثمة أدلة وإثباتات حول ذلك». وتوجهت إلى الرئيس السوري بشار الاسد من أجل علاج هذه الأزمة.
جملة الانتقادات والملاحظات السلبية التي قدمتها إبراهيم، تقاطعت مع ما قاله لـ«الأخبار» ماهر مرهج، رئيس حزب الشباب الوطني السوري، الذي قرر هو الآخر الاستمرار في الترشح وخوض الانتخابات البرلمانية، دون أن يحصد من الأصوات ما يؤهله لدخول مجلس الشعب. وقال «إن الانتخابات لم تكن نزيهة وشابتها العديد من التجاوزات، والمخالفات القانونية بشتى الوسائل، كالتزوير وتسجيل أسماء وهمية، كل هذه الانتهاكات حصلت تحت أنظار بعض أمناء الصناديق، الذين قاموا بذلك لصالح المستقلين، فالمال السياسي صرف هذه المرة على أمناء الصناديق، وهو ما قام الحزب بتوثيقه للمحكمة الدستورية، التي من شأنها بت الطعون الانتخابية».
وأكد مرهج أن حزبه يرفض الاعتراف بنتائج الانتخابات النهائية، ويعتبر أن «مجلس الشعب لا يمثل الشعب السوري، فما بني على باطل فهو باطل، وهذه المجموعة من النواب البرلمانيين الجدد، تمثل بعض الشركات التجارية، والأشخاص الذين استغلوا الأزمة، وبرزوا بشعارات لا تسمن ولا تغني من جوع». واعتبر المهندس الشاب أن فكرة تأجيل الانتخابات البرلمانية لم تكن واردة بوجود جهات تشكك في الإصلاحات «ولم نعول على عامل الوقت، بقدر ما هو عامل الشفافية، وعليه فإن من المهم الدعوة إلى إعادة الانتخابات، في أقرب وقت ممكن وفق نظام النسبية، واعتماد سوريا دائرة واحدة، واعتماد كوتا للأحزاب والمرأة والشباب، وبالتالي تتنافس كل شريحة في المجتمع بصيغة أوسع».
وأشار مرهج بعد قراءته الأولية لردود أفعال الشارع السوري، حول نتاج الانتخابات إلى «أن النتيجة النهائية خلقت حالة من عدم التفاؤل لدى الناس، وأفرغت طروحات الإصلاح من محتواها عندما تجاهلت الجهات المختصة أن نسبة 40% من الشعب قاطعت الانتخابات بشكل مقصود، فيما رفضت 40% أخرى المشاركة، التي اقتصرت على 20%، والنتيجة اليوم أن هاتين الشريحتين قد تعرضتا لخذلان، وافتقدتا الثقة بالإصلاح».
وإذا كان هذا انطباع من حسم قراره بالتوجه للانتخابات، فإن وجهات نظر الأحزاب التي قررت مقاطعة الاستحقاق الانتخابي لا تختلف كثيراً، كما يرى عمار الرفاعي، نائب رئيس حزب الأنصار، الذي يعتبر أن قرار الحزب بالانسحاب «كان بسبب عدم التكافؤ وفق قانون الأحزاب، فحزب البعث استغل مرافق السلطة، وإمكانات الدولة في العملية الانتخابية، وهو ما يخلق عدم تكافؤ فرص مع أي حزب خارج السلطة. نحن مستعدون للخسارة أمام شعبية البعث، ولكن لا للمخالفة». واعتبر أن حزب البعث يستمر بنفس الأسلوب التقليدي، وبحسب رأيه فقد كان من المهم تأجيل الانتخابات البرلمانية قليلاً، بسبب تردي الأوضاع الأمنية، لكن الخطأ جاء من لجنة صياغة الدستور، التي أقرت إقامة الانتخابات البرلمانية، خلال تسعين يوماً من إقراره، وكان ضرورة لعدم مخالفة الدستور.
ويختم الرفاعي بقوله «أن البرلمان الجديد لن يقدم شيئاً، والواجب اليوم إنهاء الأزمة الحالية التي تعيشها البلاد»، وهو ما تتفق معه فيه مجد نيازي، رئيسة حزب «سوريا الوطن»، التي قالت «إن المجلس الجديد لا يمثل الحزب على الأقل، والأحزاب الجديدة كان من المفترض أن يكون لها كوتا باعتبار أنها ما زالت ناشئة، ومن الصعب الوقوف أمام حزب كالبعث، لديه تجربة طويلة في السلطة». وأشارت إلى أنه كان من الممكن إعطاء نسبة ما للأحزاب الجديدة، هذا إن كان للسلطات العليا رغبة حقيقية في إقامة حالة تشاركية في الحياة السياسية الجديدة «لكن النتيجة هي أن النواب الجدد، لم يتغيروا كثيراً عن الدورة السابقة، مع أحزاب مترهلة، تحالفت مع البعث». وتستغرب نيازي بروز شخصيات من دون أي نشاط سياسي أو اجتماعي لها سابقاً، ومع ذلك فقد حصدت نجاحاً أوصلها للبرلمان، بالإضافة إلى نسبة عالية من مرشحين في دمشق مثلاً لا ينتمون إليها، والخلل في النسبة التمثيلية مقارنة بعدد السكان. واعتبرت أن الخطوة المقبلة بالنسبة لها، هي العمل على تقوية حزبها الجديد، ونشر أفكاره، ضمن عدة خطط تتعلق أيضاً بمفاصل أداء السلطة التنفيذية، بحيث يكون أداؤها أفضل، مع عدم استبعاد المشاركة في الحكومة الجديدة وتقديم عدة رؤى لقطاعات الدولة، والأولويات التي يجب أن تهتم بها الحكومة المرتقبة.
من جهته، لم يبد الكاتب والمعارض السوري فاتح جاموس أي اهتمام يذكر بمسألة الانتخابات البرلمانية، وجملة التساؤلات الكثيرة التي أثارتها خروقاتها وتأخر صدور نتائجها، والطعون والتجاوزات القانونية التي تخللتها. وقال «اعتبر موضوع الانتخابات البرلمانية الآن، مسألة ثانوية وغير هامة نهائياً، مقابل أساس وجوهر الأزمة التي تعيشها البلاد اليوم». وأشار إلى أن النظام السوري، المتمثل بمؤسساته الحكومية المختلفة «يكرر ممارساته ومماحكاته السابقة، التي كان يقوم بها خلال الانتخابات، وإن اختلف هنا شكلها وهيئتها، لكن نتائجها الفعلية هي ذاتها لا اختلاف فيها».
وأكد المعارض السوري على جملة ما طالب به سابقاً في دعواته الكثيرة التي وجهها إلى جميع أطراف المعارضة الوطنية الحقيقية، للجلوس إلى طاولة الحوار مع النظام السوري «إنها الوسيلة الوحيدة لإخراج البلاد من الأزمة الكبرى التي دخلتها. ربما هذه القضية أكثر أهمية وموضوعية من مسألة الانتخابات البرلمانية».



30 امرأة

تشير الارقام الى نسبة اقبال في انتخابات 2012 لا تختلف كثيرا عن الانتخابات البرلمانية لعام 2007 حين لم يكن هناك ولو تحد رمزي لحكم البعث. وفي الانتخابات البرلمانية الاخيرة لعام 2007 أعلن المسؤولون عن نسبة اقبال بلغت 56 في المئة. وتلا رئيس اللجنة العليا للانتخابات في سوريا خلف العزاوي اسماء الفائزين في الانتخابات بحسب الدوائر والبالغ عددهم 250 نائباً دون ان يحدد انتماءهم السياسي، مشيرا الى أن بينهم 30 امرأة.
وأوضح العزاوي أنه سيصدر مرسوم خلال 15 يوما عن رئيس الجمهورية بشار الأسد لدعوة الفائزين في الانتخابات إلى حضور الجلسة الأولى للمجلس التي يرأسها أكبر الأعضاء سناً وأصغر عضوين، مشيراً إلى الإجراءات التي يتم بموجبها انتخاب مكتب المجلس المؤلف من رئيس المجلس ونائبه وأميني السر إضافة إلى آلية تشكيل لجان المجلس التي يحددها نظامه الداخلي.
تجدر الاشارة الى ان اللجنة العليا للانتخابات مدتها أربع سنوات وغير قابلة للعزل وإذا حصلت انتخابات أخرى فسوف تستمر وتمارس عملها.