القاهرة | في مقاهي العاصمة المصرية، قنوات الترفيه هي الأساس. الرقص الشعبي، والأغاني، وطبعا المباريات الكبيرة. لكن في الأحداث الفارقة، يستشعر أصحاب تلك المقاهي أهمية اللحظة. في أثناء الثورة كانت القنوات الإخبارية الأكثر مشاهدة على المقاهي. وحتى الساعات الأولى من صباح أمس كانت المقاهي تبتعد عن الترفيه لتركز على أول مناظرة في التاريخ المصري، بين اثنين من أقوى المرشحين لأول انتخابات رئاسية حقيقية مصرية.
الملايين تابعوا المناظرة التي جمعت الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، والأمين العام لاتحاد الأطباء العرب عبد المنعم أبو الفتوح، والتي اتسمت بالهجوم الحاد بين المرشحين. حاول كل منهما إحراج الآخر، وكشف نقاط ضعفه. أبو الفتوح كرر جملة «كان السيد موسى أحد أركان النظام السابق»، أكثر من مرة خلال المناظرة، بينما كان موسى يردد بأن «أبو الفتوح رجل متناقض ومزدوج يقنع الإسلاميين بأنه معهم، والليبراليين أيضاً، فحصل على تأييد هؤلاء ومباركة هؤلاء».
المرشحان حاولا اقناع الجمهور ببرامجهما. وبينما كان أبو الفتوح أكثر وضوحاً وتركيزاً، بدا موسى في أكثر من موضع مرتبكاً، ما أوقعه في فخ وصف ايران بأنها دولة عربية. كذلك كانت اجاباته عامة بعيداً عن التحديد، ولا سيما في مسألة الذمة المالية لكل منهما. فإجابة أبو الفتوح كانت مفصلة، وقال «أنا طبيب على المعاش وأحصل على 10 آلاف جنيه شهرياً من عملي». ورفع كشفاً بمصادر دخله وثروته، بينما تحدث موسى في العموم وقال إنه سيعلن ذلك على الجمهور في حال فوزه بالانتخابات، لافتاً إلى أن حالته المادية «ميسورة في حدود المعقول وتقدمت بها رسمياً للجنة العليا تفصيلاً».
أما باقي المناظرة التي استمرت لقرابة الأربع ساعات، فكانت مبارزة بين الطرفين. تمكن أبو الفتوح في الفوز بأغلبيتها، لكن موسى كان يحاول استمالة ما يعرف بـ«حزب الكنبة»، والتأكيد على حالة الإسلاموفوبيا، فعمل في أكثر من موضع على اثبات أن أبو الفتوح يعتنق فكراً إسلامياً متشدداً. وقال «أسأل الدكتور أبو الفتوح: لقد قلت أن من حق المسلم التحول للمسيحية ومن حق المسيحي التحول للإسلام، هل لا يزال هذا رأيك وجزءاً من تفكيرك؟ هناك أمور كثيرة صرحت بها ثم غيرت موقفك؟». أبو الفتوح رد عليه «تعبير عمرو موسى غير صحيح أو غير دقيق، أنا قلت إن الله أعطى للبشر حق الدين فالله يقول «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، وذكرت أن ما هي عقوبة للردة تساوي في الشريعة الاسلامية الارتداد عن النظام العام للمجتمع بالتالي الفقهاء حتى في قضية الردة قالوا المرتد المحارب لدستور أمته وهو الدين يستتاب يوم وأربعة وخمسة بل بعضهم قال يستتاب إلى آخر عمره، أي يتم اقناعه دون التدخل في حق الاعتقاد المقيد بالاختيار». وأضاف «لعل الأستاذ عمرو موسى يرجع للمرجع الذي استقى منه معلوماته». موسى عاود الضرب على نفس الوتر من جديد بعدما استعان بمؤلف لمذكرات أبو الفتوح والتي نقل موسى عنه فقرة يقول فيه «نحن نؤمن بجواز استخدام العنف بل وجوبه في حالة الضرورة»، وتوجه إلى أبو الفتوح قائلاً: «أرجو أن يشرح لنا معنى تلك العبارة؟». فكان رد أبو الفتوح هجومياً «هذا الكتاب واجهت فيه هذه النصوص التي قال فيها شباب استخدموا العنف في المعارضة، فتاريخ الحركة الإسلامية سلمي منذ أوائل السبعينات حتى الآن، في ما عدا مجموعة الجهاد والجماعات الإسلامية، ولقد تم رفضه من قبل الحركة الإسلامية الأم، والآن هم أنشأوا حزب البناء والتنمية ويقومون بعمل وطني، أما مسألة اقتناص كلمات فتاريخي لا يعرفه عمرو موسى». وأضاف «أنا مثلت مصر كرجل سياسي لا كموظف دبلوماسي، في منظمات عربية وأفريقية ودولية، وشاركت في منظمات بالعالم كله، وفضلاً عن ذلك فلم أكن موظف دبلوماسي في نظام أهان مصر».
المتابع للمناظرة يلاحظ اللغة البسيطة والصادقة التي نجح أبو الفتوح في توصيلها للمشاهد، واستعانته بأحاديث نبوية وآيات قرآنية في أكثر من موضع، في محاولة استمالة الجميع وترديد عبارات تفخيم المصريين «كخادم للشعب»، و«الشعب المصري العظيم». الأمر نفسه تكرر عند حديثه عن عدم أهمية وجود قصور الرئاسة، «لأن الرئيس لا بد أن يكون إلى جانب شعبه لا معزولاً عنه». كذلك حاول أبو الفتوح استمالة الثوار، ولا سيما عندما بدأ المناظرة بتحية لأرواح شهداء الثورة والفترة الانتقالية. على الجانب الآخر، كان موسى يراوغ طوال الوقت ويجيب على التساؤلات بشكل دبلوماسي أكثر منه سياسياً. واعتمد بشكل كبير على القطاعات التي «كفرت بالثورة» وتسعى إلى الاستقرار السياسي والأمني. وحاول أيضاً أن يركز على واحدة من الصفات التي يرغبها قطاع كبير من المصريين بأن تكون لرئيسهم: صاحب كاريزما وشخصية قوية، غير أن مبالغته وتفخيمه لنفسه طوال المناظرة واستخدامه للضمير «نحن» عندما يتحدث عن نفسه، أضفى عليه صفات يبغضها الكثيرون. فبدا موسى أكثر تكبراً وفخراً بماضيه، وزهواً بانجازاته في وزارة الخارجية في نظام مبارك أو من خلال تولية أمانة الجامعة العربية، وكان واضحاً أن موسى يركز على تلك الانجازات، ويهاجم دائماً منافسه.
ولأنه لا يوجد حتى الآن استطلاع رأي يوضح مدى استفادة وخسارة كل مرشح من هذه المناظرة، إلّا أن فريقاً كبيراً من الشارع المصري تأكد لديه أن أبو الفتوح الأكثر قرباً منه، بوصفه مرشحاً صاحب خلفية إسلامية معتدلة، وعلى علاقات قوية بالليبراليين واليسار، وبرنامجه شامل، وردوده واضحة. ويرى هذا الفريق أن موسى هو الخاسر من المناظرة.
واختلف عدد من السياسيين والمثقفين حول الفائز من المناظرة. فقال بلال فضل على حسابه الشخصي على موقع «تويتر» «لا أعتقد أن المناظرة أضافت جمهوراً كبيراً لأبو الفتوح لكن مؤيديه سيزدادون اقتناعاً به، لكن عمرو موسى خسر طبعاً بمغالطاته».
من جهته، اعتبر الأمين العام لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، عبد الغفار شكر، أن أبو الفتوح وموسى، تعثرا في مواقف محددة وكلاهما لم يجيبا على كل الأسئلة. وأشار إلى أن موسى كانت لديه القدرة على طرح آرائه بشكل أقوى وبنوع من الحماسة، الأمر الذي كان له أثر كبير على المشاهدين.
وفي ظل هذا الاختلاف في تقييم المناظرة، اتجه فريق آخر من المصريين للتأكيد أن المرشح حمدين صباحي هو الفائز من المناظرة وليس موسى أو وأبو الفتوح، لأنهما «كشفا نقاط ضعف كل منهما بينما حمدين لا يزال قوياً».