الجزائر | لم تهضم معظم التشكيلات السياسية النتائج المؤقتة التي أعلنتها وزارة الداخلية بخصوص الانتخابات البرلمانية التي جرت الخميس الماضي في الجزائر، إذ أعربت بعض الأحزاب عن صدمتها مما سمته «التزوير على نطاق واسع»، وبدأت أخرى التفكير في حل نفسها لاعتقادها أن «المجال السياسي أصبح مغلقاً وصار مجالاً عسكرياً بامتياز»، فيما تستعد أحزاب أخرى لعزل قادتها. وأكدت زعيمة حزب العمال، الذي تراجع ستة مقاعد عن حجمه في انتخابات 2007، الويزة حنون، أن النتائج « طبخت على المستوى المركزي في العاصمة». وحمّلت وزير الداخلية ودوائر الأمن مسؤولية «مصادرة ارادة الشعب». وأعلنت حالة طوارئ في صفوف حزبها تحسباً لأي جديد. أما رئيس «جبهة العدالة والتنمية» الاسلامي، الحاصل على سبعة مقاعد، عبد الله جاب الله، فرفض النتائج كلياً، وقال إنها نتيجة عمل مخبري عوض بها النظام نتائج الصندوق.

في غضون ذلك، يرتقب أن يعلن رئيس حزب «الحرة والعدالة» المعتمد حديثاً، محمد السعيد، يوم الخميس نتائج مشاورات قال إنها تجري في صفوف حزبه بشأن احتمال وقف النشاط نهائياً وحل الحزب بعد نحو ثلاثة أشهر فقط من النشاط. وكان هذا الحزب، الذي قدم الاعتماد قبل 13 عاماً بقيادة وزير الخارجية الاسبق الدكتور أحمد طالب الابراهيمي، قد ناضل طيلة هذه المدة حتى حصل على الترخيص بالنشاط في بداية العام الجاري، وذلك في سياق الاستعداد للانتخابات والاجراءات الاستثنائية التي اتخذت لتحفيز الناس على التصويت وتوسيع مجال الاختيار.
وتتواصل القواعد والكوادر الوسطى لأحزاب «تكتل الجزائر الخضراء» بقيادة الاخوان المسلمين، من أجل اصدار موقف موحد يميل لمطالبة قادة «مجتمع السلم» و«النهضة» و«الاصلاح» بالاستقالة لفتح المجال أمام طاقات جديدة يمكنها قراءة الحقل السياسي. وتتهم هذه القواعد قادتها بالسذاجة، لكونها استُدرجت للمشاركة في «وليمة انتخابية» كان ظاهراً عليها منذ البداية أنه لا يمكن الوثوق بالنظام، وأنها ستكون مجرد غطاء لاستمرار نفس التوجه.
ودخلت تشكيلات سياسية كثيرة في سبات عميق بعد الصدمة، بحيث لم يسجل أي ردّ فعل حتى الآن. ونشرت الصحف الجزائرية مئات المقالات والتقارير بالعربية والفرنسية حول النتائج التي انتهت اليها انتخابات وصفها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قبل اجرائها بالمصيرية، ووصفها وزيره للداخلية دحو ولد قابلية بـ«الربيع الجزائري الاصيل».
وأجمعت معظم التقارير على أن ما جرى «غير واقعي»، وأن « النظام استنسخ نفسه»، وأن من يحكمون الجزائر «فوتوا فرصة كبيرة لاحداث تغيير سلس»، ومنهم من رأى أن النظام الجزائري أعطى الانطباع في هذه النتائج بأن الانتقال السلمي للديموقراطية غير متاح. انتقادات لم توفرها حتى الصحف الخاصة المقربة من السلطة، التي سخرت من النتيجة سواء نسبة التصويت ( 42.36 في المئة التي لا تتلاءم تماماً مع حجم الإقبال) أو توزيع المقاعد، حيث يستحيل أن يحصل حزب يكرهه الجميع على ما يقارب نصف عدد مقاعد البرلمان ولو كان خصومه في غير مستوى الثقة.
هذا على صعيد الطبقة السياسية والاعلام، أما على المستوى الشعبي، فاستمر الشباب في التهكم على مواقع التواصل الاجتماعي، وسخروا من الاحزاب التي أعلنت الهزيمة على اعتبارها ساذجة ومندفعة وهاوية خسائر. وذكّرت المدونات الالكترونية بمواقف تلك الأحزاب حين استفادت من تزويرات الانتخابات السابقة، كيف تقبلت النتائج واحتضنتها رغم شكاوى غيرها من الظلم، وذهب آخرون الى اعتبار إعلان جبهة التحرير فائزة بنسبة 48 في المئة من المقاعد ترجمة لمقولة أدولف هتلر الشهيرة «كلما كانت الكذبة كبيرة صدقها الناس».
ومن ضمن عبارات التهكم التي تناقلها الناس على مواقع التواصل الاجتماعي أن الرئيس بوتفليقة كان قد أعلن النتيجة قبل ثلاثة أشهر حين شبّه العاشر من أيار (تاريخ الانتخاب) بالفاتح من نوفمبر، تاريخ اندلاع الثورة. وهذا التشبيه يتعلق بقيادة الجبهة للحدث؛ ففي 1954 قادت جبهة التحرير الثورة، وفي 2012 تقود البرلمان.
كذلك لم تشهد الجزائر أي مظاهر احتفالية منذ اعلان النتائج. ويبدو أن صدمة النتائج طاولت أيضاً أنصار جبهة التحرير، فهؤلاء لم يكونوا يتوقعون بتاتاً أن يشغلوا ما يقارب نصف البرلمان، وجل ما كانوا يطمحون اليه هو أن يحافظوا على مركزهم بفارق بسيط عن منافسيهم، أو أكثره احتلال الصف الثاني بعد التكتل الاسلامي.