تتصاعد حدّة الاعتراضات من الكتل السياسية على التشكيلة الحكومية التي قدمها رئيس الوزراء حيدر العبادي، أخيراً، خصوصاً أن هذه الكتل وجدت نفسها خارج التشكيلة، الأمر الذي يُضعف موقفها في إطار أي استحقاق انتخابي مرتقب. وبينما تواصلت المعلومات عن مساعٍ تجري في الكواليس لإطاحة العبادي، ذكرت التسريبات أن «التحالف الوطني» بدأ فعلاً بتهيئة بدلاء لرئيس الوزراء من حزب «الدعوة» ومقرّبين من رئيس الحكومة السابق نوري المالكي. يأتي ذلك في وقت استمر فيه رئيس المجلس الإسلامي عمار الحكيم، في سيره على خط المواجهة، مقدّماً مبادرة «من أجل إخراج البلد من الوضع المأزوم، الذي وصل إليه وتجاوز الانسداد السياسي الحالي»، الأمر الذي رفضه العبادي، مشدداً على تبنيه التشكيلة التي طرحها أمام البرلمان فقط.
وقبل أيام التقى الحكيم رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، وعدداً من قيادات «اتحاد القوى». وبحسب بيان صادر عن مكتبه، فقد قدّم مبادرة «تضمنت خريطة طريق من مسارين». وأشار البيان إلى أن المسار الأول يتعلق بـ«الاستمرار بتشكيل حكومة التكنوقراط وتمثيل المكونات الأساسية من خلال منحها حقها بترشيح تكنوقراط، إن كان مستقلاً أو سياسياً، للمواقع المحدّدة ضمن مواصفات وشروط يضعها رئيس الوزراء مع صلاحيته بالبت بالمرشحين». إلا أن المبادرة تضمنت، أيضاً، اعتماد الوزراء الذين قدمهم (العبادي) في كابينته الوزارية المقترحة (أي الوزراء الذين يعدّهم الحكيم تكنوقراط فقط)، مضيفة أن على رئيس الوزراء أن يقوم «بفتح باب الترشيح لمواقع الهيئات المستقلة وكبار الدبلوماسيين والقادة العسكريين، من دون استثناء، وغلق ملف التعييات بالوكالة والشواغر في جميع المواقع الحكومية، وأن تكون له الحرية في الاختيار بعيداً عن المحاصصة السياسية التوافقية، وحسب السياسات الدستورية في جميع المواقع الحكومية والدرجات الخاصة مع حفظ التوازن الوطني».
المبادرة التي عرضها الحكيم على الجبوري تطرّقت إلى وجوب «تحديد تسعين يوماً لتنفيذ الجزء الأول من خريطة الطريق تبدأ من منتصف الشهر الحالي وتنتهي منتصف شهر تموز، لتقويم ما تحقق وتقويم التزام جميع الأطراف الواجبات الملقاة على عاتقها».
أما المسار الثاني الذي تضمّنته المبادرة، إذا تعذر تنفيذ المسار الأول، فسيعتمد «تنفيذ الخطوات التالية بالعمل على تغيير كابينة الحكومة والدعوة إلى تشكيل حكومة تكنوقراط، تشمل رئيس مجلس الوزراء والعمل على حفظ التوازن الوطني في الحكومة المزمع تشكيلها، ويحدد ذلك بسقف زمني مدته ثلاثون يوماً واعتماد الخطوات المذكورة في المسار الأول».
وفي أول رد على مبادرة الحكيم، أعلن العبادي رفضه تبني أي مبادرة خارج ما طرح الأسبوع الماضي في البرلمان. وقال المتحدث باسمه، سعد الحديثي، إن «مبادرة رئيس الوزراء هي ما طرح في البرلمان، وللبرلمان مناقشتها أو رفضها». وأضاف أن العبادي «لا يتبنى أي مبادرة أخرى، خارج ما طرح في مجلس النواب».
بدوره، وضع رئيس مجلس النواب سليم الجبوري خريطة طريق بشأن الوزراء المنتهية ولايتهم. وقال في كلمة له إن البرلمان سيعقد جلسة طارئة للتصويت على الحكومة التي قدمها العبادي، في حال جاهزيتها قبل يوم الثلاثاء المقبل.
في غضون ذلك، أكد المبعوث الخاص للرئيس الأميركي، بريت ماكغورك، دعم الولايات المتحدة للإصلاحات وتجاوز الأزمة المالية في العراق، والتقى ماكغورك كلاً من العبادي والحكيم. وخلال لقائه هذا الأخير، اعتبر ماكغورك أن مبادرته للإصلاح تشكل «حلاً يُخرج الجميع رابحاً». يأتي ذلك في وقت أعلن فيه وفد الكونغرس الأميركي، الذي يزور بغداد، دعمه الكامل لإصلاحات العبادي.
في هذه الأثناء، واصلت الكتل السياسية العراقية تحركاتها الداعمة أو الرافضة للتشكيلة الوزارية الجديدة. ولوّح ائتلاف «متحدون للإصلاح» باللجوء إلى المعارضة الحكومية، معلناً في بيان عقب اجتماع استثنائي أن التغيير الجزئي يجب أن يكون «عبر الطرق الدستورية والقانونية، ومن خلال الكتل السياسية، بما يراعي مبدأ التوازن الوطني وعدم تغييب أي مكوّن». وحذر «من استغلال الإصلاح كلافتة لتعزيز هيمنة حزب معيّن، وتوسيع نفوذه على حساب الآخرين». وأشار الائتلاف إلى أنه «في حالة اختيار التغيير الشامل، فإننا نرى أن لا يستثني التغيير أحداً من الكابينة الوزارية، وأن تقوم الكتل باختيار مرشحيها من ذوي الخبرة والاختصاص لشغل الوزارات المخصصة لها».
لكن «اتحاد القوى العراقية» (الذي يدخل من ضمنه ائتلاف «متحدون») ردّ على ذلك بالقول إن موقف «متحدون» «يمثله وحده»، فيما أكد أنه «لن يكون» سبباً معرقلاً لمشروع الإصلاح الشامل. وأوضح «اتحاد القوى»، في بيان، أن «موقف الأغلبية النيابية والسياسية لاتحاد القوى، التي تضم ما يزيد على 40 نائباً، ﻻ يمكن أن يختزل بموقف ائتلاف متحدون».
بدوره، هدّد «التحالف الكردستاني» بسحب الثقة من العبادي، في حال إصراره على التشكيلة التي قدمها للبرلمان. وفيما أكد أن نوابه لن يصوتوا على التشكيلة الوزارية، طالب بمنح الكرد استحقاقهم «كقومية وليس كحزب». وقال النائب عن «التحالف الكردستاني» عرفات كرم، إن «التحالف فوجئ بالكابينة الوزارية، ذلك أنه كان من المفترض أن يجري التفاوض مع الكتل السياسية قبل تقديمها».
وللحدّ من آثار الاعتراضات المتصاعدة، اجتمع رئيس الجمهورية فؤاد معصوم مع أعضاء من كتلة «اتحاد القوى» والكتل الكردستانية، وبحث معهم سبل تجاوز الأزمة. وذكر بيان أن «معصوم أكد، خلال الاجتماع، حرصه على إجراء اللقاءات مع كافة الكتل النيابية والقوى الفاعلة، من أجل بلورة الرؤى المشتركة لضمان تجاوز العقبات الراهنة».
(الأخبار)